إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات اقتصادية / البترول (اقتصادياً)، البترول وتأثيره في اقتصاديات الدول









الفصل السادس

الفصل السادس

أسعار البترول في التسعينات بين التحسن والهبوط وأثرها على الاقتصاد العالمي

         إن تدهور أسعار النفط الخام بشكل حاد خلال السنتين الأخيرتين 1998 ـ 1999 لم يكن وليد عقد التسعينات، بل بدأ منذ أوائل الثمانينات، ولم يتوقف هذا التدهور حتى بعد انهيار تلك الأسعار إلى أقل من النصف عام 1986. (وقد تناول البحث أسباب ذلك تفصيلياً في الفصل السابق).

         إلاَّ أنه في أواخر الثمانينات حدث تحسن محدود في أسعار النفط خلال السنوات 1987 ـ 1988 إلى 1990. واتصفت أسعار النفط بالتذبذب الشديد أوائل التسعينات بسبب الغزو العراقي للكويت. ثم عاودت الأسعار الهبوط حتى وصلت إلى 12.28 دولاراً لبرميل النفط عام 1998، وتدهورت إلى 9.67 دولاراً في ديسمبر 1998.

         وفي كافة حالات انخفاض أسعار النفط، مارست الدول الصناعية المستهلكة سياستها التي دأبت عليها، وهي عدم السماح بانتقال ذلك الانخفاض إلى المستهلك النهائي للمنتجات النفطية حتى لا ينعكس أثره في زيادة استهلاك هذه المنتجات، ومن ثم يزداد الطلب على النفط. بل كانت تتعمد دائماً زيادة ما تفرضه من ضرائب على استهلاك المنتجات النفطية في كل مرة ينخفض فيها سعر النفط الخام، وذلك للتحكم في عامل الطلب حتى لا يزيد سعر النفط.

         ومن دلائل ذلك، ارتفاع الضرائب النفطية في الدول الأوربية من نحو 22 دولاراً إلى 55 دولاراً ثم إلى 66 للبرميل خلال الفترة 1985 ـ 1995، وهي التي شهدت انخفاضاً مطرداً في أسعار النفط (باستثناء فترة حرب الخليج الثانية). ولعل في ذلك أبلغ الرد على من يساندون سياسة إبقاء أسعار النفط عند مستواها المتردي أملاً في أن يؤدي الانخفاض إلى ارتفاع الطلب على النفط.

أسباب تدهور أسعار النفط الخام في أواخر التسعينات

         لم تكن أسعار النفط الخام طوال عقد التسعينات على وتيرة واحدة، بل تذبذبت بين التحسن المؤقت تارة، والاستقرار النسبي تارة أخرى، والتدهور الشديد في أواخر التسعينات تارة ثالثة.

         ويحاول البحث استخلاص أسباب كل فترة أثناء استعراض تطور أسعارالنفط الخام في المراحل التالية:

أولاً: تغيرات العرض والطلب العالميين أدت إلى تحسن مؤقت لأسعار البترول

         بعد انهيار أسعار النفط في عام 1986، بدأ يتراجع دور أوبك في مجال حفظ التوازن في السوق العالمي للبترول، الذي تحول إلى سوق للمشترين بعد أن كان سوقاً للبائعين منذ بداية السبعينات.

         وعلى الرغم من ذلك، برزت معالم على الطريق ـ خلال السنوات الحرجة من عمر المنظمة (1986 ـ 1990) ـ كانت تبشر بتخطي الأزمات... ونشير بإيجاز إلى عدد من هذه العوامل:

1. تغيّر هيكل العرض العالمي بصورة واضحة، حيث انخفض الإنتاج المحلي من البترول في الولايات المتحدة الأمريكية خلال تلك السنوات، حتى وصل إلى 7.6 مليون برميل يومياً خلال النصف الأول من عام 1990 وهو أدني مستوى سجله منذ 26 عاماً. وأدى ذلك إلى تزايد الطلب فيها على البترول (علماً بأن الولايات المتحدة أكبر دولة مستهلكة للبترول في العالم حيث تستورد 25% تقريباً من إجمالي الطلب العالمي).

