إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات وأحداث تاريخية / الدولة السعودية الثالثة (تأسيس المملكة العربية السعودية)






السعودية في الوقت الحالي



الدولة السعودية الثالثة

الفصل التاسع

العلاقات السعودية ـ الدولية، في عهد الملك عبدالعزيز

 

1. العلاقات السعودية ـ البريطانية، في عهد الملك عبدالعزيز

حينما استعاد الملك عبدالعزيز الرياض، سنة 1319هـ/ 1902م، كانت الجزيرة العربية في وضع غير مستقر، بسبب التدخلات الأجنبية، وعجز القوى المحلية عن تحقيق وحدات سياسية، ذات معنى حقيقي. فقد كان آل رشيد، المدعومون من الدولة العثمانية، قد بسطوا نفوذهم على حائل، وبعض المدن في منطقة نجد. كما كان الأشراف يسيطرون على الحجاز، بدعم من الدولة العثمانية، ثم من الإنجليز.

أما اليمن، فقد كان يتمتع بشبه استقلال داخلي، وإن كان إمامه، قد سمح للنفوذ العثماني، أن يتسرب في تلك المنطقة في بعض الفترات. وكانت بريطانيا في مقدمة الدول الأجنبية، التي اهتمت اهتماماً بالغاً بمنطقة الخليج العربي، وذلك لتأمين طرق مواصلاتها مع الهند، ولتحول دون وقوع هذه المنطقة الحيوية، تحت سيطرة القوى الأخرى، المنافسة لها.

وقد تابعت بريطانيا ما كان يجري بين الملك عبدالعزيز وابن رشيد، لما له من تأثير في وضع المنطقة. كما كانت الحكومة البريطانية، لا ترغب في انتصار أحد منهما على الآخر؛ إذ خافت من أن انتصار ابن رشيد، سوف يهدد نفوذها في الكويت. أما انتصار الملك عبدالعزيز، فإنه قد يؤدي إلى مد نفوذه إلى مناطق ساحلية في الخليج العربي، وبخاصة أن بعضها، كان تابعاً لحكم أسلافه، ويترتب على هذا الأمر، تهديد نفوذها في ساحل الخليج.

ولهذا، تفادت التدخل في النزاع الدائر بينهما. كما أنها نصحت أمير الكويت بعدم مساعدة الملك عبدالعزيز على ابن رشيد. أما الملك عبدالعزيز، فقد اتصل ببريطانيا، وطلب تأييدها له. ولكنها لم تتخذ أي خطوة، في هذا المجال.

"وبعد معركة البكيرية، عام1322هـ/1904م، طلب منها الحماية، نظراً إلى مساعدة العثمانيين ابن رشيد. ولكنها لم تستجب له، وإنْ حذرت العثمانيين من التدخل عسكرياً، في نجد. وقد حاول الملك عبدالعزيز، بطرق مختلفة، أن يحصل على اعتراف بريطانيا به. ولكنها رفضت، حتى إنها لم تصغ إلى نصيحة مندوبها في المنطقة، برسي كوكس، الذي نصحها بالتعامل مع الملك عبدالعزيز. فقد كتب ذلك المندوب إلى حكومته، قائلاً: "أصبح الإمام (الملك عبدالعزيز) مسيطراً في أواسط جزيرة العرب. وإنه، لذلك، يجب الاتصال به".

ويبدو أن المندوب البريطاني في الخليج، برسي كوكس، كان يدرك أهمية الدور، الذي سوف يضطلع به الملك عبدالعزيز، في شبه الجزيرة العربية؛ وأن تجاهل الحكومة البريطانية له، سوف يدفعه إلى التحالف مع قوى أخرى. وقد أكد كوكس أهمية تعاون حكومته مع ابن سعود على عدة أمور، منها:

·    تجاهل محاولاته لإنشاء صداقة مع الحكومة البريطانية، سوف يجعله عدواً لها.

·    التفاهم معه، سيزيل قلق سلطان مسقط، وشيوخ ساحل الخليج ، ويحسن علاقة بريطانيا بالآخرين.

·    تأييد ابن سعود، سيساعد بريطانيا على قمع أعمال القرصنة، في المناطق الشمالية من الخليج.

·    هناك دلائل، تشير إلى أن تدخّل العثمانيين، في قلب شبه الجزيرة العربية، سيوحد القبائل في مقاومتهم، تحت زعامة ابن سعود. فإذا لم تؤيدهم الحكومة البريطانية، فقد يتصلوا بدول أخرى.

ولكن تردد بريطانيا لم يدم طويلاً. إذ أرسلت وكيلها السياسي في الكويت، شكسبير، ليقابل الملك عبدالعزيز، وذلك سنة 1328هـ/1910م. فكان ذلك أول لقاء، بين الملك عبدالعزيز ومسؤول بريطاني. وقد أطلعه الملك عبدالعزيز على عزمه على إخراج العثمانيين من الأحساء والقطيف. وسأل عن إمكانية حماية بريطانيا له، لو حاول العثمانيون مهاجمته، بحراً، لما أبدى الملك عبدالعزيز استعداده لقبول وكيل بريطاني عنده. وقد أجابه شكسبير، بأن بريطانيا في وضع، لا يتيح لها مساعدته. كما نصحه عدم مهاجمة الأحساء، لأن ذلك، قد يشكل خطراً كبيراً، بالنسبة إليه.

