إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات وأحداث تاريخية / الدولة السعودية الثالثة (تأسيس المملكة العربية السعودية)






السعودية في الوقت الحالي



تمهيد

تمهيد

 

نهاية الدولة السعودية الثانية، وسنوات الاغتراب (1309 ـ 1319هـ / 1891 ـ 1902م)

يقسم المؤرخون التاريخ السعودي إلى ثلاثة أدوار، أطلق على كل دور اسم "دولة". والأدوار الثلاثة هي:

1.   الدور الأول، أو الدولة السعودية الأولى، يبدأ من اتفاق الشيخ محمد بن عبدالوهاب، صاحب الدعوة الإصلاحية، مع الأمير محمد بن سعود، في الدرعية، على إصلاح الأحوال الدينية في نجد، وإقامة أحكام الشريعة الإسلامية، وذلك في عام 1157هـ/1744م. وانتهى هذا الدور بغزو إبراهيم باشا، ابن والي مصر، محمد علي باشا، الدرعية، والقضاء عليها، في عام 1233هـ/1818م.

2.   الدور الثاني، أو الدولة السعودية الثانية، ويبدأ من استعادة الإمام تركي بن عبدالله بن محمد بن سعود، الحكم في الدرعية، عام 1235هـ/1820م ،وينتهي باستيلاء أمير جبل شمر، الأمير محمد بن عبدالله بن رشيد، على نجد، وعلى العاصمة السعودية، الرياض، في عام1309هـ/1891م، ورحيل آخر حكامها، الإمام عبدالرحمن بن فيصل عنها، إلى قطر والبحرين، ثم الكويت.

3.   أما الدور الثالث، أو المملكة العربية السعودية، وهو القائم اليوم، ويبدأ بدخول الأمير عبدالعزيز ابن عبدالرحمن بن فيصل آل سعود، الرياض، واستردادها من حكم ابن رشيد، في 5 شوال عام 1319هـ/15 يناير 1902م.

كان للخلاف، الذي نشب بين أبناء الإمام فيصل بن تركي، أثره الكبير في ضعف الدولة السعودية الثانية، وازدياد الأطماع حولها. فبعد وفاة الإمام فيصل بن تركي آل سعود، تولى الإمامة أكبر أبنائه، عبدالله بن فيصل، وذلك سنة 1282هـ/1865م. وبدأ الخلاف بينه وبين أخيه، سعود، بخروج هذا الأخير على سلطته، مما أدى إلى طمع آل رشيد، أمراء جبل شمر، في حكم آل سعود، إضافة إلى إطلاق يد الترك العثمانيين في الأحساء والقطيف.

وكانت العلاقة بين الإمام فيصل بن تركي، وأميره على جبل شمر، عبدالله بن علي بن رشيد، علاقة خاصة، تختلف عن علاقته بأمرائه الآخرين. وقد استمرت العلاقة الطيبة بين القادة السعوديين وإمارة الجبل، حتى بدأ الخلاف بين الطرفَين، في عهدَي الإمام عبدالله بن فيصل، والأمير محمد بن عبدالله بن رشيد. وتطور ذلك الخلاف إلى صراع، كانت نتيجته تغلُّب الأمير محمد بن عبدالله بن رشيد، على آخر أئمة الدولة السعودية الثانية، وهو عبدالرحمن بن فيصل. وانتهت تلك الدولة في أوائل سنة 1309هـ / أغسطس عام1891م.

