إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات اقتصادية / البترول (اقتصادياً)، البترول وتأثيره في اقتصاديات الدول









الفصل السادس

وفي 23 مارس 1999

          عُقد الاجتماع الوزاري (107) لمنظمة الدول المصدرة للبترول (أوبك) في فيينا بالنمسا (انظر ملحق البيان الختامي لاجتماع أوبك الوزاري (107)، 23 مارس 1999).

          على ضوء الأوضاع الجارية في سوق البترول، قرر المؤتمر تطبيق مزيد من الخفض على إنتاج الدول الأعضاء (باستثناء العراق) وتوزيع حصص الدول الأعضاء وفقاً لما يلي:

          الجزائر 731 ألف ب/ ي،، إندونيسيا 1.187 مليون ب/ ي، إيران 3.359 مليون ب/ي، الكويت 1.836 مليون ب/ ي، ليبيا 1.227 مليون ب/ ي، نيجيريا 1.885 مليون ب/ ي، قطر 593 ألف ب/ ي، السعودية 7.438 مليون ب/ ي، الإمارات 2.000 مليون ب/ ي، فنزويلا 2.720 مليون ب/ ي.

          قد أكد المؤتمر على ضرورة الالتزام الكامل من قِبل الأعضاء بتنفيذ هذه الاتفاقية اعتباراً من أول أبريل 1999، على أن يسري هذا الاتفاق لمدة عام كامل. وقد أعرب المؤتمر عن تقديره العميق لروح التعاون التي تسود بين أعضاء أوبك وبين المنتجين من داخل وخارج أوبك. وعن تقديره لتعاون حكومات المكسيك والنرويج وسلطنة عمان وروسيا الاتحادية وذلك لقيامها بفرض خفض على مستويات الإنتاج كما يلي:

          لمكسيك 125 ألف ب/ ي، النرويج 100 ألف ب/ ي، سلطنة عمان 63 ألف ب/ ي، روسيا 100 ألف ب/ ي مساهمة من هذه الحكومات في الخطوات التي تم اتخاذها للوصول بأسعار البترول إلى مستويات مقبولة. هذا ويبلغ إجمالي الكميات التي يتم تخفيضها من داخل وخارج أوبك 2.104 مليون برميل يومياً.

ماذا حدث بعد اجتماع 23 مارس 1999؟

وما هو الأثر الفوري لإقرار خفض مزيد من الإنتاج؟

ـ  صرح الدكتور ريلوانو لقمان السكرتير العام لمنظمة أوبك بأن الدول الأعضاء في المنظمة تعهدت خطياً بالإلتزام بالتخفيضات والحصص الإنتاجية المخصصة لها وفق الاستراتيجية الجديدة.

ـ  في أعقاب انتهاء أعمال منظمة أوبك التي جرت في 23 مارس 1999 انخفضت أسعار النفط قليلاً، الأمر الذي أدى إلى محاولة بعض الجهات التشكيك في التزام الأعضاء بالاتفاق الذي تم التوصل إليه في لاهاي وصدّقت عليه المنظمة في فيينا.

والحقيقة أن هذه الجهات المتعاملة في أسواق النفط لها مصالح أكيدة في إشاعة مثل هذه الأنباء لتحقيق مصالحها وأهمها عدم الارتفاع الشديد في الأسعار.

ولكن الواقع يؤكد أن الأسعار قد ارتفعت بالفعل بنحو ثلاثة دولارات وانخفاضها المحدود بنصف دولار لا يؤكد التشكيك في مصداقية تطبيق الأوبك لقراراتها. خاصة وأن الأسعار قد ارتفعت بمجرد التوصل لاتفاق لاهاي في 12 مارس 1999 مما يعني أن الأسواق قد أعطت اقتناعها الكامل بجدية اتفاق الأوبك والالتزام بتنفيذه .

ـ  أشاد كثير من المحللين بقرارات أوبك بتخفيض الإنتاج للمرة الثالثة وأنها خطوة في الاتجاه الصحيح. ولكن الأهم من ذلك هو الالتزام الفعلي بهذا التخفيض، الذي يؤدي فعلاً إلى تحسين أسعار النفط. وبما أن الدول العربية تملك الجانب الكبر من الاحتياطي النفطي العالمي، فإنها لابد أن تكون معنية تماماً بضبط مدى الالتزام بقرارات الأوبك لضمان تحسين أسعار النفط.

