إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء

         



لشعبنا، ولمن آذى شعبنا من وسط الشعوب الأخرى، لوجدنا الإجابة مقنعة، بالإضافة إلى عواملها الظرفية،ولوجدناها تفسر لنا جوهر ما يسجله المنصفون من معان إيجابية لشعبنا، وما يسجلونه على الذين آذوه في الماضي، ويؤذيه آخرون، كلما حضرت في أنفسهم الخصائص المشتركة مع رعيل الماضي المتصل بتاريخه في شعبهم، أو بمناسبة يوم النصر العظيم، الذي نلقي فيه خطابنا هذا، رغم اختلاف الزمن بين ما مضى وما هو حاضر.

          إن بابل، وبغداد، وأشور، ونينوى، والحضر، وأور لم تعش على الحياد بين حضيض وقمة، لذلك عندما ترى القمة وتتيقن من صدق وأمانة الحداة، مع شروط أخرى معروفة، تغذ السير إليها، وتتربع هناك فوقها، فتصبح الفنار الأعلى بين محيطها، ويصبح إشعاعه مرئياً من مسافات بعيدة، تتوضأ منه شعوب كثيرة، وتهتدي إذا ما ضلت طريقاً، وأناس آخرون تدفعهم الغيرة، والحسد، والشعور بالعجز، ونقائصهم إلى الهياج المسعور، الذي يستحضر غريزة العدوان والتدمير ليقعدوا على الإطلال ويتصوروها القمة الأعلى، أو حيثما تصورت الأنانية القائلة إن إمكانية السير باتجاه عام واحد ومشترك، للمصالح لا تجد طريقها إلى توافق بين قمة ومستوى آخر من الوصف، فيحصل عند ذلك التصادم، ولأن الوصول إلى القمة بسلوك طريق العمل والمعاني العالية، هو حالة متكررة في تاريخ العراق وتاريخ الأمة، بل هي الحالة اللائقة بالأمة وبالعراق، وعندما يصلان إلى القمة، غالباً ما يمكثان عليها حتى يراهما أو يسمع عنهما القاصي والداني، وإنهما بسبب خصائصهما لايتدحرجان على عجل إلى سفحها، بخلاف حالات شعوب أو أمم أخرى، نظراً لعمق ومستوى الاقتدار والحكمة في عقول وضمائر حداتها، وصدق محبتهم لمعاني ومسلك البناء.. فأن إزاحتهم عن القمة لا تكون إلا بتصادم، يداهمهم ويأخذهم على حين غرة، في أي مرحلة من مراحل المكوث فيها عندما تغفل العين، أو تنشغل النفس بما لا ينبغي، أو تخطئ الحسابات، ومن هذا أيضاً يمكن أن نفسر.. لماذا، عندما تغمض بغداد عينها، تغمض عيون كل العرب؟ ولماذا، عندما تفتح عينها مرة أخرى، يقترن السيف بالقلم وتكون الحكمة أساسهما، ويكون كل منهما جناحاً على قاعدة المعاني الحضارية العظيمة وتراث أمتنا الخالد، تحلق به عمالقة الصقور؛ لتحمي سماء العراق وأرضه، ولتمضي بغداد في طريقها إلى القمة مسلحة بمعاني البناء والقلم، وحاملة سيف المعاني العالية لتذود، ولتعبر في كل هذا عن عبقرية الأمة والشعب، في ظل رسالة القومية المؤمنة، والإنسانية الخالدة، لذلك قدحت بغداد إشعاع ضوء يعبر عن معانيها، لتنير الطريق، ويبلغ ضياء نورها أرجاء المعمورة في كنف ورعاية الرحمن، فكان السيف سارية القلم، وكان القلم هادياً إلى معاني البناء واليقين حتى صار قاعدته الراسخة، ورايته

<2>