كذلك تراجع إنتاج المملكة المتحدة حتى وصل إلى 1.9 مليون برميل يومياً فقط في 1989. هذا بالإضافة إلى انخفاض الإنتاج في الاتحاد السوفيتي من 12.5 مليون برميل يومياً في 1987 إلى 11 مليون برميل يومياً في بداية عام 1990.

2. في أواخر عام 1986 عاد الانضباط إلى صفوف أوبك بعودة دول الخليج إلى جادة الصواب وتوقفت حرب الأسعار مع الدول المصدرة خارج أوبك واستعادت المنظمة تماسكها، الأمر الذي خلق موقفاً جديداً في صالح كل الدول المصدرة سواء الأعضاء في أوبك أو غير الأعضاء.

وقد قاد العودة دول الخليج العربية بزعامة السعودية، وهي التي أعلنت حرب الأسعار في الأشهر الأولى من عام 1986 فانهارت السوق وانهارت معها اقتصاديات عديد من الدول.

ودول الخليج بزعامة السعودية أيضاً هي التي أنهت حرب الأسعار في أواخر العام فاستقامت أمور السوق.

ومن المعروف أن السيد/ أحمد زكي يماني وزير البترول السعودي السابق، الذي قاد حملة حرب الأسعار قد أقيل من منصبه في أواخر عام 1986 حين تفاقمت الأزمة وأضيرت كل الأطراف المعنية، وعين بدلاً منه السيد/ هشام ناظر وزيراً للبترول في السعودية حيث قاد الدعوة إلى العودة لنظام سقف إنتاج لأوبك وحصص إنتاجيه لأعضائها وسعر رسمي استرشادي مؤقت لصادراتها وكان وقتئذ 18 دولاراً للبرميل.

بذلك بدأت أوبك تستعيد بعض ما فقدته، وبدأت تظهر كمورد أساسي ومستمر، وذلك عن طريق اتخاذ استراتيجية جديدة للأسعار والتسويق.

فبعد أن كانت تحدد سعراً رسمياً تدافع عنه، بدأت تتحول إلى تحديد سعر استرشادي كهدف، وهكذا تركت قوى السوق تحدد السعر الفوري لمبيعاتها. مع العلم أن هذا السعر أصبح يتأثر بكميات المبيعات اليومية والمنازعات بين الدول الأعضاء وقرارات الحصص الإنتاجية لكل دولة عضو في أوبك وإعلان السياسات، بل وحتى التصريحات التي يدلي بها وزراء بترول أوبك كان لها أثر نفسي قوي على اتجاهات الأسعار.

إن قدرة أوبك في التأثير على الأسعار لم تعد متماثلة في حالتي الزيادة والخفض. فبينما يستطيع مصدرو أوبك إغراق السوق بكميات تزيد على معدلات الطلب العالمي، فيحدث على أثر ذلك ضغوط تنازلية على الأسعار، فإنه من الصعب زيادة الأسعار عن طريق خفض الإنتاج خفضاً جبرياً لفترات طويلة، وذلك لاعتماد دول أوبك على العائدات البترولية وحاجتها إليها، كما أن هذا الخفض لا يأتي إلاّ كرد فعل لأحداث سياسية خارجة عن إرادة المنظمة.

3. حدث ارتفاع تدريجي للطلب العالمي على البترول منذ عام 1986 وحتى منتصف عام 1990، بسبب التغيُّرات السياسية والاقتصادية في دول أوربا الشرقية وتقلص وارداتها من الزيت والغاز من الاتحاد السوفيتي، ونتيجة لزيادة استهلاكها من البترول، فقد تزايد طلبها على بترول أوبك وخاصة دول الخليج.

وكذلك كان ارتفاع الطلب العالمي على البترول بسبب تزايد القوة الاقتصادية لمجموعة الدول الآسيوية المصنعة حديثاً، والتي يطلق عليها النمور الآسيوية (تايوان ـ هونج كونج ـ كوريا الجنوبية ـ سنغافورة)، وزيادة طلبها على البترول بوجه عام وعلى بترول أوبك بوجه خاص.