إلا أن نجاح الملك عبدالعزيز في الاستيلاء على منطقتَي الأحساء والقطيف، وإخراج العثمانيين منهما، سنة 1331هـ/ 1913م، كان دافعاً للحكومة البريطانية إلى اتخاذ موقف أكثر جدية، بالنسبة إلى الملك عبدالعزيز. فقد أصبح على مقربة من ساحل الخليج، الذي ترتبط بريطانيا بإماراته العربية، بمعاهدات، وطدت النفوذ البريطاني فيها. وكان بعض تلك الإمارات، قد خضعت للسلطات السعودية، إبان عهد الدولتَين السعوديتَين، الأولى والثانية. كما كان الملك عبدالعزيز، يدرك إدراكاً تاماً مدى قوة بريطانيا. فأراد أن يؤمن جانبه من سطوتها، فواصل مساعيه للحصول على اعترافها، وإقامة علاقات رسمية به.

ومع أن ممثلي الحكومة البريطانية في الخليج، قد تحمسوا لفكرة التعامل مع ابن سعود، إدراكاً منهم لمقدرته، وأمل في أن يكون في ذلك سلامة للإمارات العربية، التي كانت تحت النفوذ البريطاني في الخليج ـ إلا أن قادة الحكومة البريطانية، في لندن، فضلوا التريث، والاستمرار في التعامل مع الدولة العثمانية، وكأنها ما برحت مسيطرة على الأحساء والقطيف. وعدم تجاوب بريطانيا مع الملك عبدالعزيز، في تلك الفترة، جعله يتخذ موقفاً مرناً، من العثمانيين، خاصة أنه كان يخشى محاولتهم استعادة الأحساء والقطيف منه. وقد رحب الأتراك بتلك السياسة، الأمر الذي أدى إلى توصل الطرفَين إلى اتفاقية، تم بموجبها تعيينه حاكماً لنجد، تابعاً للعثمانيين، وكان ذلك في 20 جمادى الآخرة سنة 1332هـ / 17 مايو 1914م.

ولكن هذا التقارب العثماني ـ السعودي، أقلق ممثلي الحكومة البريطانية في الخليج، الذين أكدوا لحكومتهم، أهمية تعميق الصلة بالملك عبدالعزيز. فتكررت زياراتهم بلاده. وفي صفر سنة 1333هـ/31 ديسمبر سنة 1914م، أوفدت الحكومة البريطانية الكابتن شكسبير، الذي كان في طليعة الممثلين السياسيين البريطانيين في الخليج، ومعجباً بالملك عبدالعزيز، ليببلغه طلب بريطانيا، أن ينضم إلى حاكمَي الكويت والمحمرة، لمساعدتها على انتزاع البصرة من العثمانيين، وترتيب أمورها، مقابل وعدها بأن تعترف به حاكماً مستقلاً، وتقيم علاقات به، وتحميه من أي هجوم بحري عليه. وقد رحب الملك عبدالعزيز بالتعاون البريطاني. لكنه فضل مناقشة الأمر مع الكابتن شكسبير، الذي تبين له، أن الملك، يصر على موقفه الحيادي، بين بريطانيا والدولة العثمانية، حتى يتوصل إلى اتفاقية موقعة، ومختومة، مع الحكومة البريطانية. فبدأت المحادثات بين الحكومة البريطانية والملك عبدالعزيز، وانتهت بعقد معاهدة دارين، أو القطيف، عام 1334هـ/ 1915م. وهي على غرار المعاهدات، التي كان الإنجليز يعقدونها مع إمارات الخليج.

ومن أهم بنودها:

·    اعتراف بريطانيا به حاكماً مستقلاً لنجد، والأحساء، والقطيف، والجبيل، وملحقاتها.

·    مساعدة بريطانيا الملك عبدالعزيز على أي دولة، تعتدي على أراضيه.

·    تعهد الملك عبدالعزيز بأن يمتنع عن التدخل في أراضي إمارات الخليج العربية، التي هي تحت الحماية البريطانية.

·    تعهد الملك عبدالعزيز بأن يمتنع عن مخابرة، أو اتفاق، أو معاهدة، مع أي دولة أجنبية.

وأثناء الحرب العالمية الأولى، اتخذ الملك عبدالعزيز موقف الحياد، بين بريطانيا والدولة العثمانية. وذلك لأسباب عديدة، كما يقول الدكتور عبدالله العثيمين. "منها انشغاله بأموره الداخلية، وفي مقدمتها مشكلة العجمان. ومنها عدم رغبته في الإقدام على أمر، لا يرى فيه فائدة واضحة له، أو يرى أن تفاديه، لا يضره". ومع أن بريطانيا لم تكن راضية عن ذلك الموقف، فإنها أمدته ببعض المساعدات، المالية والعسكرية، التي طلبها منها. ويذكر الزركلي، أن تلك المساعدات، كانت خمسة آلاف جنيه شهرياً، وأربعة رشاشات، وثلاثة آلاف بندقية. ويعلل الدكتور العثيمين سبب إمداده بتلك المساعدات، بخوف الحكومة البريطانية من أن يقوم الملك عبدالعزيز بأعمال، تعرقل مساعي حلفائها في المنطقة، مثل الملك حسين. وبالتالي، تكون له آثار سلبية في محاولة تحقيق أهدافها.

وبعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، أصبح نفوذ بريطانيا في المنطقة العربية أعظم من ذي قبل. فقد أصبح كل من العراق وشرق الأردن وفلسطين، تحت النفوذ البريطاني. لذلك، أصبح لها الكلمة العليا، في تحديد علاقات حكام تلك الأقطار بالملك عبدالعزيز. فقد رعت بريطانيا عقد معاهدة المحمرة، بين الملك عبدالعزيز والعراق، سنة 1340هـ/1922م. وكذلك مؤتمر العقير، سنة 1341هـ/ 1922م، الذي عُينت فيه الحدود بين البلاد السعودية وكلٍّ من الكويت والعراق. كما أقرت في ذلك المؤتمر تبعية قريات الملح، ووادي السرحان للملك عبدالعزيز. وسعت، أيضاً، إلى عقد اتفاقية بحرة، بينه وبين حكومة العراق، سنة 1344هـ/ 1925م، التي سويت فيها مشاكل الحدود بين البلاد السعودية والعراق. إضافة إلى اتفاقية حداء (أو حدة)، في العام نفسه، بين الملك عبدالعزيز وحكومة الأردن، والتي حُددت فيها الحدود السعودية ـ الأردنية.

وبعد انضمام الحجاز إلى الحكم السعودي، دارت المحادثات بين الملك عبدالعزيز والحكومة البريطانية، وأدت إلى عقد معاهدة جدة، في 18 ذي القعدة 1345هـ/20 مايو 1927م، واعترفت بريطانيا، بموجبها، باستقلال بلاد الملك عبدالعزيز استقلالاً تاماً، داخلياً وخارجياً. وبموجب بنودها، أيضاً، أُلغيت معاهدة دارين، أو القطيف. وقد جُددت معاهدة جدة، لمدة سبع سنوات أخرى، في 17 رجب سنة 1355هـ/1936م.

ومنذ أن بدأ التمثيل الدبلوماسي، بين الحكومتَين، البريطانية والسعودية، سنة 1344هـ/ 1926م، أخذت العلاقات السعودية ـ البريطانية تنمو بشكل تدريجي. وبعد انتهاء الملك عبدالعزيز من مقابلة الرئيس روزفلت، في البحيرات المرة، في قناة السويس، عام 1945، قابل رئيس الوزراء البريطاني، ونستون تشرشل، في الفيوم، في مصر. ويقول الزركلي في ذلك: "وفي ضحى الأحد (5 ربيع الأول 1364هـ/ 17 فبراير سنة 1945م)، وصل إلى الفندق (فندق الأوبرج، في الفيوم)، ونستون تشرشل، رئيس الوزارة البريطانية، بصحبة أنتوني إيدن (Anthony Eden)، وزير الخارجية، وآخرين من كبار السياسيين والقواد العسكريين. فاستقبلهم الملك عبدالعزيز. وانفرد بتشرشل نحو ساعة. وتناول الجميع طعام الغداء على مائدة الملك". كما تبادل الملك عبدالعزيز بعض الرسائل مع ونستون تشرشل (انظر ملحق رسالة من الملك عبدالعزيز إلى رئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل)، شرح الملك لرئيس الوزراء البريطاني فيها قضية فلسطين، وبين له موقف المملكة منها.

ولكن مشكلة البريمي، أحدثت توتراً في العلاقات السعودية ـ البريطانية. فقد كانت واحة البريمي، على أطراف الربع الخالي، قد خضعت للحكم السعودي، إبّان الدولتَين السعوديتَين، الأولى والثانية، ولذلك، اعتبرها الملك عبدالعزيز من الأراضي التابعة له. ولهذا، لم ير بأساً في أن تقوم شركة الزيت العربية ـ الأمريكية بالتنقيب عن النفط فيها. وكان ذلك في عام 1368هـ/1949. ولكن الإنجليز، احتجوا على ذلك، وطلبوا انسحاب المنقبين عن النفط في تلك الأراضي، وتأجيل العمل إلى أن يتم الاتفاق على تسوية الحدود. وعلى الرغم من تسامح الملك عبدالعزيز، ومحاولته حل المشكلة بالوسائل السلمية، إلا أن البريطانيين، تعنتوا، وأخذوا يساومون ويماطلون، مما أدى إلى فشل كل المباحثات، التي من أهمها مؤتمر الدمام، في 1 جمادى الأولى 1371هـ/28 يناير 1952م.

كما عرضت الحكومة السعودية على بريطانيا، في أكثر من مناسبة، ضرورة إجراء استفتاء شعبي، في المنطقة المتنازع فيها (البريمي). إلا أن الحكومة البريطانية، لم تقبل الاقتراح، وفضلت تأزيم المشكلة، وخلق أجواء غير ودية، في تعاملها مع المملكة. وتوفي الملك عبدالعزيز ـ رحمه الله ـ في 2 ربيع الأول 1373هـ/9 نوفمبر سنة 1953، ولمّأ تُحل قضية البريمي.

2. العلاقات السعودية ـ الألمانية، في عهد الملك عبدالعزيز

بعد أن تم توحيد الحجاز، أخذت بعض الدول الأوروبية، تقدم اعترافاً صريحاً بشرعية الحكم السعودي. وبدأت تقيم علاقات دبلوماسية بالدولة الجديدة، التي وحدها الملك عبدالعزيز. ومن تلك الدول ألمانيا، التي كان الاتصال الأول بينها وبين مملكة الحجاز ونجد، قد بدأ في عام 1928. وقد أسفر عن توقيع معاهدة صداقة بين الطرفَين، في 26 أبريل سنة 1929 (انظر ملحق معاهدة صداقة، بين مملكة الحجاز ونجد وملحقاتها وبين الرايخ الألماني).

