إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء

 



الملحق الرقم (2)

كلمة الأمير فيصل بن عبدالعزيز آل سعود، نائب جلالة الملك
في مؤتمر دول عدم الانحياز الثاني
القاهرة، 10/10/1964(1)


بسم الله الرحمن الرحيم

سيادة الرئيس
أيها السادة
         يسعدني أن أشترك، باسم المملكة العربية السعودية، في هذا المؤتمر العظيم، الذي يضم رؤساء دول وحكومات، اشتركوا فيه، بحافز من إيمانهم في دعم السلام العالمي، وحق الشعوب في الحرية والرخاء، وبدافع من عزمهم الأكيد للوصول إلى هذه الأهداف السامية، وإرساء قواعدها.

       ولا يفوتني أن أعبر عن أجزل الشكر، وخالص الامتنان، لسيادة الرئيس الأخ جمال عبدالناصر، ولشعب الجمهورية العربية المتحدة النبيل، لما لقيناه من استقبال كريم، وحفاوة بالغة، كان لهما أجل التقدير في نفوسنا، منذ أن هبطنا أرض الكنانة العريق المضياف.

سيادة الرئيس
         إن المملكة العربية السعودية، التي أتشرف بتمثيلها في هذا المؤتمر، تشغل القسم الأكبر من الجزيرة العربية، وهي فضلاً عن مكانتها في المحيط العربي، تحتل مكاناً هاماً في العالم الإسلامي، لأنها منبع الحضارة العربية، ومهبط الوحي والرسالة الإسلامية الخالدة، التي أفاضت على العالم أجمع، بما قدمته له من حضارة وتقدم. وستبقى على مر العصور، المؤتمنة على التراث الإسلامي، والحامية لأماكن الإسلام المقدسة، التي تهوي إليها أفئدة ستمائة مليون من البشر، يستقبلون، يومياً، قبلتها، ويؤدون فيها ركناً من أركان دينهم.

       ومن هذا المعين الروحي والتقليدي، الذي لا ينضب، تستلهم المملكة العربية السعودية سياستها التي تتفق ومبادئ الحق والعدالة والسلام، التي نادى بها ميثاق الأمم المتحدة.

سيادة الرئيس
         لقد عاش العالم، بعد الحرب الأخيرة، في دوامة من القلق على مصيره، من جراء التطاحن لبسط النفوذ والسيطرة والاستغلال، وفي صراع حول المبادئ، لاختيار حياة أفضل لمختلف شعوبه، مما جعله يتخبط، وهو في حيرة من أمره. ومن هذا القلق والصراع، انبثقت فكرة عقد مؤتمر باندونج، ثم مؤتمر بلجراد، من الدول التي ترغب في أن يعيش العالم عيشة راضية، بالتعاون تعاوناً صادقاً بين مختلف الشعوب، دون النظر إلى مذاهبها وألوانها، والنظم السياسية التي تدين بها. ولقد انعقد مؤتمر عدم الانحياز الأول في بلجراد، عام 61 ، في جو ملبد بالغيوم، وشعور بالقلق على مصير العالم؛ إذ كان اليأس مخيماً على مؤتمر جنيف لنزع السلاح، وكان يبدو في الأفق ما ينذر بقيام حرب ذرية شاملة، تدمر العالم. وكان الاستعمار، في شكليه القديم والحديث، يضيق الخناق على كثير من الشعوب. كل هذا جعل العالم يتساءل، بألم وحرقة، عن مستقبله ومصيره. ويعقد هذا المؤتمر في جو أكثر تفاؤلاً، وأبعد أملاً. فلقد خفت حدة التوتر الدولي، باتفاقيات، أعادت للعالم شيئاً من الاطمئنان، وظهرت أمامه بارقة أمل في توجيه الجهود نحو إسعاد الشعوب ورفاهها، بدلاً من الفتك بها وإبادتها.