وقد أدى ذلك إلى زيادة حصة أوبك من السوق العالمية للبترول بعد أن تراجعت في الثمانينات. كما أدى إلى ارتفاع الأسعار خلال السنوات 1987 ـ 1990، وإن كان بصورة متذبذبة، حيث ارتفع سعر البرميل من سلة خامات أوبك من نحو 8 دولارات للبرميل في يوليه 1986 إلى نحو 23.6 دولاراً في يناير 1990، ثم عاد وهبط إلى ما يتراوح بين 13 ـ 14 دولاراً للبرميل في الربع الأول من العام، ليسترد قوته ثانية قبل أزمة العراق والكويت حيث سجل سعراُ يتراوح بين 18 ـ 20 دولاراً للبرميل. وقد أدى ذلك إلى تضاعف عائدات أوبك في منتصف عام 1990 بالمقارنة بما كانت عليه في منتصف الثمانينات، إلا أنها لم تحقق المستوى الذي بلغته في أعقاب ثورة الأسعار الأولى.

وما زال السعر يتردد بين الزيادة والنقصان مع تذبذب درجة حرارة المواجهة السياسية في منطقة الخليج العربي.

ومن الجدير بالإشارة أن نكسة انهيار الأسعار عام 1986 استمر ظلُّها طاغياً على عقد التسعينات بأكمله، الذي ساده القلق والترقب والمخاوف من تكرارها في سوق البترول العالمي.

4. على أثر هذا التحسن النسبي، زادت أواصر التعاون بين المصدرين من داخل أوبك ومن خارجها، من أجل إعادة التوازن إلى السوق العالمي للبترول.

هذا بالإضافة إلى اتجاه دول اوبك لإقامة علاقات مع شركات البترول الكبرى متعددة الجنسيات، عن طريق إقامة مشروعات مشتركة في مجالات التكرير والتسويق والتوزيع. وهذا من شأنه أن يضمن موارد بترولية للشركات الأجنبية بينما يوفر للدول المصدرة منافذ تصدير في أوقات الأزمات.

وهكذا مهَّدت التغيرات سالفة الذكر بالنسبة للعرض والطلب العالميين على البترول، وتفهم أوبك لدورها الحقيقي واستفادتها من دروس الماضي، إلى إيجاد نوع من التوازن في السوق العالمي للبترول، نتج عنه استقرار نسبي حققت في ظله أسعار البترول بعض الزيادة، حيث حددت أوبك ـ في أواخر عام 1986 ـ سعراً استرشادياً للنفط الخام قدره 18 دولاراً للبرميل، وقد استمر هذا السعر طوال السنوات 1987 و 1988 و 1990 وحتى يوليه 1990 ( تاريخ غزو العراق للكويت).

ثانياً: غزو العراق للكويت أدى إلى تذبذب أسعار البترول صعوداً وهبوطاً

         نواصل في هذه الفترة استعراض ما استجد من أحداث كان لها الأثر الفعَّال في أسعار النفط الخام صعوداً وهبوطاً ـ أو بالأحرى تحسناً وتدهوراً ـ خلال عقد التسعينات.

1. كان عدوان العراق على الكويت مفاجأة للعالم أجمع، بعد أربعة أيام فقط من حدوث اتفاق جماعي لوزراء دول أوبك في المؤتمر الوزاري العادي رقم 87 المنعقد في جنيف في 26 ـ 27 يوليه 1990 ـ بعد تخطي خلافاتهم ـ على رفع الأسعار من 18 إلى 21 دولاراً للبرميل، والالتزام بسقف إنتاج للأوبك (22.49 مليون برميل يومياً) للنصف الثاني من عام 1990، وبحصص محددة لكل عضو.

وعلى أثر هذا العدوان، شهد سوق البترول العالمي تغيرات جوهرية أدت إلى نقص الإمدادات العالمية وحدوث ارتفاع كبير لأسعار البترول وتوقف تام لصادرات البترول العراقي والكويتي بناء على الحظر الاقتصادي المفروض من مجلس الأمن. ولأول مرة منذ عقود من السنين كاد الطلب على البترول يهدد بتجاوز العرض.