وكان الملك عبدالعزيز، قد كتب إلى فرتز جروبا (Fritz Grobba)، ممثل ألمانيا في بغداد، يوضح فيها رغبة المملكة العربية السعودية في إقامة علاقات سياسية بحكومة الرايخ الثالث (Third Reich) الألماني، ويشرح تقويمه لموقف الحكومة السعودية، من القضية الفلسطينية، والقضايا العربية الراهنة. وتلبية لطلب المملكة العربية السعودية، فقد أوعز جروبا إلى حكومته، باستقبال مندوب الملك عبدالعزيز، خالد القرني. فأحسن الألمان استقباله، ولكنهم رفضوا تزويد المملكة العربية بالسلاح، متذرعين بأن التعليمات، تنص على عدم بيع أسلحة لأي دولة أجنبية، إلا مقابل عملة صعبة.

وفي عام 1938، قام الشيخ فؤاد حمزة، وزير الدولة للشؤون الخارجية السعودية، بزيارة إلى ألمانيا، أدت إلى إقناع المسؤولين الألمان بأن يكون جروبا، ممثل ألمانيا في بغداد، هو المسؤول عن رعاية المصالح الألمانية في السعودية. وبعد موافقة الحكومة الألمانية على ذلك، قام جروبا بزيارة الملك عبدالعزيز، واجتمع بعدد من الشخصيات السعودية، ثم بعث بتقرير إلى حكومته، ضمنه آراءه وتقويمه لمكانة الملك عبدالعزيز السياسية. وقد أورد جروبا في تقريره، "أن التصور العام، خاصة عند العرب، بأن ابن سعود صديق لإنجلترا، وأداة بيدها، هو تصور خاطئ". كما أن جروبا، طلب من حكومته الإسراع في تلبية حاجات ابن سعود، على أن يتم ذلك بصورة سرية.

وقد استجابت الحكومة الألمانية طلب جروبا. ووعدت بتقديم بعض المعدات العسكرية إلى الملك عبدالعزيز، وهي 8 آلاف بندقية، و8 ملايين طلقة، وبناء مصنع صغير للطلقات. إلا أن قيام الحرب العالمية الثانية، في 1 سبتمبر 1939، حال دون إرسال تلك المعدات، خاصة أن الإنجليز، كانوا يسيطرون على معابر البحر الأحمر والخليج العربي.

وخلال فترة الحرب العالمية الثانية (1939 ـ 1945)، اتخذ الملك عبدالعزيز جانب الحياد، لكي يجنّب بلاده ويلات الحرب وشرورها. ولكنه، بعد تأكد خطر النيات النازية على السلام العالمي، أعلن الحرب على ألمانيا ،وذلك في 15 ربيع الأول 1364هـ/ أول مارس 1945م. وبذلك، ضمنت المملكة العربية السعودية تأييد الحلفاء وشكرهم، مما أدى إلى دعوة المملكة العربية السعودية، لتكون من الدول المؤسسة لهيئة الأمم المتحدة. وقد أصبحت العلاقات بين ألمانيا والمملكة العربية السعودية، مقطوعة، حتى سنة 1957م.

3. العلاقات السعودية ـ الفرنسية، في عهد الملك عبدالعزيز

لقد اعترفت فرنسا بحكم الملك عبدالعزيز، في سنة 1344هـ/1926م، وذلك بعد سيطرته على الحجاز مباشرة. وبدأت العلاقات السعودية ـ الفرنسية بالتحسن، مما أدى إلى عقد معاهدة "الجزيرة"، بين الطرفَين، سنة 1350هـ/ 1931م.

وفي سنة 1350هـ/ 1931م، وقعت كلٌّ من المملكة العربية السعودية والحكومة الفرنسية، معاهدة أخرى، تخص سورية ولبنان، ووقعتها فرنسا، بالنيابة عن القطرَين اللذَين تحت انتدابها. وتضمنت هذه المعاهدة "حقوق وشؤون التعامل بين رعايا الطرفَين، وطرق معاملتهم، في أراضي الغير. كما أفردت فصلاً خاصاً لتنظيم تنقل العشائر والقبائل، ومزاولة التجارة، وسبل فض المنازعات، واستيفاء الرسوم والضرائب، والإقامة، وممارسة الحِرف والصناعات، في كل من سورية ولبنان ومملكة الحجاز ونجد وملحقاتها".

وحينما أصبحت بلاد الملك عبدالعزيز، تحمل اسم "المملكة العربية السعودية"، سنة 1351هـ/ 1932م، تعاونت فرنسا مع المملكة العربية السعودية، وعملت على تمتين علاقتها بها. ولكن الدعم الكبير، الذي كان يقدمه الملك عبدالعزيز للمناضلين، السوريين واللبنانيين، كان يقف حجر عثرة في سبيل تطوير علاقات أفضل، بين فرنسا والمملكة العربية السعودية. إلا أن المملكة استفادت، في عهد الملك عبدالعزيز، من الخبرات الفرنسية، في إقامة أول مصنع للذخيرة في مدينة الخرج. وبعد استقلال سورية ولبنان، ازداد حجم التبادل، التجاري والاقتصادي، بين البلدَين.