ـ  وفيما يتعلق بارتفاع أسعار البترول، فإنها قد بدأت فعلاً في الارتفاع منذ منتصف مارس 1999 بمجرد ظهور بوادر الاتفاق بين المنتجين بتأكيد وجدِّية من دول الخليج بزعامة السعودية، وحتى قبل أن يبدأ الخفض عملياً من أول أبريل 1999.

          ففي سوق البترول الدولية بلندن في 27 مارس 1999 أغلق سعر خام القياس العالمي مزيج برنت المستخرج من بحر الشمال للعقود تسليم مايو 1999 مرتفعاً 47 سنتاً عند 14.41 دولاراً للبرميل وهو مستوى مرتفع كثيراً عن متوسط سعر برنت منذ بداية العام 1999 والذي كان يبلغ 11.40 دولاراً للبرميل.

          وفي سوق نايمكس بنيويورك أغلق سعر البترول لعقود مايو 1999 على 16.51 دولاراً للبرميل صعوداً من 15.67 دولار عند الإغلاق في 26 مارس 1999.

          ومن ناحية أخرى ارتفعت أسعار سلة خامات دول الأوبك يوم 25 مارس 1999 إلى 13.32 دولاراً للبرميل ارتفاعاً من 13.16 دولاراً للبرميل في 24 مارس 1999.

          ومع ذلك يبدو التخوف الحالي في الأسواق من عدم التزام دول أوبك مستقبلاً بالخفض المقرر في الإنتاج. فالخبرة السابقة توحي بأنه كلما زادت الأسعار قلت درجة التزام بعض الأعضاء أملاً في تحقيق مستويات أعلى للعائدات مع ارتفاع الأسعار. وهذا هو نفسه ما يدفع نحو الانخفاض مجدداً في مستوى الأسعار.

          ومن هنا فإن مستوى الالتزام خلال شهر أبريل 1999 سيكون الأمر الحاسم ولو على المستوى المعنوي في تحديد مدى استمرار ارتفاع الأسعار.

          بذلك يتم استعراض أزمة تدهور أسعار البترول وتطوراتها، التي بدأت في نوفمبر 1997، وبعد إقرار دول الأوبك ثلاثة تخفيضات كادت تنتهي هذه الأزمة في مارس 1999.

          ويقتضي الأمر انتظار تفاعل الأسباب ـ التي أدت إلى حدوث هذه الأزمة ـ مع سياسات شركات البترول العالمية والدول المنتجة والدول المستهلكة للبترول على السواء، وتفاعلها مع الأحوال الاقتصادية التي سادت في أواخر عقد التسعينات، لنرى ما يسفر عن ذلك من نتائج بصدد تطور أسعار البترول.

          ونعود بعد ذلك إلى عرض الأحداث التي تتعلق بالطاقة وخاصة البترول وفقاً للتسلسل الزمني حتى نهاية عام 1999.

أهم المؤتمرات والاجتماعات في عام 1998

خلال الفترة من 17 ـ 19 فبراير 1998

          عُقد في القاهرة المؤتمر الدولي الثامن للجيوفيزيقا لدول أفريقيا والشرق الأوسط

          شارك في هذا المؤتمر كبرى الشركات العالمية المتخصصة في جميع مجالات البحث والتنقيب عن المعادن والمياه الجوفية.

          أقيم معرض ـ على هامش المؤتمر ـ لأحدث ما وصل إليه العلم الحديث من تقنيات سواء في مجال تسجيل القراءات والبيانات أو كيفية معالجتها أو تفسيرها.

          تعرَّض المؤتمر لمناقشة التحديات التي فرضتها التغيرات المتلاحقة التي تجتاح الأسواق العالمية والتي تتمثل في:

ـ تدهور أسعار البترول.

ـ الحاجة إلى زيادة الاحتياطيات العالمية من البترول والغاز.

