إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء

     



خطاب الفيصل في مهرجان شعبي في المدينة المنورة(1)

أيها الإخوان الكرام:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،

          إنه لمن نافلة القول: أن أعدد ما لهذه المدينة الطاهرة من مزايا وفضائل، لقد كانت أول مكان انبثق منه نور الإسلام بعد أن ضايق المشركون رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فهاجر إليها، فكان أبناؤها خير أنصار لخير نبي في العالم، فإذا كانت المدينة اليوم تستعيد مجدها وتعيد تاريخها، وتكون أول مؤسسة ينطلق منها شعاع الإسلام في آخر الزمان، فليس هذا بعجيب عليها.

أيها الإخوان الكرام:

          إن للمدينة المنورة مكانة في قلوب المسلمين وفي نفوسهم، فقد كانت، كما ذكرت، أول مركز انطلق منه الإسلام، وهي الآن تضم مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتضم جثمانه صلى الله عليه وسلم، وجثمان خلفائه وأصحابه، فليس بغريب عليها أن تكافح وتجاهد في نشر الإسلام، وإعلاء كلمة الله، ونصر دينه.

أيها الإخوان الكرام؛

          إننا لا ندعي لأنفسنا بأننا حُماة الحرمين الشريفين، فإن الحرمين الشريفين؛ لهما رب يحميهما ويدافع عنهما، ولكننا نتشرف ونفخر بأن الله، سبحانه وتعالى، قد منّ علينا بنعمة خدمتهما، والقيام على حراستهما، وإكرام وفود بيت الله الحرام، ومسجد رسوله في كل زمان، وفي كل أوان.

          أيها الإخوان؛ إن هدفنا الأساسي هو خدمة الإسلام والمسلمين، وإن دستورنا القرآن، وإن غاياتنا هو اتباع ما جاء عن الله على لسان رسوله، صلى الله عليه وسلم، فهذا هو المبدأ الأساسي لنا وعلى هذا الأساس نَخْتَط سياستنا في مستقبل الأيام، وفي حاضرها، فنحن لا ندعي القوة، ولا ندعي العزة، ولا ندعي المنعة، ولكننا نفتخر بأننا عبادٌ لله نخاف الله سبحانه وتعالى، ونطلب مرضاته، ونجاهد في سبيله، ونحافظ على ما جاء به محمد، صلى الله عليه وسلم، من ربه، فنحن إذا قلنا ذلك فإننا نعبر عن رأيكم أيها المواطنون الكرام، وإننا نندفع بحسكم وبشعوركم، وباستعانتكم، بعد استعانة الله - سبحانه وتعالى - نحن لا ندّعي الزعامة، ونحن لا ندّعي القيادة، ونحن لا ندّعي الملك، ونحن لا ندّعي الألقاب، إننا نحن أفراد كأي واحد منكم أيها الإخوان، فإذا كان الله، سبحانه وتعالى، قد مَنَّ علينا وشرّفنا بخدمتكم، والقيام بواجبكم، فما ذلك بفضل لنا عليكم أبداً، وإنما هو تشريف من عنده سبحانه وتعالى؛ ليمتحننا في ديننا، وفي استقامتنا، وفي تحملنا.

أيها الإخوة الكرام:

          إن هدفنا الأساسي، كما أبنته الآن، هو خدمة هذا الدين، والمحافظة على شعائره، وليس ذلك لأن هذا الدين في حاجة لنا، وإنما نحن الذين في حاجة له؛ ليرضى ربنا علينا، وليمكننا في الأرض، وليرزقنا من نعمته المتوافرة، ويطمننا في حياتنا وفي آخرتنا فالله، سبحانه وتعالى، ليس في حاجة لأحد، وإنما العباد في حاجة لله، سبحانه وتعالى.

أيها الإخوة الكرام:

          نحن مسلمون عرب، نهتدي بهدي الإسلام، ونحكم بشريعة الإسلام، ونحافظ على ذلك بما أوتينا من قوة، ولو تلِفت نفوسنا في هذا السبيل، ونحن عرب؛ نحب للعرب ما نحب لأنفسنا، ونمدّ أيدينا لكلّ عربي، يد الإخوة والمحبة والتعاون والتعاضد والتضامن، وكل ما في هذا المعنى من كلمات، نحن على أتم الاستعداد أيها الإخوة أن نسير مع إخواننا العرب في كل ما من شأنه مصلحة للعرب، ومصلحة للشعب العربي الأبي الكريم. في هذه الأيام تتصارع الأخطار، وتتزايد التيارات، والمبادئ، والأهواء، والأغراض في هذه الأمة العربية الكريمة، ولذلك أريد أن أشرح لكم موقفكم أيها المواطنون من هذه المتلاطمات والمترادفات، فإننا وحينما أقول: إننا، فإنما أقصدكم أنتم لا نحن، فإنني لستُ بشيء من دونكم. فإننا كعرب نريد كل الخير وكل الصلاح للعرب، وقد سبق أن تطرقت إلى شيء من ذلك في الأيام الماضية، ولكنني أريد في هذه اللحظة، وفي هذا المكان، أن أبين موقف حكومتكم بكل جلاء.


1. أم القرى العدد 1965 في 11 ذو القعدة 1382 الموافق 5 أبريل 1963

<1>