4. العلاقات السعودية ـ الإيطالية، في عهد الملك عبدالعزيز

لقد اهتمت إيطاليا بشؤون الجزيرة العربية، وذلك بسبب التنافس بينها وبين بريطانيا في السيطرة على البحر الأحمر. فقامت بتركيز نفوذها في الحبشة وإرتيريا واليمن. كما قامت إيطاليا بمناصرة الشريف حسين، وذلك محاولةً منها لزحزحة النفوذ البريطاني، في منطقة البحر الأحمر.

وبعد أن ضم الملك عبدالعزيز الحجاز، ترددت إيطاليا في الاعتراف به، بل إنها حاولت أن تقوي نفوذها في اليمن. فعقدت مع إمام اليمن معاهدة صداقة وتجارة، سنة 1345هـ/ 1926م، على أمل أن ذلك سيضعف نفوذ الملك عبدالعزيز، الذي عده الإيطاليون تابعاً للنفوذ البريطاني. ورداً على المعاهدة الإيطالية ـ اليمنية، عقد الملك عبدالعزيز، في السنة نفسها، اتفاقية مكة، مع السيد حسن الإدريسي، حاكم جازان.

ولكن، بعد أن أعلن الملك عبدالعزيز قيام المملكة العربية السعودية، سنة 1351هـ/ 1932م، اعترفت إيطاليا بهذا الكيان الجديد. وعُقدت في السنة عينها، بين البلدَين، معاهدة صداقة، أقيمت بموجبها علاقات، دبلوماسية وقنصلية (انظر ملحق معاهدة صداقة، بين المملكة الحجازية والنجدية وملحقاتها وبين المملكة الإيطالية).

وقد وقع تلك المعاهدة، في روما، عن الجانب السعودي، الأمير فيصل بن عبدالعزيز. كما قام الأمير فيصل، بعد ذلك، بمقابلة الملك الإيطالي، فيكتور إمانويل الثالث (Victor Emmanuel III)، ورئيس وزراء إيطاليا، بنيتو موسيليني (Benito Mussolini).

وفي عام 1935م، قام الأمير سعود بن عبدالعزيز، ولي عهد المملكة، آنئذٍ، بزيارة إلى إيطاليا. تم، خلالها، التباحث مع المسؤولين الإيطاليين، وعلى رأسهم موسيليني، حول مجموعة من القضايا، منها العلاقات الإيطالية الأثيوبية، وقضية فلسطين، والنزاع بين العراق وإيران، وتزويد السعودية ببعض الأسلحة والمساعدات الفنية. وقد أسهمت الحكومة الإيطالية في تدريب القوات الجوية السعودية.

ولدى نشوب الحرب العالمية الثانية، التزم الملك عبدالعزيز جانب الحياد، على الرغم من الضغوط البريطانية، التي كانت تهدف إلى إقناعه بقطع العلاقات بإيطاليا. وعلى الرغم من أن السفير الإيطالي، قد عاد إلى إيطاليا، في سنة 1941، بناءً على نصيحة الحكومة السعودية، إلا أن العلاقات بين البلدَين، اعتبرت مجمدة، وغير مقطوعة، وقد استؤنفت، بعد الحرب، من دون أي مشاكل، فاستفاد البلدان، كل منهما من موارد الآخر.

5. العلاقات السعودية ـ الأمريكية، في عهد الملك عبدالعزيز

لم تبدأ العلاقات بين السعودية والولايات المتحدة الأمريكية، إلا قبيل اندلاع الحرب العالمية الثانية. والسبب في ذلك، هو تطبيق الولايات المتحدة الأمريكية سياسة العزلة، في الفترة ما بين 1920 و1932. كما أن الملك عبدالعزيز، كان منشغلاً بتوحيد بلاده.

ويمكن القول، إن العلاقات السعودية ـ الأمريكية، قامت على أساس اتفاقية مؤقتة، عُقدت في لندن، في 19 رجب 1352هـ/7 نوفمبر سنة 1933م، وقّعها كل من حافظ وهبة، الوزير المفوض السعودي في لندن، روبرتورث بنجهام، السفير المفوض فوق العادة للولايات المتحدة الأمركية، في لندن. وأهم ما اشتملت عليه:

·    يتمتع الممثلون السياسيون، لكل من الدولتَين، بالامتيازات والحصانات، المستمدة من القانون الدولي. ويسمح للممثلين القنصليين، لكل من الدولتَين، بعد اعتماد براءتهم القنصلية، بالإقامة بممتلكات الدولة الأخرى، في الأماكن المسموح بالإقامة بها للممثلين القنصليين، بموجب القوانين المحلية. ويتمتعون بامتيازات الشرف والحصانة، التي تمنح لأمثال هؤلاء الموظفين، بحسب العُرف الدولي العام.

·    يُقبل رعايا المملكة العربية السعودية، ويُعاملون في الولايات المتحدة الأمريكية وممتلكاتها ومستعمراتها ويقبل برعايا الولايات المتحدة الأمريكية وممتلكاتها ومستعمراتها في المملكة العربية السعودية، ويعاملون، حسب مقتضيات القانون الدولي.

·    تُولي كل من المملكة العربية السعودية، والولايات المتحدة الأمريكية، إحداهما الأخرى، معاملة الدولة الأَولى بالرعاية، بلا قيد، ولا شرط، في ما يخص الضرائب على الواردات والصادرات، وغير ذلك من الضرائب والرسوم، التي لها مساس بالتجارة والملاحة، وكذلك في ما يخص المرور والتخزين والتسهيلات الأخرى. وقد دام العمل بهذه الاتفاقية، إلى أن عُدلت، بعد وفاة الملك عبدالعزيز، بنحو أربع سنوات.