ـ القضايا والسياسيات البيئية.

ـ تطوير ونقل التكنولوجيا الجديدة.

          إن انخفاض أسعار البترول أدى بدوره إلى انخفاض عائدات الدول المنتجة، مع أن صناعة البترول في العديد من الدول النامية تعد مصدراً هاماً للدخل القومي وأحد أهم العوامل المحركة للنمو الاقتصادي.

          ومن المفيد أن تعمل هذه الدول على جذب الاستثمارات لتحقيق مزيد من الاكتشافات، ومزيد من الإنتاج وتوفير قدر من الاحتياطيات البترولية والغازية لتدعيم خطط التنمية طويلة الأجل. وإقامة صناعات جديدة تعظم القيمة المضافة للموارد الطبيعية. وتشجيع الاستثمارات الخاصة للدخول في الأنشطة البترولية المختلفة.

          أما الحاجة إلى زيادة الاحتياطيات العالمية من البترول والغاز

          فإن التوقعات تؤكد استمرار النمو الحالي في الطلب العالمي على الطاقة، إلا أن الزيادة المطردة في استهلاك الطاقة بالدول النامية سرعان ما تجعل من هذه الدول اكبر أسواق الطاقة، إذ ستحتاج هذه الدول إلى كميات هائلة من الطاقة لتحقيق التنمية المتواصلة لشعوبها.

          وإذا كان من المتوقع أن يزيد الطلب العالمي على الطاقة بمعدل 2.2% سنوياً حتى عام 2015، فإن موقف مصادر الإمداد قد يشهد تغيراً ملحوظاً لمواجهة الزيادة المتوقعة في الطلب. ويمكن إيجاز ذلك فيما يلي:

ـ  سيظل البترول المصدر الرئيسي للطاقة، بما يمثل 38% من إجمالي استهلاك الطاقة.

ـ  ترتفع نسبة مساهمة الغاز الطبيعي في إجمالي استهلاك الطاقة من 21% إلى 26%.

ـ  يمثل استهلاك الفحم 24% من إجمالي استهلاك الطاقة.

ـ  ينخفض استهلاك الطاقة النووية قليلاً إلى ما يمثل 4% من إجمالي استهلاك الطاقة في العالم.

ـ  يرتفع الاستهلاك من الطاقة المائية والطاقة المتجددة إلى ما يمثل 8% من إجمالي استهلاك الطاقة العالمي.

          والنتيجة النهائية على ضوء خريطة استهلاك الطاقة في العالم عام 2015، فإن البترول والغاز سيظلان أهم المصادر الرئيسية للطاقة في المستقبل، إذ يمثلان 64%.

          فضلاً عن أن العالم يعتمد عليهما ليس فقط كمصدر رئيس للطاقة، ولكن لأنهما يدخلان في العديد من الاستخدامات الأخرى، التي تغلغلت في حياتنا من مأكل وملبس ومسكن ووسائل مواصلات، لدرجة أن أي مصادر أخرى لتوليد الطاقة سوف تعجز أن تحل محل البترول كمادة أولية تستخدم لإنتاج العديد من البتروكيماويات الضرورية للحياة.

          وحتى نتمكن من زيادة الاحتياطيات العالمية من هذا المنتج الاستراتيجي، ينبغي علينا استمرار التعاون بين المنتجين والمستهلكين وبذل الجهود لتبني سياسات مرنة تتسم بالعدل والوئام وليس بالمنافسة الضارية والمواجهة.

          وتناول المؤتمر موضوع البيئة من خلال الدعوة إلى بذل جهود مكثفة للسيطرة على التلوث الجوي والبحري وتقليل الآثار الضارة بالبيئة بالإضافة إلى الاهتمام بالأمور المتعلقة بتغيير المناخ العالمي، وذلك عن طريق تطبيق برامج "تقييم التأثير البيئي" في مراحل التخطيط والعمل الأولي للمشروعات البترولية لمنع التلوث قبل حدوثه خيراً من معالجة الآثار المترتبة على وقوعه، واستخدام أحدث الوسائل التكنولوجية في جميع مجالات الصناعة البترولية.