ففي أعقاب الأزمة مباشرة، واصلت أسعار البترول الخام ارتفاعها حيث سجل سعر برميل سلة خامات أوبك 26.5 دولاراً في السادس من أغسطس 1990، أي بعد أربعة أيام فقط من غزو الكويت. ثم تجاوزت الأسعار هذا الحد حيث وصل سعر البرميل من النفط 34.6 دولاراً، واستمر في الارتفاع حتى كاد يتخطى حاجر الأربعين دولاراً للبرميل، وخاصة لبترول شمال أفريقيا وبترول بحر الشمال وبترول الغرب الأمريكي ـ وذلك نتيجة للمضاربات ورد فعل التصريحات والتخوف من اندلاع الحرب في الخليج على نطاق واسع ـ مما حدا بدول أوبك إلى عقد اجتماع استثنائي في 26 ـ 28 أغسطس 1990 في فيينا، لاتخاذ الإجراءات الكفيلة بتأمين تغطية الطلب العالمي على البترول عن طريق الإنتاج بأقصى طاقة ممكنة لتعويض ما فقدته السوق نتيجة توقف الإنتاج العراقي والكويتي، على أن تعاود الالتزام بالحصص المحددة بعد انتهاء الأزمة. وقد استطاعت بعض دول أوبك (السعودية والإمارات وفنزويلا وإيران) تعويض 3 ملايين برميل يومياً. وقد ساعد على ذلك وجود طاقة إنتاج عاطلة لدى دول الخليج وفنزويلا مع رغبة هذه الدول في استخدام هذه الطاقة.

جدير بالذكر، أن الخطورة لا تكمن في توقف بترول الكويت والعراق فحسب، ولكنها تكمن في موقف منطقة الخليج ككل باعتبارها أكبر منطقة إنتاجية، وأكبر احتياطيات بترولية في العالم.

ونشير هنا في هذه المناسبة إلى أن منظمة أوبك في مؤتمرها الاستثنائي المشار إليه الذي عقدته في 26 ـ 28 أغسطس 1990، أصدرت قراراً بدعوة مستهلكي البترول للمشاركة في المحافظة على استقرار السوق العالمي للبترول عن طريق تطبيق اتفاق المشاركة بين دول الوكالة الدولية للطاقة، الذي وضعته خصيصاً لمواجهة احتمالات مماثلة للوضع الحالي في السوق، بالإضافة إلى استهلاك المخزون الكبير الذي تملكه الشركات.

والغريب في الأمر أن خطة المشاركة هذه ـ التي ابتكرتها الوكالة الدولية للطاقة ـ أساساً لمواجهة دول أوبك وكسر احتكارها للإنتاج، فإن دول أوبك هي نفسها التي تدعو دول الوكالة إلى تطبيقها في هذا الوضع.

وفي منتصف ديسمبر 1990 عقد المجلس الوزاري لأوبك اجتماعاً لم يواجه فيه القضايا التقليدية. ففي أعقاب الغزو العراقي للكويت، ليس هناك التزام بالحصص ولا بسقف للإنتاج ولا قلق على الأسعار لأنها تتحدد وفقاً للتطورات السياسية والعسكرية في ذلك الوقت.

لذلك كانت هموم دول أوبك في هذا الاجتماع تنصب على التخوف من انهيار الأسعار في حالة التوصل إلى تسوية سليمة لأزمة الخليج، بينما تتركز هموم الدول الصناعية الغربية على احتمالات انقطاع إمدادات منطقة الخليج العربي إذا ما أصبح الخيار العسكري أمراً لا بد منه، مع ما يتبعه من زيادات خيالية في الأسعار.

2. وعند قيام قوات دول التحالف الدولي بتوجيه أول ضربة جوية للعراق، كان رد الفعل الفوري في أسواق البترول العالمية زيادات حادة في الأسعار، وتجاوز سعر خام برنت البريطاني 33 دولاراً للبرميل.