وفي سنة 1352هـ/ 1933م، نجحت الشركة الأمريكية، ستاندرد أويل أوف كاليفورنيا في الحصول على امتياز حق التنقيب عن النفط، في المملكة العربية السعودية، وفق شروط، منها: أن تقوم الشركة الأمريكية بالتنقيب عن النفط، في شرقي البلاد. أن تكون مدة امتياز الشركة ستين عاماً. وأن تقرض الشركة المملكة العربية السعودية، من الفور، 30 ألف جنيه ذهبي، ثم تقرضها عشرين ألفاً، بعد ثمانية عشر شهراً، وتدفع إليها خمسة آلاف جنيه، إيجاراً سنوياً، ثم تدفع إليها بعد اكتشاف النفط، أربعة شلنات عن كل طن منه. وفي عام 1357هـ/ 1938م، اكتشف النفط، قرب بلدة الدمام.

ويقول الدكتور رأفت غنيمي الشيخ : "ومنذ ذلك التاريخ، انفردت شركات البترول الأمريكية، بامتياز التنقيب عن البترول، في أراضي المملكة العربية السعودية. ويعتبر هذا اتجاهاً سياسياً للملك عبدالعزيز، يبعد به عن النفوذ البريطاني، السائد في منطقة الشرق الأوسط، آنذاك. وقد أكد الملك عبدالعزيز هذا الاتجاه بقوله: "إن الشركات الأمريكية، تتمتع باستقلال كبير، إزاء حكومتها. كما أن الولايات المتحدة الأمريكية، بعيدة عن البلاد العربية، وليست لها، كالدول الأوروبية، أهداف سياسية فيها. ثم إن بعض المواطنين الأمريكيين، أدوا لي، حتى الآن، خدمات لا تقدر. وآمل أن يفعل هؤلاء (أي أصحاب شركات البترول الأمريكية) مثل ذلك".

وفي عام 1358هـ/1939م، تمكنت شركة ستاندرد أويل أوف كاليفورنيا، من زيادة مساحة الامتياز. وفي سنة 1947م، أصبح اسم شركة البترول الأمريكية، شركة الزيت العربية ـ الأمريكية "أرامكو" "Aramco"  Arabian American Oil Co..

فكان، إذاً، دخول الشركات الأمريكية إلى المملكة العربية السعودية، العامل الكبير، الذي أدى إلى توسيع العلاقات السياسية بين البلدَين. فبعد عامَين من توقيع عقد امتياز التنقيب عن البترول، في المملكة العربية السعودية، مع شركة ستاندرد أويل أوف كاليفورنيا ـ أقامت الولايات المتحدة الأمريكية تمثيلاً قنصلياً، في المملكة العربية السعودية، أي في 10 ذي القعدة 1355 هـ/23 يناير 1937م. ثم رفعت درجة هذا التمثيل السياسي، إلى مفوضية، في 27 ذي الحجة 1358هـ/6 فبراير سنة 1940م. وكان المستر برت فيش، هو أول وزير مفوض، في المملكة العربية السعودية. وفي سنة 1370هـ/ 1951م، أصبح التمثيل الدبلوماسي بين البلدَين، على مستوى سفارة. وكان أول سفير أمريكي إلى المملكة العربية السعودية، هو المستر هير.

وخلال الحرب العالمية الثانية (1358 ـ 1364هـ/ 1939 ـ 1945م)، توقفت أنشطة الشركات البترولية في المملكة، ولم تُستأنَف إلا بعد الحرب. كما أن الظروف الاقتصادية الصعبة، التي فرضتها الحرب، قللت من عدد الحجاج إلى الأماكن المقدسة، فتضاءل دخل المملكة العربية السعودية، مما اضطر الملك عبدالعزيز إلى طلب قرض من الحكومتَين، الأمريكية والبريطانية، ومن شركة أرامكو، لتأمين حاجة بلاده المتزايدة. وقد طلبت الحكومة الأمريكية من بريطانيا، أن تؤدي إلى الملك عبدالعزيز ما يطلبه من مساعدات، على أن يحسم ذلك من القرض الأمريكي، الذي سبق أن منحته إياها الحكومة الأمريكية. وقد طلب الرئيس روزفلت من ممثله في القاهرة، إبلاغ الملك عبدالعزيز، "أن القرض، الذي ستقدمه بريطانيا له، ليس مصدره كرم لندن وسخاؤها. وأن الولايات المتحدة الأمريكية، يهمها تقوية علاقاتها مع السعودية، بحيث يتاح للولايات المتحدة الأمريكية أن تقدم لها المعدات، وتقرضها الأموال، دون وسيط".

وفي سنة 1943، أدخل الرئيس الأمريكي، روزفلت، المملكة العربية السعودية، ضمن الدول المستفيدة من قانون الإعارة والتأجير. وكان هذا القانون، قد صدر سنة 1941، لمساعدة الدول المتضررة من الحرب. وبموجبه، أصبح الرئيس الأمريكي مخولاً، من الكونجرس، بتقديم المساعدات إلى الدول الحليفة والصديقة. وقد اعتبرت المملكة العربية السعودية، بموجب هذا القانون، مؤهلة للحصول على مثل هذه المساعدات.