أما عن تطوير ونقل التكنولوجيا الجديدة

          فقد دعا المؤتمر إلى تضافر الجهود في نواح عديدة: سياسية وفنية واقتصادية. وذلك عن طريق الحوار وتبادل الخبرات والمعلومات في مثل هذه التجمعات الدولية والتدريب والتعليم. كل هذه العناصر لها أهمية في تفهم وخلق التعاون بين الأطراف لنقل التكنولوجيا.

          وينبغي على الدول أن تسعى إلى اقتناء التكنولوجيا بمختلف الوسائل وتطبيق أحدث الأساليب التكنولوجية في البحث والاستكشاف عن البترول، ومن بينها على سبيل المثال:

          البحث السيزمي ثلاثي الأبعاد، الذي ساهم كثيراً في تقليل عامل المخاطرة المرتبط بعمليات الاستكشاف من خلال توفير معلومات أكثر دقة.

          وكذلك البحث السيزمي رباعي الأبعاد، الذي ساهم إلى حد بعيد في تنمية وتقييم الاحتياطيات البترولية.

  • أشار التقرير السنوي لعام 1998 الصادر عن وزارة الطاقة الأمريكية إلى توقُّع ارتفاع استهلاك البترول خلال الأعوام المقبلة مما سيؤدي إلى زيادة كبيرة في واردات الولايات المتحدة الأمريكية من البترول، وبالتالي إلى زيادة اعتمادها على البترول الأجنبي.

ويتوقع التقرير بأن يرتفع الطلب الأمريكي على البترول بنسبة 1.2% سنوياً  ليصل إلى 19.6 مليون ب/ ي بحلول عام 2010، وسوف تبلغ واردات الولايات المتحدة من البترول حوالي 15 مليون ب/ ي في عام 2015.

كما توقع التقرير زيادة اعتماد الولايات المتحدة على بترول الخليج من 38% عام 1996 إلى أكثر من 50 % عام 2020.

أما المنتجات البترولية مثل البنزين والديزل ووقود النفاثات فسوف ترتفع لتسجل 2.8 مليون ب/ ي بحلول عام 2020، ويأتي معظم هذه الزيادة من معامل تكرير الشرق الأوسط ودول حوض الكاريبي. وذلك نظراً لعدم توقع حدوث ارتفاع في الطاقة التكريرية في الولايات المتحدة الأمريكية.

وتجدر الإشارة إلى أن شركات البترول الأمريكية لم تتمكن من تلبية الزيادة في الطلب نتيجة لتراجع إنتاج البترول الأمريكي.

وبالنسبة لإنتاج الولايات المتحدة من البترول عام 1998، يتوقع تقرير الإدارة الأمريكية ارتفاعه للمرة الأولى منذ عام 1991 نتيجة لظهور حقول جديدة في خليج المكسيك، ولكن هذه الزيادة لن تتجاوز 16 ألف ب/ ي .

وفي أبريل 1998

أصدر وزير الطاقة الأمريكي فيديريكو بينا استراتيجية وطنية جديدة في مجال الطاقة في الولايات المتحدة تهدف إلى:

ـ  تقليل الاعتماد على البترول المستورد، وخفض الواردات الأمريكية من البترول بنحو مليون برميل يومياً من خلال تطوير تكنولوجيا صناعة السيارات لخفض استهلاكها للوقود.

ـ  حماية الولايات المتحدة من انقطاع إمدادات البترول من خلال تنويع مصادره عبر تشجيع تطوير استخراج إمدادات الغاز والبترول من منطقتي بحر قزوين وأمريكا اللاتينية ومناطق أخرى في العالم، بدلاً من الاعتماد إلى حد كبير على منطقة الشرق الأوسط.

وذلك لأن أكثر من نصف الطلب المحلي الأمريكي مستورد، وسترتفع النسبة إلى 60 % بحلول عام 2000.

ـ  وقف تراجع الإنتاج المحلي من البترول عن طريق تطوير التكنولوجيات الحديثة في مجال البحث والاستكشاف والحفر.

ـ  زيادة استخدام الغاز الطبيعي إلى نحو 6 تريليون قدم مكعب بحلول عام 2010 .