طمح محمد بن عبدالله بن رشيد، إلى الاستيلاء على القصيم والرياض، حينما كان الإمام عبدالرحمن حاكماً، في الرياض. ويقول الزركلي: "وعلى طبيعة أهل البادية، في التنقل من غارة إلى الاستعداد لغارة، ما عتّم ابن رشيد (يقصد هنا محمد بن عبدالله بن رشيد) أن تهيأ للغزو، ووجهته القصيم والرياض. واحتشد لصده رجالات بريدة وعنيزة، وسائر القصيم. وانضم إليهم قسم من عتيبة ومطير، فتلاقى الجمعان على أرض، تسمى القرعاء، في 3 جمادى الآخرة سنة 1308هـ/15 يناير 1891م. ورجحت كفة أهل القصيم، فعمد ابن رشيد إلى الخدعة، فتظاهر بالانهزام، وتتابعوا يتعقبونه. وثبت لهم في مكان يدعى المُلَيْداء، على ست ساعات من القصيم، غرباً، فدارت رحى الحرب، فتشتت شملهم، في 13 جمادى الآخرة 1308هـ/25 يناير 1891م. وكان قتلى القصيم بين ألف وثلاثة آلاف رجل. منهم زامل بن عبدالله بن سلَيم، أمير عنيزة، وابنه علي. وقتل من جموع ابن رشيد نحو أربعمائة. وقال خالد الفرج: "تركت وقعة المُلَيْداء تذكاراً في كل أسرة من أهل القصيم، وأقامت مناحة في كل بيت من بيوتها. وأصبحت تاريخاً يؤرخ به، إلى الآن".

وكان الإمام عبدالرحمن بن فيصل، قد هبّ إلى مساعدة أهل القصيم، قبل وقوع الكارثة بهم. فحشد جموعاً من أهل العارض. وانضم إليه راكان بن حثلين، من أمراء قبيلة العجمان. فذهب بهم إلى نصرة أهل القصيم، من اعتداء ابن رشيد. ولكن، ما أن وصل الإمام عبدالرحمن إلى الخفس، وهو خفس العرمة، على 115 كم من الرياض، أتاه الخبر بانتهاء المعركة، وانتصار ابن رشيد، فكرّ راجعاً إلى الرياض. وتفرق جنده. وأدرك أن ابن رشيد زاحف إليه، لا محالة. وكان الإمام عبدالرحمن بن فيصل يدرك، أيضاً، ضعف موقفه العسكري، بعد هزيمته أمام الأمير محمد بن رشيد، على أثر معركة المُلَيْداء، التي وقعت سنة 1308هـ/1891م. ولذلك، أخذ الإمام عبدالرحمن ما أمكنه أخذه من ممتلكاته في الرياض، وخرج بأسرته من هذه البلدة، بحثاً عن مأوى أكثر أمناً. واتجه إلى المناطق الواقعة بين واحة يبرين والأحساء، لبعدها عن متناول ابن رشيد، ولوجود فئات من القبائل المتعاطفة معه، والمناوئة لخصمه، مثل العجمان وآل مرة.

ولكن صعوبة حياة الصحراء، على نساء أسرته وأطفاله، أجبرت الإمام عبدالرحمن على إرسال ابنه الفتى، عبدالعزيز، إلى الشيخ عيسى بن خليفة، حاكم البحرين، طالباً منه أن يقبل إقامة أسرته لديه، ورحب الشيخ عيسى بالطلب، فذهب أطفال الإمام ونساؤه إلى البحرين، ليلقوا كرم الضيافة هناك.

بيد أن الإمام عبدالرحمن، بعد أن اطمأن إلى راحة نسائه وأطفاله، في البحرين، حاول أن يستعيد الرياض. فجمع أنصاره من أعراب البادية، وصحبه إبراهيم بن مهنا، شقيق حسن بن مهنا، أمير بريدة المشهور، مع عدد من أهلها. وهاجم الإمام عبدالرحمن مع أتباعه بلدة الدلم، واستولوا عليها، وطردوا من كان فيها من أتباع محمد بن رشيد. ثم توجه ورفاقه إلى الرياض، ودخلها في سنة 1309هـ / 1891م. ومن الرياض، سار الإمام عبدالرحمن إلى المحمل، ونزل في حريملاء، شمالي الرياض.

ولما وصلت أخبار الإمام عبدالرحمن إلى محمد بن رشيد، أسرع بجيشه من حائل. والتقى الجمعان في حريملاء. فانهزم جمع عبدالرحمن، وقتل عدد من رجاله وأنصاره، ودخل ابن الرشيد الرياض. وأبقى على محمد بن فيصل، أميراً عليها. وعاد إلى حائل. وبددت معركة حريملاء آمال الإمام عبدالرحمن في جدوى مواصلة نضاله العسكري. وقفل عائداً إلى مخيمه في البادية، فأدركه ابنه عبدالعزيز، في أطراف منازل العجمان.