وهكذا، يتبين حرص حكومة الولايات المتحدة الأمريكية، على تلبية حاجة الملك عبدالعزيز. وهذا نابع من قناعتها بأنه سوف يؤدي دوراً كبيراً في أحداث الشرق الأوسط، وأن الثروات النفطية، التي تختزنها أرض بلاده، سوف تعود بالنفع العميم، ليس عليه فحسب، وإنما على الولايات المتحدة الأمريكية نفسها.

وقبيل انتهاء الحرب العالمية الثانية، التقى الملك عبدالعزيز الرئيس الأمريكي، روزفلت، في البحيرات المرة، في قناة السويس، وذلك في ربيع الأول عام 1364هـ/15 فبراير 1945م. ومن أهم الأمور، التي ناقشها الملك عبدالعزيز مع الرئيس روزفلت، مشكلة فلسطين، ومطالبته الرئيس الأمريكي بالنظر بعدل وعطف، إلى مشكلة الشعب الفلسطيني. كما دارت المناقشة حول قضايا تخص المملكة العربية السعودية. وقد أظهر الملك عبدالعزيز استعداداً للتفاهم. فوافق، مبدئياً على رغبات روزفلت. ولكنه اشترط أن تتعهد الولايات المتحدة الأمريكية بما يلي:

·    ألا تتعرض المملكة العربية السعودية، بأي حال من الأحوال، لاحتلال عسكري، على غرار ما حدث في سورية والعراق وإيران.

·    ألاّ يُقتطع أي جزء من أرض الوطن. والأماكن التي سوف يستخدمها الجيش الأمريكي، تكون على سبيل الإيجار، لمدة خمس سنوات. ومتى انقضت السنوات الخمس، تعود إلى الدولة السعودية، بكل ما عليها، من أبنية ومنشآت.

·    أن تكون للمملكة العربية السعودية، الأفضلية في الحصول على المعدات الحربية، المودعة في "كرمنشاه"، لاستخدامها في تطوير تسليح قواته. ويتعهد ابن سعود، مقابل ذلك، بألاّ يهاجم الحلفاء، وبأن يصد أي اعتداء تقوم به قوات المحور.

·    أن تؤيد الولايات المتحدة الأمريكية، وفقاً لمبدأ الحريات الأربع، المنصوص عليها في ميثاق الأطلسي، كل المبادرات، التي تتخذها الدولة السعودية، إسهاماً في تحرير الشعوب العربية، الرازحة تحت نير الاحتلال الأجنبي.

لقد ضمن ابن سعود، في البند الأول، من هذه الشروط، استقلال شبه الجزيرة العربية، بينما أكد، في البند الرابع، حرصه على التمسك باستقلال البلاد العربية.

قال روزفلت، في شأن البند الأول: "لن أسمح بأية بادرة عدائية، من جانب الولايات المتحدة الأمريكة، ضد الشعوب العربية. وأما البند الرابع، فليس موضع بحث، لأنه داخل في صلب سياسي. فإن عهد الاستعمار قد ولى. وكذلك عصر الإمبراطوريات. وإن من بين مكاسب هذه الحرب، توجيه الضربة القاضية للاستعمار".

وضرب روزفلت بسورية ولبنان، مثلاً على ذلك، فقال إن لديه تعهداً خطياً، من لجنة الجزائر، بمنح هذَين البلدَين، استقلالهما الكامل. وإن في وسعه أن يكتب، في أي وقت، إلى الحكومة الفرنسية، مطالباً بالمحافظة على وعدها.

وأضاف إلى ذلك، أنه سيساند السوريين واللبنانيين، بجميع ما لديه من وسائل، باستثناء القوة المسلحة. ويأمل أن يفعل، بالمثل، مع بقية الأقطار العربية، حينما تطالب باستقلالها.

أما البندان، الثاني والثالث، ولا سيما ما يتعلق منهما بمدة إيجار الأراضي السعودية للجيش الأمريكي ـ فقد حاول روزفلت الحصول على شروط أفضل. ولكن دون جدوى؛ إذ أصر الملك على موقفه، حتى اقتنع الرئيس الأمريكي بوجهة نظره. غير أنه أبدى تحفظاً واحداً، يعود إلى توضيح بعض التفاصيل، بواسطة لجنة من الخبراء.

ثم استبق الرئيس الأمريكي الزمن، وأثار قضية النفط. فطلب إلى الملك منح الولايات المتحدة الأمريكية حق استثمار نفط المملكة العربية السعودية. واحتدمت المناقشة، مرة أخرى، إلى أن توصلا إلى اتفاق، يرتكز على الأسس التالية:

·    لا يتخلى ابن سعود عن أي جزء من أراضيه، بل تكون الشركات المستثمرة مستأجرة للأراضي.

·    تكون مدة الاستثمار ستين عاماً. أي أنها تنتهي في العام 2005، وتعود، بعدها، الآبار ومنشآت البترول كلها، إلى الدولة السعودية.

·    يرفع الرسم المدفوع إلى الملك عن كل برميل من البترول المصدر، من 18 إلى 21 بنساً أمريكياً.

·    توسع المنطقة، التي تستثمرها شركة أرامكو، إلى مساحة تبلغ مليوناً و 500 ألف كم2.

وعرض روزفلت، بعد ذلك، مشروع إنشاء خط من الأنابيب، بطول 1750 كم، يصل بين الأحساء وأحد مرافئ شرقي البحر الأبيض المتوسط (حيفا أو صيدا)، ولم يكن مكان المصب، قد حدد بعد. فأجاب الملك بأن هذا المشروع، ينسجم مع أهدافه، وأنه سيفعل كل ما في وسعه لتسهيل تحقيقه.