          جدير بالذكر أن الولايات المتحدة الأمريكية تُطلق على استراتيجية تنويع مصادر البترول مع تركيز خاص على تنويع طرق نقله، استراتيجية "الحد من الاعتماد على مضيق هرمز" حيث يمر معظم واردات الغرب النفطية عبر هذا الشريط المائي الملاصق للبر الإيراني المعادي للأمريكيين، والقريب جداً من سواحل الهند الظامئة للبترول والداخلة حديثاً إلى النادي النووي.

          وعلى الرغم من عدم وجود تهديد عسكري في الوقت الحاضر لخطوط نقل النفط عبر المضيق، إلاَّ أنه يكلف الولايات المتحدة وجوداً عسكرياً كثيفاً ودائماً ونزيفاً مالياً مستمراً.

          وقد يكون من المناسب ـ أثناء الحديث عن استراتيجية الولايات المتحدة للطاقة ـ أن نذكر أنه في شهر يوليه 1998

          انتهزت الولايات المتحدة الأمريكية فرصة انخفاض أسعار البترول، حيث وافق مجلس الشيوخ الأمريكي على شراء بترول بما قيمته 420 مليون دولار، أي نحو 28 مليون برميل لتعويض ما تم سحبه من الاحتياطي الاستراتيجي من البترول، الذي تم بيعه في الأعوام الأخيرة لزيادة الإيرادات الأمريكية، ولأغراض تتعلق بالموازنة العامة للبلاد.

          وقد أشار أعضاء في مجلس الشيوخ الأمريكي ـ أثناء موافقتهم على شراء البترول ـ إلى أن الوقت مناسب لتعويض ما تم بيعه حيث تشهد أسواق البترول ركوداً ملحوظاً ومستويات أسعار منخفضة. ويُفترض أن يتم الشراء بسعر 15 دولار للبرميل.

          علماً بأن البترول الموجود في الاحتياطي الاستراتيجي ـ في ذلك الوقت ـ تم شراؤه منذ أعوام بسعر متوسط بلغ 33 دولاراً للبرميل. وأن بيع كميات منه بأسعار اقل في الأعوام الأخيرة كلَّف الحكومة الأمريكية نحو 500 مليون دولار.

          وعلى جانب آخر قامت الولايات المتحدة الأمريكية خلال الأشهر الأخيرة من عام 1998 بشراء كميات متزايدة من البترول العراقي، على الرغم من التشدد المتزايد في موقف واشنطن من الحكومة العراقية. الأمر الذي يدعو إلى التساؤل:

          عما إذا كان العراق يحاول عامداً زيادة صادراته البترولية للولايات المتحدة الأمريكية لغاية سياسية أم أن الأمر يرجع إلى عوامل السوق وحدها؟

          ويعزز هذا التساؤل أن العراق قد خفض بدرجة كبيرة أسعار بتروله للمشترين الأمريكيين على مدى عام 1997، في حين حافظ على مستوى أسعار التصدير للمشترين في أوروبا والشرق الأقصى.

          هذا فضلاً عن أن العراق في الآونة الأخيرة قام بإجراء محادثات مع شركات بترول أمريكية في محاولة لتشجيعها على زيادة استثماراتها البترولية في العراق، الذي يمتلك إمكانيات ضخمة قابلة للتطوير والتنمية .

تأثير انخفاض أسعار البترول على صناعة البترول الأمريكية

          كان لانهيار أسعار البترول العالمية ـ الذي حدث منذ نهاية عام 1997 واستمر حتى الربع الأول من عام 1999 ـ تأثير سلبي حاد على صناعة البترول الأمريكية وألحق بها أضرار فادحة.

          وعلى الرغم من أن صناعة البترول والغاز الأمريكية تحظى بالتأييد والدعم كي تصبح قوية بالدرجة الأولى من أجل حماية الأمن القومي الأمريكي وتوفير إمدادات مأمونة للطاقة لدعم مستقبل الاقتصاد الأمريكي.

