إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء

     



خطاب الفيصل في جدة حول إنجازات المملكة وسياستها الخارجية(1)

أيها الإخوة الكرام:

          السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،

          يسرني في هذه اللحظة المباركة أن أعبر لكم عن عظيم امتناني، وعن صادق شعوري لما يبدو على هذه الوجوه الكريمة من محبة وإخلاص، وليس الإخلاص والمحبة "لفيصل"، وإنما الإخلاص والمحبة هي للشعب الذي يمثله فيصل.

          أيها الإخوة الكرام: يَنْدرُ في التاريخ أن تمرّ مثل هذه اللحظات العزيزة ليلتقي الحاكم بالمحكوم، والحاكم بالمحكوم هو اصطلاح اصطلحت عليه الأمم وإن لم يكن من طبيعتنا ولا من سجيتنا. فنحن هنا أيها الإخوة لا نعتبر أنفسنا حاكماً ومحكوم، وإنما نعتبر أنفسنا إخوة متعاونون متساندون لتأدية ما أوجبه الله علينا من حفاظ على ديننا وكرامتنا، وخدمة لوطننا وأبناء شعبنا، وبناء هذا الوطن العزيز بناءً راسخ الأركان، قوي البنيان لا تهزه العواصف ولا الرياح، ولا يضره ما يتعرض له من هجمات أو محاولات، والله سبحانه وتعالى مؤيدكم وناصركم مهما أراد المكابرون والمجاهرون.

أيها الإخوة الكرام:

          إنه لشرف عظيم بأن أتقبل من حضرة الحاج محمد عبدالله علي رضا الرمز الذي تقدم به وإنْ كان في حد ذاته صغيراً، ولكنه في معناه كبير، يدل على ما انطوت عليه هذه النفوس الكريمة من مشاعر طيبة، ومن كرم محتدِ، ومن عزة نفس وكرامة. وإنه ليسعدني في هذه اللحظة أن أرجو من الأخ محمد عبدالله علي رضا، أن يتقبل باسم مدينة جدة هدية متواضعة، لا تعبر عن قيمة مادية ولكنها تعبر عن قيمة معنوية وهو سيف أهديه لمدينة جدة.

أيها الإخوة الكرام:

          لقد اخترت أن أهدي لمدينة جدة سيفاً، لأن السيف هو رمز الفصل بين الحق والباطل. أيها الإخوة الكرام أبناء الشعب السعودي الكريم، لا يفوتني في هذه اللحظة السعيدة أن أعبر بهذه المناسبة عن شعور هذا الشعب الكريم، وأنا أتكلم، باسم جلالة الملك المعظم، وباسمكم جميعاً، عن ترحيبنا وتقديرنا لما يقوم في هذه الأيام من تقارب بين الدول العربية، وما ينبثق عن هذا التقارب من تعاون وثيق، نأمل أن يكون سبيلاً إلى الوحدة العربية الحقيقية.

أيها الإخوة الكرام:

          إنه لفخر عظيم لهذه البلاد أن تكون أول من أسس الوحدة، وذلك في عهد المغفور له جلالة الملك عبدالعزيز المعظم، حيث سعى بجهده لتوحيد أجزاء هذه المملكة بعد أن كانت نهباً للفتن والقتال والنهب، لقد سبق أن قلت وكررت: بأننا طلاب وحدة تقوم على أسس متينة، تعطي لكل بلد حقه، وتحفظ التكافل بين الأمة العربية، ولا تترك مجالاً للشكوك والريب، أن تأخذ سبيلها إلى قلوب أبناء هذا البلد، ولا من يبنون الوحدة في تعاونهم فيما بينهم واتفاقهم في سبيل الوحدة.

          أيها الإخوة الكرام.. ولا يفوتني في هذه المناسبة أن أوضح لكم الموقف الحالي بالنسبة لمأساة الشقيقة اليمن، فقد نادينا منذ أول لحظة، بأن تحل قضية اليمن على أسس أوضحناها في بيانات، وفي مناسبات عديدة. وهذه الأسس هي أن يمنع أي تدخل أجنبي في شؤون اليمن الداخلية، وأن تنسحب الجيوش الأجنبية من اليمن، وأن يمنع التعضيد لأي جهة من الجهتين المتحاربتين في اليمن، وأن يترك للشعب اليمني الشقيق الفرصة لتقرير مصيره بنفسه، واختيار نظام الحكم الذي يراه، واختيار الحكام الذين يتفق عليهم. والآن أيها الإخوة: وإن كان لسوء الحظ قد فات زمن أريقت فيه دماء كثيرة، سواء من أبناء اليمن الشقيق، أو من أبناء مصر الشقيقة، أو من أي قطر عربي آخر، فإننا نعتبر الكل أخوة، ونعتبر الدماء دماء عربية، ولكن لسوء الحظ ولبعض الاتجاهات، وقع ما وقع، ولسنا الآن في حال سرد الماضي، ولكن الذي حدث اليوم أنهم عادوا إلى ما كنا أعلناه، فتم الوصول إلى أسس، إذا تم الاتفاق عليها فستكون نهاية مأساة اليمن الشقيق.

          وهذه الأسس أيها الإخوة: هي أن تنسحب الجيوش المصرية بمعداتها من اليمن، وأن توقف المملكة العربية السعودية مساعدتها لجنود الإمام، وأن يمنع أي تدخل أجنبي بوضع مراقبين دوليين على الحدود لمسافة 20 كم من كل قطر، في المملكة العربية السعودية، وفي


1. أم القرى العدد 1968 في 3 ذو الحجة 1382 الموافق 26 أبريل 1963

<1>