ولكنه أبدى رغبته في أن يتم المشروع بوساطة شركة خاصة، لا بإشراف الحكومة الأمريكية، كما كانت، على ما يظهر، رغبة الرئيس الأمريكي.

قال ميشان: ومع أن جو المحادثات بين الرجلين، لم يكن، في البداية، صافياً. فقد افترق الملك والرئيس الأمريكي، وكل منهما مسرور بالآخر، ولديه انطباع بأنه حقق عملية رائعة. وأهدى الرئيس الأمريكي كرسيه الخاص، الذي كان جالساً عليه، للملك السعودي، تعبيراً عن شكره.

أما الإنجليز، فكانوا أقل سروراً، حين بلغهم خبر ما دفع من ثمن، لقاء حياد الملك عبدالعزيز. ولم يسعهم، إلاّ الرضى بالأمر الواقع.

ففي الخفاء، ومن دون أن يبدو أي شيء، يلفت انتباه الرأي العام العالمي، وُجهت إلى السيطرة البريطانية، في الشرق، ضربة أليمة، تخلصت، بواسطتها، المملكة العربية السعودية من دائرة النفوذ البريطاني. قال: وهكذا ... في يوم واحد، تم لعبدالعزيز، أن يثأر لحقبة طويلة، دامت عشرين عاماً.

6. الملك عبدالعزيز وهيئة الأمم المتحدة

لقد حرصت حكومة المملكة العربية السعودية، في عهد الملك عبدالعزيز، على تضامنها وتعاونها مع الأمم المتحدة. ففي 15 ربيع الأول سنة 1364/أول مارس سنة 1945م، تخلت المملكة العربية السعودية عن الحياد، في الحرب العالمية الثانية، وأعلنت الحرب على دول المحور. وقال بيان المملكة، الصادر في هذا الشأن: "إنها أصبحت في حالة حرب مع حكومتَي ألمانيا واليابان، باستثناء الأماكن المقدسة، فهي لا تزال على حيادها، لا تحارِب، ولا تحارَب". وعلى أثر هذا الإعلان، أصبحت مشتركة في تصريح الأمم المتحدة، الذي صدر في أول يناير سنة 1942م. وتلقت الحكومة السعودية دعوة من الحلفاء، لحضور مؤتمر الأمم المتحدة، في سان فرانسيسكو (San Francesco)، الذي عقد في1364هـ/25 أبريل 1945م.

وفي 15ربيع الأول 1364هـ / أول مارس سنة 1945م، بعث الأمير فيصل، بوصفه وزير الخارجية السعودية (بأمر من والده)، برقية إلى المستر جوزيف جرو، نائب وزير الخارجية الأمريكية، جاء فيها: "للدلالة على رغبة المملكة العربية السعودية، في تضامنها وتعاونها مع الأمم المتحدة، فقد أعلنت، اليوم، أنها في حالة حرب مع حكومتَي ألمانيا واليابان. وقررت، في نفس الوقت، الاشتراك في تصريح الأمم المتحدة، الصادر في أول يناير 1942م، وذلك ما يخولها أن تعتبر نفسها منضمة إلى هذا التصريح".

وقد رد جوزيف جرو على برقية سمو الأمير فيصل بن عبدالعزيز، ببرقية مماثلة، جاء فيها: "تلقيت برقية سموكم، المؤرخة في أول مارس. وقد أعربتم بها عن أن المملكة العربية السعودية، رغبة منها في تأكيد تضامنها وتعاونها مع الأمم المتحدة، قد أعلنت، في ذلك اليوم، أنها في حالة حرب مع ألمانيا واليابان. وقررت الانضمام إلى تصريح الأمم المتحدة، واعتبرت نفسها، بذلك، منضمة إلى هذا التصريح. فإن قرار المملكة العربية السعودية هذا، قد جعل عدد أعضاء الأمم المتحدة 45 عضواً، اشتركوا جميعاً في تصريح الأمم المتحدة، المنطوي على إجماع هذه الأمم، على الوقوف معاً، جبهة واحدة، في سبيل كسب الحرب، وبناء صرح السلم.

وإن الولايات المتحدة الأمريكية، بوصفها أمينة على هذا التصريح، يسرها أن ترحب بانضمام المملكة العربية السعودية إلى صفوف الأمم المتحدة".

وألقى الأمير فيصل بن عبدالعزيز خطاباً، عند توقيع ميثاق هيئة الأمم المتحدة، في 26يونيه 1945، قال فيه "إن من دواعي اغتباطي العظيم، أن أقول: إن هذه المبادئ، تطابق تعاليم الدين الإسلامي، الذي يعتنقه 400 مليون في العالم؛ وهي التعاليم، التي اتخذت الحكومة السعودية منها دستوراً، تسير على هديه. ولا غرو، فإن الإسلام، قد أقام العلاقات البشرية على قواعد الحق والعدالة، والسلم والإخاء".

وفي آخر سبتمبر 1945، صدر مرسوم ملكي، بتوقيع الملك عبدالعزيز، بإبرام ميثاق الأمم المتحدة وتصديقه.

وبذلك، أصبحت المملكة عضواً مؤسساً في هيئة الأمم المتحدة. وتدعم المنظمة الدولية، مالياً ومعنوياً، وتحترم جميع قراراتها.