وبعد أن توالت الضربات الجوية، وتناقلت الأنباء النجاح الذي حققته القوات المتحالفة مع ضعف الجانب العراقي، وعدم إصابة معامل التكرير والمنشآت البترولية في المملكة العربية السعودية، بدأت الأسواق تشهد تراجعاً حاداً في أسعار النفط الخام من 33 إلى 25 دولاراً لبرميل خام برنت.

ومع تزايد الثقة العالمية في تقدم قوات التحالف الدولي، بدأت الأسعار تسجل تراجعاً حتى استقرت عند حوالي 18 دولاراً للبرميل في منتصف مارس 1991، ثم انخفضت إلى 17.11 دولاراً للبرميل خلال الفترة من 1 ـ 5 إبريل 1991.

كان أحد الأسباب الرئيسية وراء هذا التراجع كيفية استخدام الوكالة الدولية للطاقة للمخزون الاحتياطي الاستراتيجي بعد انفجار الأزمة. فقد أعلن الرئيس الأمريكي بوش عن الإفراج الفوري عن 33.75 مليون برميل من الاحتياطي الاستراتيجي الأمريكي من البترولي بمعدل 1.125 مليون برميل يومياً ولمدة شهر.

هذا إضافة إلى إعلان الوكالة الدولية للطاقة عن قرارها بتوفير 2.5 مليون برميل يومياً من المخزون الاحتياطي وطرحه في الأسواق. ويقضي هذا القرار بسحب مليوني برميل يومياً من المخزون الحكومي، بالإضافة إلى إجراء جبري يقضي بخفض الطلب على البترول بكمية 400.000 برميل يومياً وتحقيق وفر في استهلاك الطاقة يُقدر بنحو 100.000 برميل يومياً.

وهذا القرار يمثل تحولاً في سياسة الوكالة الدولية للطاقة، التي كانت تقضي باتخاذ مثل هذه الإجراءات في حالة حدوث نقص فعلي في المعروض من البترول .

وقد أدى عدم تقيد دول الخليج بالحصص المقررة لها أثناء حرب الخليج، وحرصها على تلبية احتياجات الطلب العالمي عن طريق زيادة الإنتاج منعاً لحدوث أزمة بترولية، إلى ظهور فائض في العرض العالمي، عندما تزامن مع استخدام المخزون الاستراتيجي لدول الوكالة الدولية للطاقة. وأدى هذا بدوره إلى انخفاض أسعار البترول العالمية، على الرغم من رغبة كل من العراق والكويت استئناف الإنتاج، وحاجة دول الخليج المشتركة في التحالف الدولي إلى مزيد من الأموال لتغطية تكاليف حرب الخليج، خاصة بعد عودة مستوى الإنتاج إلى ما قبل الحرب.

وبعد انتهاء حرب الخليج وتحرير الكويت تعزز موقف الولايات المتحدة الأمريكية، وأحكمت قبضتها على منطقة الخليج العربي تحت مظلة القوات متعددة الجنسيات. وهذا يفسر لنا انتهاز الولايات المتحدة الفرصة لكي تعيد إحياء مشروع بناء الاحتياطي الاستراتيجي الأمريكي من البترول لتخزين جزء من احتياطي نفط دول الخليج العربي، وذلك لتعويض عمليات السحب من المخزون الاستراتيجي الأمريكي خلال الأسابيع الأولى من اندلاع الأزمة.

ففي 13 مايو 1991 عقد في واشنطن محادثات ثنائية بين السيد/ هشام ناظر وزير البترول السعودي ونظيره الأمريكي جيمس واتكينز بشأن الخطط الأمريكية الخاصة بتعبئة الاحتياطي الإستراتيجي. وقد اتفق الوزيران على صيغة تنص على مزيج من "بيع واستئجار" كميات من الزيت الخام للمخزون الإستراتيجي. ولم يتم الإعلان عن هذا الاتفاق بصورة رسمية بسبب ضرورة العرض على الحكومة السعودية.

