إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء

     



خطاب الملك فيصل في العاصمة المقدسة حول الخلاف مع مصر(1)

إخواني جيران بيت الله الحرام، وحرم رسوله الأمين، وأحفاد المهاجرين والأنصار.

              أحييكم تحية أخ .. أخ لكم في الدّم

          أيها الإخوان: ليس غريباً أن أرى هذه الجموع، وهي تنظر، وجوانحها تلتهب غيرة على دين الله ومقدسات هذا الوطن العزيز.

          أيها الإخوان: إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّة (آل عمران:96) وإنَّ أول إشعاع لنور الإسلام صدر من هذه البقاع.

          أيها الإخوان: اندفع نور الإسلام، واكتسح العالم، ناشراً حضارته ومدنيته، ناشراً آدابه وأخلاقه، فعرفت الأمم الحضارة، وعرفت الأمم الآداب، وعرفت الأمم التعامل الحسن بعد انتشار الإسلام.

          أيها الإخوان: ليس غريباً أن أرى في هذه الوجوه الإيمان بالله، والغيرة لدينه، والدفاع عن مقدسات هذا الوطن العزيز، عن كرامة أبنائه، وعن معتقداتهم.

          يصفونكم أيها الإخوان بأنكم مرتزقة، ويصفونكم بأنكم همج، يصفونكم بأنكم جبناء.

          أيها الإخوان: منكم ومن آبائكم من أجدادكم عرفت الشجاعة، وعرف الإخلاص، وعرف الإيمان بالله، ولست في حاجة أن أعدد فضائلكم، فالله سبحانه وتعالى يعلم ذلك، وقد أنزل على رسوله ما يثبت ذلك، الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا (المائدة:3).

          أيها الإخوان: إن الله سبحانه وتعالى لا يرضى بأن يضع أمانته، وأن ينتدب لتحقيق توحيده وكلمته، إلا أشرف الناس وأعزهم، فمن شهد له الله، فليس بضائره أن تنبح الكلاب من حوله.

          أيها الإخوان: أستميحكم عذراً أن أشرح لكم قصة خلافنا مع حكام مصر، نحن ليس بيننا وبين الشعب المصري أي خلاف، فهم إخواننا، وهم أعزاؤنا، ونحن نعترف لهم بأنهم أشقاؤنا. ولكن الله سبحانه وتعالى ابتلى مصر ليمحص قلوبهم، بحكام، لا أتعرض لهم بشيء، ولكنهم هم من تعرفون، فنحن أيها الإخوان: لسنا ممن يكيل الشتائم، ولا ممن ينهش الأعراض، ولا ممن يحط من كرامات الناس فهذا ليس من أخلاقنا.

          أيها الإخوان: لقد كنا، كما تعلمون، سائرون في طريقنا مع أشقائنا المصريين، وكل الشعوب العربية والدول العربية، وكنا سائرين بإخلاص وكنا مندفعين بقصد حسن.

          كنا مع العرب في كل كلمة، وكنا الأولين في كل معركة؛ إيماناً منا بعروبتنا، وإيماناً منا بواجبنا الملقى على عواتقنا تجاه إخوة لنا يكافحون ويجاهدون، ولكن لم نعلم أن من يتظاهرون بالعروبة، ومن يتظاهرون بخدمة المصلحة العامة، ينطوون على أحقاد، وعلى أغراض لا تمت للعروبة بصلة، ولا تهدف إلى المصلحة العامة في أمر.

          أيها الإخوان: كلكم تعلمون ما تعرضت له هذه البلد من تهجمات، ومن شتائم، ومن نهش في الأعراض، وكنا ضاربين عرضاً عن كل ما يتعلق بذلك؛ حباً منا للاتفاق، وحباً منا في اتحاد الكلمة، وحباً منا في الحفاظ على روابط الصداقة بيننا وبين إخواننا المصريين. ولكن بعد انفصال سوريا عن مصر، وليس من حقي أن أتكلم في أسباب هذا الانفصال، فهذا حق يخص إخواننا السوريين وحدهم، ولكن بعد انفصال سورية عن مصر، ركّزت الدعاية المصرية جهودها في أن تنسب هذا الانفصال إلى تدخلات المملكة العربية السعودية، وإلى مؤامراتها، وأنتم


1. أم القرى العدد 1956 في 7 رمضان 1382هـ الموافق 1 فبراير 1963

<1>