          إلاّ أن تدنِّي العائدات المالية الناتج عن انهيار أسعار البترول العالمية قد فرض ضغوطاً كبيرة على شركات البترول الأمريكية اجبرها على خفض نفقاتها من خلال سلسلة الإندماجات التي حدثت مؤخراً، والاستغناء وفصل أعداد من العاملين وخفض ميزانية الإنفاق الرأسمالي في مراحل الإنفاق المختلفة، الأمر الذي أدى إلى نقص الإنتاج المحلي.

          كما امتدت تلك الإجراءات ـ في بعض الأحيان ـ إلى خفض الأجور في بعض الشركات وإلى غلق الآبار الحدية عديمة الجدوى الاقتصادية، في ظل انهيار الأسعار، أو إغلاق تلك الشركات نفسها وتوقفها عن العمل.

          ومنذ نهاية عام 1997 تم إلغاء 51400 وظيفة في صناعة البترول والغاز، كما شهدت صناعات إنتاج وتوزيع الغاز الطبيعي وخطوط الأنابيب والأسفلت ورصف الطرق، وصناعات مواد الأسفلت العازلة إلغاء 42800 وظيفة.

          وتجدر الإشارة إلى أن تزامن انهيار أسعار البترول مع بطء النمو في الطلب العالمي في البترول أدى إلى خفض التدفقات النقدية وأرباح الشركات، وبالتالي إلى خفض التمويل المتاح للاستثمار في المشروعات الجديدة.

خلال الفترة من 11 ـ 13 مايو 1998

عقد في القاهرة القمة الثامنة لمجموعة الـ 15

          وقد بحثت القمة سبل حل المشكلات المالية والاقتصادية التي تواجهها دول المجموعة، وكيفية تفادي الهزات المالية العالمية ودراسة الأزمة المالية الآسيوية لتجنب تكرارها في المستقبل. كما بحثت القمة توحيد جهود أعضائها في محادثات التجارة العالمية بما يؤدي إلى مراعاة مصالحها وزيادة نصيبها منها.

          وفيما يتعلق بالبترول بحثت القمة إعداد آلية للتعاون في مجالات تصميم وتنفيذ وإدارة مشروعات الزيت الخام والغاز والبتروكيماويات خاصة وأن معظم دول المجموعة من الدول المنتجة والمصدرة للبترول. وقد تمت الموافقة على المشروع المشترك للتعاون في المجالات المذكورة خلال الاجتماعات السابقة للقمة في داكار ونيودلهي.

          ويرتكز المشروع على أن معظم دول المجموعة تعتمد اقتصادياتها بدرجة كبيرة على البترول حيث يصل إجمالي إنتاجها ما يعادل 20 % من الإنتاج العالمي.

          كما أن احتياطيات دول المجموعة، من الزيت والغاز تعادل حوالي 17% و 15% على التوالي من الاحتياطي العالمي، وتمثل طاقة معامل التكرير حوالي 13% من إجمالي طاقات معامل التكرير في العالم.

          ويهدف المشروع إلى تحقيق عدة أهداف منها: تنفيذ المشروعات بأسعار منافسة عالمياً وتبادل التكنولوجيات المتقدمة بين الدول الأعضاء وإنشاء شركات مشتركة هندسية للتصميم والتنفيذ وإدارة المشروعات.

          وتجدر الإشارة إلى أن مؤتمر قمة الـ 15 قد أقر انضمام سريلانكا، وسيبحث طلب انضمام كولومبيا في القمة التاسعة. وبذلك يكون عدد الدول الأعضاء في المجموعة 17 دولة. وعلى الرغم من ذلك فإن اسم المجموعة سيبقى كما هو دون تعديل، حيث كانت كينيا هي الدولة رقم 16 التي انضمت للمجموعة في القمة السابقة بكوالالمبور.

الأزمة الأسيوية والجهود المبذولة لاحتوائها

وفي 17 ديسمبر 1998

          عقد قادة دول منتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادي "أبك" في العاصمة الماليزية كوالالمبور اجتماعاً استمر يومين لاستعراض خطة إصلاحات تستهدف وقف الاضطرابات المالية العالمية، والحيلولة دون تكرارها في المستقبل.

