إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء

       



(تابع) رسالتان متطابقتان إلى رئيس مجلس الأمن والأمين العام
من نائب رئيس الوزراء ووزير خارجية العراق
"الأمم المتحدة، سلسلة الكتب الزرقاء، مج 9، ص 219 - 221"

المجلس كافة وتنفيذه للكثير من بنودها. فلقد نص قرار المجلس على أسلوب متدرج لرفع العقوبات يمتد زمنه لفترة غير محددة وبذلك يتحكم المجلس بموجب سلطة تقديرية واسعة يستخدمها بعض أعضائه ذوي النفوذ الذين تحكموا بصياغة قرارات المجلس وبفرضها لأغراض سياسية لا تمت إلى الميثاق والقانون الدولي بصلة.

         إن هذا الأسلوب يعني في الواقع أن المجلس قد ناقض الأساس الأصلي الذي فرض بموجبه العقوبات على العراق، فضلا عن أنه لم يأخذ بنظر الاعتبار الخسارة التي تعرض لها الشعب العراقي في الوقت الذي روعيت فيه فقط مصلحة الآخرين رغم ما يتمتعون به من غنى وثروة.

         سادسا: إن المجلس لا يتناول في قراره مسألة انسحاب القوات الأجنبية التي تحتل جزءا من أرض العراق بصورة صريحة وقاطعة في الوقت الذي جاء فيه القرار ليعالج الوقف الرسمي لإطلاق النار.
         إن توافر الأسباب لإعلان الوقف الرسمي لإطلاق النار هي عينها التي تفرض الانسحاب ومن ثم يكون عدم النص على الانسحاب بصورة صريحة وقاطعة بمثابة إجازة لاحتلال أراض في العراق لفترة تخضع للسلطة التقديرية للدول التي تمارس هذا الاحتلال والتي لا تخفي نواياها من أنها تستخدم هذا الاحتلال لأغراض سياسية وتبقيه ورقة في يدها سعيا لتحقيق تلك الأغراض. إن هذا الموقف من جانب المجلس يشكل خرقا صارخا لسيادة العراق واستقلاله وسلامته الإقليمية وتجاوزا صريحا لأي سند يمكن الادعاء به على أساس قرار المجلس 678 (1990). وبنفس المنهج الانتقائي المتعمد وغير المسوغ ينص القرار على أن تعمل قوات الرقابة لمسافة عشرة كيلو مترات في الطرف العراقي وخمسة كيلو مترات في الطرف الآخر مع أن الأرض في المنطقة كلها أرض منبسطة ولا تتضمن تضاريس مختلفة توجب هذا التمييز في المسافات.

         سابعا: لقد وردت آليات عديدة تقتضي التشاور في سياق تنفيذ أحكامه ولا يفهم من نصوصه ما إذا كان العراق سيشرك في المشاورات. إن كون العراق طرفا أساسيا في تنفيذ القرار، وجهة معنية بالدرجة الأساسية به، تفرض ضرورة اشتراكه الفعلي في كافة المشاورات التي تخص التنفيذ وبخلاف ذلك يكون المجلس قد قصد التصرف مرة أخرى بصورة قمعية وغير منصفة.

         إن محصلة معالجة الموضوعات التي وردت في القرار والتي تتعلق بها الملاحظات المبدئية الواردة فيما تقدم، تشكل بمجموعها ظلما وإجحافا بحق الشعب العراقي في الحياة وإنكارا صارخا لحقوقه الثابتة في السيادة والاستقلال والإرادة الحرة. إن أحكام القرار التي تكرس معايير للازدواجية في التعامل الدولي والكيل بمكيالين للقضايا ذات الطبيعة الواحدة تجعل في الواقع العراق وشعبه رهينة لرغبات عدد من القوى العظمى كي تتحكم في مقدراته وحاجاته للمأكل والملبس والحياة المدنية العصرية التي ينشدها بعزة وكرامة.

         إن ممارسة هذا النوع من الظلم والإجحاف بحق دولة عضو في الأمم المتحدة وشعبها لا يمكن أن يكون مطابقا لأهداف ومبادئ الميثاق. لقد كان من الواجب أن يتعامل مجلس الأمن مع الموضوعات المطروحة عليه بأسلوب موضوعي ينسجم مع أحكام القانون الدولي وقواعد العدالة والإنصاف.

         غير أن المجلس بقراره المجحف هذا، وبالأسلوب الانتقائي الذي مارسه ضد شعب العراق أثبت الحقيقة التي أكدنا عليها باستمرار وهي أن المجلس قد تحول إلى أداة طيعة في يد الولايات المتحدة لتنفيذ رغباتها وسياساتها في المنطقة، وأن الهدف الأساسي من ذلك هو حماية عدوانية إسرائيل وسياستها التوسعية برغم الكلام الذي لا يقترن بفعل حول السلم والعدالة في الشرق الأوسط الذي صدر عن هذا العضو أو ذاك من أعضاء المجلس الذين صوتوا على هذا القرار.

         ومن الواضح تماما لكل الشرفاء والمنصفين في العالم أن هذه الإجراءات الانتقامية الجائرة التي تتخذ ضد العراق ليست نتيجة للأحداث التي وقعت في 2 آب/ أغسطس1990 وبعدها بل إن السبب الجوهري الذي يكمن وراءها هو لأن العراق لم يقبل بالوضع المجحف الذي فرض على الأمة العربية ودول المنطقة منذ عقود عديدة والذي جعل من إسرائيل القوة العدوانية المهيمنة في المنطقة بما تمتلكه من أحدث وأقوى الأسلحة التقليدية وأسلحة الدمار الشامل ومنها السلاح النووي. وإن هذه الحقيقة تؤكد ما سبق أن بينه العراق قبل أحداث 2 آب/ أغسطس 1990 من أنه يتعرض إلى مؤامرة تستهدف القضاء على الإمكانات التي وفرها من أجل إقامة توازن عادل في المنطقة من شأنه أن يمهد الطريق لإحلال السلم المنصف والعدالة فيها.

         ومن المؤسف أن دولا لم تقصد بالأساس أن تشارك الولايات المتحدة وإسرائيل في تحقيق هذه الأهداف قد أسهمت ربما من غير قصد في تحقيقها من خلال التصويت على هذا القرارالجائر.

         وفي الوقت الذي يسجل فيه العراق هذه الملاحظات المبدئية والقانونية والشرعية ليحث أصحاب الضمير من أعضاء المجتمع الدولي والرأي العام العالمي على فهم الحقيقة كما هي والانتصار للحق كما ينبغي، فإن العراق يجد نفسه أمام خيار واحد لا غير هو القبول بهذا القرار.

         أرجو تأمين توزيع هذه الرسالة كوثيقة من وثائق مجلس الأمن، وتفضلوا بقبول وافر الاحترام.

(توقيع) أحمد حسين
وزير خارجية الجمهورية العراقية


<3>