وتنظر السعودية إلى التعاون مع الولايات المتحدة الأمريكية بشأن المخزون الاستراتيجي كجزء من الأمن المتبادل الأوسع نطاقاً بين البلدين.

وتشير بعض المصادر إلى أن معدل الإمدادات السعودية للمخزون الإستراتيجي سوف يتراوح بين 200 ـ 250 ألف برميل يومياً خلال السنة المالية في ذلك الوقت. ومن المرجح أن تكون تلك الكمية خارج الحصة المحددة للسعودية في إطار الحد الأقصى لإنتاج أوبك.

وتجدر الإشارة إلى أن المحادثات حول هذا الموضوع كانت قد بدأت قبل حوالي عامين لكنها توقفت بسبب تأنِّي الحكومة السعودية لدراسة المشروع.وقد استؤنفت المحادثات بعد انتهاء حرب الخليج في ضوء مساهمة السعودية في تعبئة الاحتياطي الاستراتيجي الأمريكي كطريقة لتسديد حوالي 13.5 مليار دولار لواشنطن من تكاليف برنامج عاصفة الصحراء.

3. أثر الغزو العراقي للكويت على عائدات دول أوبك

أدت هذه الأزمة إلى ارتفاع عائدات صادرات بترول أوبك عام 1990 نتيجة الزيادة الكبيرة في أسعار البترول عقب الغزو العراقي للكويت، وارتفاع مستويات إنتاج أوبك بسبب عدم التقيد بالحصص المقررة للتعويض عن توقف صادرات العراق والكويت، حيث سجلت عائدات دول أوبك (زيت خام + منتجات + سوائل غاز طبيعي) نحو 165.8 بليون دولار في عام 1990 في مقابل نحو 116.7 بليون دولار عام 1989، بزيادة نسبة 42%.

وقد حققت السعودية أعلى معدلات الزيادة بين دول أوبك حيث تضاعفت عائداتها من 24 بليون دولار عام 1989 إلى 48 بليون دولار في عام 1990 وقد جرى توجيه معظم هذه الزيادة في العائدات لتمويل التكاليف المباشرة وغير المباشرة للعمليات العسكرية في المنطقة.

أما العراق والكويت فقد أثرت حرب الخليج بشدة على عائدات كل منهما بسبب توقف صادراتهما منذ اندلاع الحرب، حيث انخفضت عائدات العراق من 14.5 بليون دولار عام 1989 إلى 10.2 بليون دولار عام 1990 بانخفاض بنسبة 30 %.

كما شهدت عائدات الكويت انخفاضاً من 10.9 بليون دولار عام 1989 إلى نحو 6.9 بليون دولار عام 1990 بانخفاض بنسبة 37%.

أما دول أوبك الأخرى فقد حققت زيادات كبيرة في العائدات تراوحت بين 40 إلى 65%.

جدير بالذكر أن هذه الزيادة في عائدات دول أوبك ليست زيادة حقيقية. وذلك إذا أدخلنا في الاعتبار عنصر التكلفة الفعلية لإنتاج برميل البترول، في الدول الرئيسية المصدرة للبترول.

فقد أدت البرامج السريعة لزيادة الإنتاج في أعقاب حرب الخليج للتعويض عن فقدان إنتاج العراق والكويت، إلى زيادة الاستثمارات الموجهة لرفع الطاقة الإنتاجية وبالتالي ارتفاع تكاليف إنتاج الوحدة الواحدة.

فقد ارتفعت تكاليف الإنتاج في المملكة العربية السعودية من 2.07 دولاراً للبرميل في عام 1989 إلى نحو 3.73 دولاراً في عام 1990.

هذا إضافة إلى تآكل القيمة الحقيقية للقوة الشرائية للعائدات البترولية نتيجة لتراجع قيمة الدولار أمام العملات الرئيسية الأخرى من ناحية، وإلى ارتفاع أسعار السلع المصنعة التي تستوردها دول اوبك من الدول الصناعية من ناحية أخرى.

وكما ذكرنا من قبل، فإن معظم عائدات دول أوبك الخليجية خلال عام 1990 قد استُخدمت في تمويل الإنفاق في مجال الدفاع والأمن القومي.