          وقد سبق افتتاح القمة تأكيد الكثير من الزعماء المشاركين على توافر عدة مبادرات لإنقاذ الاقتصاد الأسيوي من عثرته التي يعجز عن تجاوزها منذ 18 شهراً. وكانت اليابان هي الوحيدة التي كشفت عن مبادرتها قبل الافتتاح حيث أعلنت عن أضخم برنامج لزيادة النمو الاقتصادي وتكلفته 196 مليار دولار.

          وقد تعهد قادة الدول الإحدى والعشرون الأعضاء في أبك بمواصلة انتهاج استراتيجية جديدة لاستعادة التوازن للنمو الاقتصادي في دول شرق آسيا واستئناف تدفق الأموال لاحتواء الأزمة المالية، التي تعتبر أسوأ أزمة في شرق آسيا منذ عدة عقود.

          وقد أوصى المنتدى (أبك) تقريراً أكد فيه أن الأزمة التي تواجه الدول الأسيوية تزداد عمقاً، وأن المنطقة لن يمكنها التغلب عليها قبل منتصف العام المقبل (1999)

          ومن العرض السابق لتدهور أسعار البترول خلال عام 1998 تبين بوضوح أن آثار الأزمة الأسيوية كانت المحرك الرئيسي لهذا التدهور، الأمر الذي انعكس سلبياً بشدة على اقتصاديات الدول العربية المصدرة للنفط وخاصة دول الخليج.

          بدأت الأزمة المالية الأسيوية بتعويم العملة التايلاندية في 2 يوليه 1997 وساد الاعتقاد وقتئذ أنها سوف تنحصر في إطار محدود، غير أن العدوى لم تلبث أن انتشرت كي تصيب غالبية دول جنوب شرق آسيا، ثم تناثرت آثارها إلى روسيا وأمريكا اللاتينية وخاصة البرازيل.

          كانت هذه الأزمة الأسيوية سبباً في انخفاض الطلب على البترول العالمي، الذي تمثل في انخفاض الطلب الياباني على البترول بنحو 5 % بما يعادل 280 ألف ب/ ي وفي كوريا الجنوبية وتايلاند بنحو 15 %، وانخفاض الطلب في بقية دول المنطقة بنسب متفاوتة. ولم يفلح انخفاض أسعار البترول في وقف هذا الانخفاض على الطلب.

          وتشير العلاقات الاقتصادية التي تربط الشرق الأوسط بمنطقة جنوب شرق آسيا بأن كلاً منهما يعتمد على الآخر في التبادل النفطي. فقد اعتمدت منطقة جنوب شرق آسيا على الشرق الأوسط في استيراد نحو 76% من احتياجاتها النفطية عام 1994، وبالمثل فإن منطقة الشرق الأوسط تعتمد بدرجة كبيرة على أسواق الشرق الأقصى لتسويق صادراتها النفطية، حيث أن تلك الأسواق تعتبر السوق الرئيسي للنفط العربي. بل إن الاعتماد المتبادل بين المنطقتين لا يقتصر على تجارة النفط، وإنما يتجاوزها إلى العديد من السلع والخدمات والاستثمارات.

وفي هذه المناسبة، يُذكر أن منتدى أبك يضم 18 دولة هي:

استراليا ـ بروناي ـ كندا ـ تشيلي ـ الصين ـ نيوزيلندا ـ بابونيوغينيا ـ هونج كونج ـ إندونيسيا ـ اليابان ـ ماليزيا ـ المكسيك سنغافورة ـ كوريا الجنوبية ـ تايوان ـ تايلاند ـ الولايات المتحدة الأمريكية ـ الفيلبين.

وتجدر الإشارة أيضاً إلى أن كلاً من:                     

          فيتنام ـ كولومبيا ـ الإكوادور ـ الهند ـ باكستان ـ منغوليا ـ بيرو ـ بنما ـ روسيا ـ سريلانكا.

          تسعى إلى الانضمام إلى منتدى أبك، الذي تبلغ حصته من التجارة العالمية 40%، ويبلغ إجمالي الدخل السنوي لأعضائه حوالي 13 تريليون دولار ويساهم بنسبة 55% من إجمالي الاقتصاد العالمي.