وكانت وقعة حريملاء آخر معارك أئمة الدولة السعودية الثانية، وبها انتهت الفترة الثانية من تاريخ حكم آل سعود.

وأرسل المتصرف العثماني في الأحساء، عاكف باشا، إلى الإمام عبدالرحمن، مندوباً، اجتمع به في عين، قرب المبرز (على بعد ميلَين، شمالي الهفوف). فعرض عليه إمارة الرياض، على أن يعترف بسيادة الدولة العثمانية، ويدفع خراجاً سنوياً، قدره ستة آلاف ريـال. وتتعهد الحكومة العثمانية بحمايته، وتمده بالمال والسلاح. فاعتذر عبدالرحمن، بأنه يخشى أن ينقلب عليه أنصاره.

ويرجح هذا القول الدكتور العثيمين، فيقول: "ومن المرجح، أن ما قيل صحيح. فقد كان من صالح الدولة العثمانية، أن تكون نجد مقسمة؛ لأن ذلك مما يضعف قوة هذه المنطقة. وهي بهذا التقسيم تضمن تنافس الحاكمين النجديين على إظهار المودة لها. وبالإضافة إلى ذلك، فإن في كون الإمام عبدالرحمن تابعاً لها ضماناً بعدم حدوث هجمات منه، أو من أنصاره، على منطقة الأحساء والقطيف، المهمة بالنسبة لها، وضماناً بعدم استغلال عدوتها بريطانيا للموقف، وتبني قضية الإمام عبدالرحمن، منافسة لها في المنطقة. وما أبداه الإمام عبدالرحمن من تعليل لعدم قبوله العرض العثماني، أمر أملاه، فيما يبدو، جو المقابلة أو الاجتماع. لكن من المرجح أن سبب الرفض ما قاله الباحث نخلة، وهو عدم ثقة الإمام في الدولة العثمانية، وعدم ثقته بإخلاص العشائر النجدية له، بعد انتصارات ابن رشيد المتكررة".

وبعد أن رفض الإمام عبدالرحمن عرض الدولة العثمانية، أراد أن يستقر في الكويت؛ لأنها كانت بعيدة، نسبياً، عن خطر خصمه، الأمير محمد بن رشيد، ولأنها أصبحت ملجأ لمن فرّ من أهل نجد عن بلدانهم، خاصة أهل القصيم؛ إذ إن علاقات النجديين التجارية بها، كانت قوية، حينذاك. ومن هنا، فإن وجود الإمام عبدالرحمن فيها، يتيح له فرصة الاطلاع على أحوال نجد، من خلال حركة تجارها، كما يتيح له فرصة الاتصال بمن فيها من المناوئين لابن رشيد.

لكن محمد بن صباح، حاكم الكويت، اعتذر له عن السماح له بالإقامة فيها.

ويبدو أن سبب اعتذار محمد بن صباح للإمام عبدالرحمن، كان لأمرين. الأمر الأول، أنه كان بإيعاز من العثمانيين. والأمر الثاني، هو خوف أمير الكويت من محمد بن رشيد. فاختار عبدالرحمن البقاء في البادية، التي كان قد أقام فيها، قبل معركة حريملاء، والتنقل بينها وبين واحة يبرين، القريبة من الأحساء. ثم انتقل إلى قطر. فقد كتب الإمام عبدالرحمن إلى أميرها، قاسم بن ثانٍ، يصف ما هو فيه. وأجابه ابن ثانٍ مرَحّباً. وانتقل الجمع إلى قطر، ولحقت به أسرته، التي كانت في البحرين. ومكثوا فيها مدة شهرَين، وذلك من صفر إلى جمادى الأولى سنة 1310هـ / أغسطس إلى نوفمبر 1892م.

