إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء

         



أيها الإخوان:

          في وسط هذه الأحداث نسمع ونرى ونلمس ما يتجاذب هذا الشعب العربي الكريم من تيارات، ومن مترادفات ومن أهواء وأغراض، ولكن الشيء الوحيد الملاحظ أنه في كل هذه المناقشات، أو المداولات والمراجعات التي يقال: إنه سيقرر مصير العرب بها، لم نسمع ما يقال عن مصلحة هذا الشعب العربي الحقيقية، وإنما نسمع ما يتردد من أقوال حول من يتفاوضون أو يتناقشون، أو يتباحثون، فكل الأفكار وكل المناقشات منصبة على ما هو مبدأ هذا؟ وما هو من هذا؟ وما هي سياسة هذا؟ وما هي رغبة هذا؟ فكأن الشعب العربي أصبح نسياً منسياً، ليس شيئاً يذكر في سبيل أفراد، أو أشخاص، أو أهواء، أو ميول، أو مبادئ، حاشا لله أيها الإخوان: فإن الشعب العربي، أيها الإخوان، هو وحده الذي يحق له أن يقرر مصيره، وأن ينظر إلى مصالحه، وأن يوجه الرؤساء، ويوجه الزعماء، ويوجه الساسة إلى ميولهم، أو مبادئهم، أو أغراضهم، فكل زعيم يسعى، أو يريد أو يتجه، إلى أن يحقق شيئاً لنفسه أو لمبدئه أو لغرضه فهذا لا يستحق أن يكون زعيما لأمة عربية أبية، وإنما الزعيم الحق هو من يتجه بكلياته لخدمة الأمة العربية الكريمة، وتحقيق مصالحها، وينظر إلى ما تريده الأمة لا ما يريده هو، ولا ما يميل إليه هو. أما نحن أيها الإخوان: فموقفنا من إخواننا العرب هو كما قدمت نحن نمُد يَدَ الصداقة والأخوة والمحبة الخالصة لكل عربي، ولكل شعب عربي، ولكل زعيم عربي يخدم مصلحة هذا الشعب، لا مصلحة الزعيم، ولا مصلحة الحزب، ولا مصلحة المبدأ.

أيها الإخوة الكرام:

          إن هذه الدولة، منذ أسسها مؤسسها جلالة المرحوم عبدالعزيز بن عبدالرحمن؛ قد وضعت نفسها في خدمة إخوانها العرب، في وقت لم يكن فيه كثير من البلاد العربية تحكم نفسها، أو حتى ترى أنها حقيقة عربية. ولم يسبق لهذه الدولة أن طالبت أخواتها العربيات بأن يساعدوها في مشكلة من مشاكلها، وإنما العكس هو ذلك، وهو أنَّ هذه الدولة قد اشتركت في كل مشكلة عربية، وكانت وإن لم تكن الأولى، فهي من الأول في دفاع عن أخواتها العربيات في  كل موقعة، فنحن لا نستمد سياستنا من مبدأ طارئ، ولا من هوى جارف، ولا من ميل خاص، وإنما نستمد سياستنا من أسس ثابتة أولها الإسلام كما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم، وبعده سياسة عربية خالصة، لا لغرض، ولا لمطمع ولا لميل، وإنما لخدمة أمتنا وخدمة شعبنا، ففي هذه الأوقات التي تبحث فيها الوحدة العربية أو الاتحاد أو الوحدة الاتحادية، كما يقال، فموقفنا صريح وواضح فنحن مع إخواننا العرب في كل أمر فيه مصلحة الشعب العربي، على أن يكون خالصاً لله، ثم لمصلحة العرب.

أيها الإخوة:

          نحن مع إخواننا العرب في كل أمر عائد بصالحه إلى العرب، ولكننا لسنا على استعداد بأن نكون خداماً لغايات، ولا آلات تسير في أغراض، ولا في اتجاهات خاصة، ولا في مبادئ هدامة، نحن عرب مسلمون نسعى لصالح العرب، وأن يكون لكل بلد عربي مطلق الحرية بأن يقرر مصيره، وأن يقرر نظامه، وإن يقرر وضعه على حسب ما يتلاءم مع أوضاعه ومصالحه وإمكانياته، ولكننا لا نقر أن نكون مستبدين، ولا نقر أن نكون أتباعاً، وإننا نكون أنداداً صالحين في خدمة ديننا وأمتنا، وخدمة مصالح بلدنا، والحفاظ على هذا التراث الكريم لأبناء هذا البلد الكريم، وأن لا تستغل ثروتنا الطبيعية إلا لصالح شعبنا، وما فاض عن صالح هذا الشعب فهذا الشعب، بكل ممنونية، على استعداد تام أن يساعد به إخوته بالوجوه الصحيحة المنتجة المثمرة، ولكنه ليس على استعداد بأن يغذي وينمي بخيراته وجوه ادعائية باطلة، وصرفيات مفسدة لأغراض خاصة، أو لأحداث ضد مصلحة الشعب وضد دين الشعب.

أيها الإخوة الكرام:

          لست في حاجة أن أردد ما قلته وما قاله غيري من النعوت والأوصاف التي وصفوكم بها، ونحن نترفع عن مثل هذه السفاسف وهذه الترهات، ونعتقد أنكم، أيها الإخوة الكرام؛ أرفع من أن تنزلوا بأنفسكم إلى مستوى المستهترين والحاقدين والكارهين، وإنني أوصيكم أيها الإخوة: أن تترفعوا عن الأوصاف البذيئة، وعن النعوت المنبوذة، وتجعلوا من أنفسكم، كما قال سبحانه وتعالى: وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا (الفرقان:63). فنحن أيها الإخوان الكرام: لسنا في شك من ربنا سبحانه وتعالى، وبعد ذلك لسنا في شك من أنفسنا بأننا على الحق، وسنتبع الحق، وسنخضع للحق إذا قورعت الحجة بالحجة، وإذا حكم المنطق السليم، والعقل السليم، والفهم السليم، أما إذا أريد أخذ الأمور قسراً وقوة واقتداراً فسنقول: لا، ونقولها: لا ونقولها: لا ألف مرة.

أيها الإخوة الكرام:

          نحن ليس لنا مشاكل مع إخواننا العرب في أي قطر كان، وليس لنا مطامع في أي بلد كان، وليس لنا غرض في أي شعب، ولا في أي شخص، ولا في أي بلد، ولكننا ننبذُ ونستنكر ونقاوم أن يكون لأحد غرض فينا، أو اعتداء علينا، أو نية مزيفة ضد هذا البلد الأمين، وضد أهله، وضد شعبه، طمعاً في خيراته، وحسداً على سلمه وأمنه واستقراره، وحقداً على من جعلوا أنفسهم خداماً لله سبحانه وتعالى، ولما جاء

<2>