الأزمة الأسيوية... وأثرها على صناعة البتروكيماويات

          استكمالاً للحديث عن آثار الأزمة الآسيوية، فقد تبين أن صناعة البتروكيماويات العالمية تعاني منذ منتصف عقد التسعينات من فائض في طاقات الإنتاج ومن طلب متراخ في الأسواق العالمية.

          وتتمثل الانعكاسات السلبية للأزمة على صناعة البتروكيماويات الأسيوية في تراجع الطلب المحلي عليها، نتيجة لتباطؤ النمو الاقتصادي وتراجع العملة الأسيوية أمام الدولار الأمريكي إلى نسبة 50 % تقريباً بما يؤدي إلى تقلص حجم الواردات الأسيوية ومن ضمنها البتروكيماويات نتيجة تأجيل العديد من المشروعات الإنشائية والصناعية الضخمة. كما تتمثل الانعكاسات السلبية أيضاً في تأجيل مشروعات البتروكيماويات حيث كانت الدول الأسيوية تخطط قبل الأزمة لإقامة 20 مجمعاً لإنتاج البتروكيماويات في كوريا الجنوبية وتايوان ودول مجموعة "آسيان" لتلبية الطلب المحلي لتلك الدول سريعة النمو اقتصادياً.

          ونظراً لكون دول آسيا من العملاء المهمين بالنسبة للبترول الخام والمنتجات البترولية والبتروكيماوية الخليجية، فإن دول المجلس الست ستتأثر حتماً بالتباطؤ الاقتصادي في آسيا. ولكن تأجيل خطط إقامة العشرين مجمَّعاً لإنتاج البتروكيماويات بسبب الأزمة الأسيوية، كان في صالح دول الخليج، لأن إقامة هذه المجمعات سوف تؤدي إلى انخفاض كبير في صادرات البتروكيماويات الخليجية إلى الدولة الأسيوية.

          نتيجة لذلك، فإن الأسواق الأسيوية ستبقى من الأسواق المهمة لاستيراد البتروكيماويات الخليجية، وحتى بعد تنفيذ تلك المشروعات بعد انفراج الأزمة الأسيوية سوف تكون القدرة التنافسية هي الفيصل في رواج تجارة البتروكيماويات.

          ويقتضي الأمر أن يبذل المنتجون الخليجيون الجهد لخفض تكلفة التشغيل وتطوير الإنتاجية. ومن الضروري أيضاً البحث عن أسواق جديدة، ومنها سوق الهند التي تشير التقديرات على أنها سوف تحتاج إلى استيراد حوالي 5 ملايين طن من البتروكيماويات الأساسية بحلول عام 2000.

          كما تعد أسواق أوروبا أحد الأسواق الهامة أمام الصادرات البتروكيماوية لدول الخليج. وقد بلغت حصة الأسواق الأوربية في عام 1996 نسبة 10 % من إجمالي صادرات البتروكيماويات الخليجية. ومن المتوقع نمو هذه الحصة في المستقبل القريب نظراً لتقادم الوحدات الإنتاجية العاملة في أوروبا وصغر طاقاتها الإنتاجية بما يجعل تكلفة تشغيلها مرتفعة وغير مجدية اقتصادياً.




[1] خامات أوبك السبعة تشمل: خليط صحارى (الجزائر) ـ ميناس (أندونيسيا) ـ بوني الخفيف (نيجيريا) ـ العربي الخفيف (السعودية) ـ دبي (الإمارات) ـ تياجوانا (فنزويلا) ـ أيسموز (المكسيك).

[2] السعودية لن تعود إلى لعب دور المنتج المرجح` جريدة `الحياة`، العدد الصادر في 12 مارس 1999. معنى المنتج المرجِّح كانت سياسة المملكة العربية السعودية أن تقوم بدور المنتج المرجح منذ عام 1978. وذلك بتعويض السوق العالمي عن النقص الناشئ في إمدادات البترول في حالة قلة العرض، وفي تخفيض إنتاجها في حالة زيادة العرض. وذلك من منطلق مسؤولياتها تجاه الاقتصاد الدولي ومحاولة لتجنيب سوق النفط العالمي أي هزات مدمِّرة.