غير أن الدولة العثمانية، راجعت موقفها من الإمام عبدالرحمن، فأرادت أن تلبي طلبه بالذهاب إلى الكويت. فأرسل إليه متصرف الأحساء يستدعيه، فأجاب الدعوة، وقدم على المتصرف. وجرى الاتفاق على أن يقيم الإمام عبدالرحمن وأسرته في الكويت، وتدفع له الدولة العثمانية راتباً شهرياً، قدره ستون ليرة عثمانية.

أما سبب تغيير الدولة العثمانية لموقفها من الإمام عبدالرحمن، فهو أنها أدركت، آخر الأمر، أن وجوده في الكويت، يضمن لها مراقبة حركاته، ويحول بينه وبين العمل مع بعض القبائل، التي يصعب على متصرفها في الأحساء والقطيف، أن يطاردها أو يحد من نشاطها. فاستقر الإمام عبدالرحمن، ومعه ابنه، عبدالعزيز( الملك عبدالعزيز، فيما بعد)، في الكويت عام 1310هـ/ 1892م. ومنها خطا الأمير عبدالعزيز بن عبدالرحمن الخطوة الأولى، لاسترداد ملك آبائه وأجداده.

وفي حائل، توفي محمد بن عبدالله بن رشيد، في 3 رجب 1315هـ/29 نوفمبر 1897م، الذي كانت له السيادة المطلقة في نجد. وتولى الحكم، من بعده، ابن أخيه، عبدالعزيز بن متعب بن عبدالله ابن رشيد، الذي كان جباراً مستبداً، لا يعرف غير إراقة الدماء، ومصادرة الأموال، والبطش، ونكث العهود. وأرهق هذا الحاكم الجديد أهل نجد، بالقتل والعسف وابتزاز الأموال، فسئموا حكمه وتمنوا الخلاص منه.

نبذة عن الأميرعبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود

هو عبدالعزيز بن عبدالرحمن بن فيصل بن تركي بن عبدالله بن محمد بن سعود. وُلد في الرياض، أيام النكبة، التي واجهتها الأسرة السعودية، بسبب الانقسام على نفسها، واقتتال أركانها. وتختلف الرواية حول تاريخ ميلاد الملك عبدالعزيز اختلافاً يسيراً. فهناك من ذكر، أن مولده، كان في عام 1285هـ/1868م. وثمة من حدد عام 1295هـ/1878م، أو 1296هـ/1879م، تاريخاً لمولده. ويجمع أغلب المؤرخين على أنه ولد سنة 1293هـ/1876م. وعهد به والده، الإمام عبدالرحمن، في سن متقدمة، إلى شيخ (مطوّع) من أهل الخرج، اسمه عبدالله الخرجي، ليتعلم مبادئ القراءة والكتابة. وحفظ سوراً من القرآن الكريم، حتى قرأ القرآن كاملاً على يد الشيخ محمد بن مصيبيح. ثم تلقى بعض أصول الفقه والتوحيد، على يد الشيخ عبدالله بن عبداللطيف آل الشيخ، الذي أعد لعبدالعزيز كراساً دينياً، جمع فيه بعض مسائل الفقه والتوحيد.

وكان الملك عبدالعزيز كما يقول عنه الزركلي، طويل القامة عريض المنكبين، بارز الصدر، حاد العينين، دقيق الخصر، ضامر البطن، مفتول الساعدين والساقين، رشيق الحركة.

ويروى أنه أحسن استعمال البندقية وركوب الخيل، كأحد الفرسان، وهو في سن الصبا، بل قيل إنه في سن السابعة، كانت تبدو عليه صفات النشاط والحيوية والحركة الدائمة. وقيل إن الملك عبدالعزيز، غلب "أول مبارز له، وهو في الحادية عشرة من عمره".

وينقل حافظ وهبة، عن بعض أصدقائه الكويتيين، الذين عاصروا الملك عبدالعزيز ورافقوه، "أنه كان يفوقهم نشاطاً وذكاءً، وأنه كان يتزعمهم في ألعابهم، وأنه كان يميل إلى سماع تاريخ أجداده، وخاصة جده الإمام فيصل بن تركي.