4. أثر الغزو العراقي للكويت على آبار النفط

وفي مناسبة الحديث عن انخفاض عائدات الكويت بسبب توقف صادراتها. فتجدر الإشارة إلى أن هذا الانخفاض قد دام فترة طويلة بسبب إقدام النظام العراقي بصورة متعمدة غير مسؤولة وغير إنسانية على تلغيم آبار النفط الكويتية وتفجيرها وإضرام النيران فيها كوسيلة يائسة لوقف زحف قوات الحلفاء البرية لتحرير الكويت.

إن الكويت رغم صغر مساحتها (17.818 كيلومتر مربع)  تضم رصيداً ضخماً من النفط يُقدَّر بنحو 12960 مليون طن موزعة على 15 حقلاً نفطية تضم 1555 بئراً.

وقد بلغت جملة الآبار المشتعلة                  618 بئراً   بنسبة    39.7%

والآبار التي تدفق منها النفط ولم تشتعل         77 بئراً     بنسبة    5.0%

والآبار التي دمِّرت تماماً                       462 بئراً    بنسبة    29.7%

والآبار السليمة الصالحة للاستخدام              156 بئراً    بنسبة    10.0%

ومن ثم تكون نسبة التدمير والتخريب للآبار التي كانت منتجة حوالي 90% من المجموع الكلي.

(المصدر: وزارة النفط: دولة الكويت: إحصائية عن حالة الآبار في 26 فبراير 1991).

ونظراً لخطورة الدخان المنبعث من آبار النفط المشتعلة، قامت عدة جهات دولية برصد وتحليل مكونات هذا الدخان. وقد أظهرت بعض القياسات وجود تركيزات عالية من ثاني أكسيد الكبريت وتركيز من أكاسيد النيتروجين وتركيز من الأتربة المعلقة على بعد 100 كيلومتر وعلى ارتفاع 2000 متر من مكان الحرائق.

اضطرت الكويت ـ أثناء فترة العدوان ـ إلى شراء النفط اللازم لمعامل التكرير التي تملكها في الخارج حتى لا تتوقف عن العمل.

أما بعد تحريرها أخذت تستورد المنتجات البترولية كالبنزين والوقود اللازم لمحطات الطاقة وتحلية المياه، من السعودية والبحرين لتلبية احتياجات الطلب المحلي.

كما وضعت خطة لاستعادة قدراتها الإنتاجية تكلفت ما يتراوح بين 10 ـ 15 بليون دولار وقد بلغت تكاليف إطفاء الآبار الكويتية 1.5 بليون دولار. وتم إطفاء آخر بئر في السادس من نوفمبر 1991.

وقد أصدرت هيئة من المحكمين المحايدين، الذين عينتهم لجنة التعويضات التابعة للأمم المتحدة، توصية باستحقاق شركة نفط الكويت 600 مليون دولار تعويضاً عن الأضرار التي لحقت بها من جراء إشعال القوات العراقية النار في آبار البترول الكويتية في نهاية حرب الخليج.




[1] خامات أوبك السبعة تشمل: خليط صحارى (الجزائر) ـ ميناس (أندونيسيا) ـ بوني الخفيف (نيجيريا) ـ العربي الخفيف (السعودية) ـ دبي (الإمارات) ـ تياجوانا (فنزويلا) ـ أيسموز (المكسيك).

[2] السعودية لن تعود إلى لعب دور المنتج المرجح` جريدة `الحياة`، العدد الصادر في 12 مارس 1999. معنى المنتج المرجِّح كانت سياسة المملكة العربية السعودية أن تقوم بدور المنتج المرجح منذ عام 1978. وذلك بتعويض السوق العالمي عن النقص الناشئ في إمدادات البترول في حالة قلة العرض، وفي تخفيض إنتاجها في حالة زيادة العرض. وذلك من منطلق مسؤولياتها تجاه الاقتصاد الدولي ومحاولة لتجنيب سوق النفط العالمي أي هزات مدمِّرة.