ويروي خالد الفرج، أن الشيخ عيسى بن علي آل خليفة، حاكم البحرين، أراد أن يلاطف الفتى عبدالعزيز، فسأله: أقطَر أحسن أم البحرين؟ فأجابه عبدالعزيز، من الفور: الرياض أحسن منهما. فقال الشيخ عيسى: سيكون لهذا الغلام شأن.

ويقول الدكتور عبدالله بن صالح العثيمين، عن الملك عبدالعزيز: "وقد وهبـه الله من الذكـاء، ما ساعده على النجاح. وتهيأ له من الظروف المحيطة بطفولته، ما صقل مواهبه، وأثرى تجاربه. وإذا كانت جلساته مع القادة، من أفراد أسرته، والمقربين من علماء وزعماء، قد مكنته من معرفة الشيء الكثير، من أمور الدين والتاريخ والأدب وقصص الأبطال، قديماً وحديثاً ـ فإن ما رآه من مشاكل الفرقة بين أفراد أسرته، وآثارها السلبية على واقعها، وواقع البلاد عامة، قد علمه الكثير من الدروس والعبر. واجتمعت صفاته الذاتية مع مكتسباته الحيوية الغنية، لتبلور منه شخصية قيادية رائدة، في مستقبل أيامه".

وعندما حاصر الأمير محمد بن رشيد الرياض، في مستهل سنة 1308هـ/أغسطس1890م، كان الملك عبدالعزيز ضمن الوفد، الذي أرسله والده للتفاوض مع ابن رشيد، وكان يضم عمه، محمد بن فيصل، والشيخ عبدالله بن عبداللطيف، والشيخ حمد بن فارس. وكانت تلك التجربة أولى تجاربه السياسية.

وفي كل هذا وغيره، دلالات على مدى نبوغ الفتى عبدالعزيز وألمعيته. فحينما كان مع والده في الغربة المريرة، في الصحراء، أرسله أبوه إلى حاكم البحرين، يستأذنه في نزول نساء الأسرة وأطفالها بأرضه. وبعد مدة وجيزة، رجع عبدالعزيز بالسماح. أما التجربة السياسية الثالثة، وهو في صغر سنه، فهي سفارته إلى الأحساء. فقد أرسله والده إلى الهفوف، ليفاوض الحاكم العثماني، لعله يسمح للإمام عبدالرحمن ومن معه، أن يستقروا في الأحساء أو في جوارها، ولكن سفارته هذه، لم تفلح. فطالت المدة، التي قضاها عبدالعزيز في صحبة والده؛ ذلك أن النساء والأطفال، قد استقروا في البحرين. أما الرجال، فعليهم التنقل من مكان إلى آخر، بين مضارب آل مرة والعجمان. وقد طالت المدة إلى حوالي سبعة أشهر أو يزيد. فبدا عبدالعزيز يألف البادية، ويجاري أبناءها في تحمل مكاره العيش، والصبر على الظمأ والجوع والتعب، وافتراش الأرض والتحاف السماء.

يرى أكثر مَن كتب عن عبدالعزيز، أن الكويت كانت مدرسته، التي تلقى فيها السياسة العملية. وكان عمره، آنذاك، حوالي سبع عشرة سنة. وكانت أيام الشيخ مبارك الصباح المملوءة بالمناورات والمحاورات، تنطبع مقدماتها ونتائجها في ذهن الفتى عبدالعزيز. وقد شارك في بعضها، حين آنس فيه الشيخ مبارك صفات الألمعي اللبق، فقربه منه، وفسح له المجال لحضور مجالسه، والاستماع إلى أحاديثه مع ممثلي الحكومات، الإنجليزية والروسية والألمانية والتركية. وفي تلك الأثناء، عقد الشيخ مبارك اتفاقية الحماية، السرية، مع الإنجليز، في 23 يناير 1899م، والتي أخفاها سنتين. وكان الفتى عبدالعزيز يرى كل هذا لا يعنيه مباشرة، كما تعنيه حوادث قلب شبه الجزيرة العربية، حيث ملك آبائه وأجداده.