       ولقد كان للمملكة العربية السعودية، في بلجراد، شرف المشاركة في وضع المبادئ لمدلول عدم الانحياز، إيماناً منها بأن هذه المبادئ، تتمشى مع سياستها المنبثقة عن دينها وتقاليدها. فهي تؤمن بالتعايش السلمي بين الدول، على اختلاف نظمها، السياسية والاجتماعية والاقتصادية، دون التدخل في شؤونها الداخلية، وممارسة الشعوب حقها في تقرير مصيرها، واختيار نظمها، السياسية والاجتماعية، طبقاً لظروفها وحاجاتها وإمكانياتها. وأن تعمل الشعوب بحرية في سبيل تطورها، الاقتصادي والاجتماعي والثقافي. وأن تحل المشاكل الدولية حلاً سلمياً، يرتكز على مبادئ الحق والعدالة. كما وأن المملكة العربية السعودية، تتفق مع الشعوب في نضالها من أجل حريتها واستقلالها، في أفريقيا، وفي عمان، والجنوب العربي المحتل، وتقف ضد سياسة التمييز العنصري، التي تبدو بأجلى مظاهرها في جنوب أفريقيا. وإني استأذنكم في أن أتعرض هنا لموضوع، يتعلق بجوهر المبادئ، التي ننادي بها، ونكافح من أجلها، وأعني به قضية فلسطين. فلقد حملت جميع الدول في الأمم المتحدة، وفي مختلف المجالات الدولية، حملات شعواء، على لسان وفودها، منددة بالاستعمار والتفرقة العنصرية، والعدوان. وإننا لنرى جميع هذه المساوئ، قد تجمعت فيما تعرض له الشعب العربي، في أرض فلسطين، من عدوان استعماري، لم يجابه مثيله أي شعب من شعوب العالم. فلقد مكن الاستعمار أناساً، جُمعوا من مختلف بقاع الأرض، لإنشاء دولة فوق أرض عربية، بعد طرد سكانها الشرعيين منها، لتكون ركيزة من ركائزه، ينطلق منها لتنفيذ أغراضه، القريبة والبعيدة. ولذا، فإننا نناشد الضمير العالمي، ونهيب بالدول الممثلة في هذا المؤتمر، والتي كافحت في سبيل حريتها، وتسعى لتدعيم السلام والعدل في العالم، أن تساعد على رفع هذا العدوان، وحل قضية فلسطين حلاً، يعيد لشعب فلسطين حقه في وطنه، وفي تقرير مصيره.

سيادة الرئيس
         لا أريد أن أطيل، هنا؛ فلقد وفى من تقدمني، من السادة الرؤساء، مبادئ عدم الانحياز حقها، بكل تفصيل وإسهاب. وإننا نحمد الله، إذ قد تحقق الكثير من مقررات المؤتمر الأول (2) لعدم الانحياز، ونالت كثير من الدول المناضلة حريتها واستقلالها، واحتلت مكانها الطبيعي في الأمم المتحدة. وإننا لنرحب بها ترحيباً حاراً، كأعضاء في مؤتمرنا هذا، وكعنصر هام في تدعيم السلام في العالم. كما وقد استبعد، مؤقتاً، شبح الحرب الذرية، الذي كان مخيماً على محادثات مؤتمرنا الأول. ولقد لمسنا أنه بتضامن الدول الآخذة في النمو، وتضافر جهودها في المؤتمر الأول للتجارة والتنمية، الذي عقد في جنيف، هذا العام ـ اتخذت قرارات، تدعو للأمل في زيادة الدخل القومي للدول الناشئة، مما يعينها على تنفيذ برامجها الإنتاجية، الرامية لرفع مستوى شعوبها، وتحقيق رخائها. وإني أرى من الخير، أن ألخص هنا المبادئ العامة لسياسة بلادي، فيما يختص بتدعيم السلام في العالم. وهي:

 

أولاً:

نزع السلاح نزعاً عاماً شاملاً، تحت إشراف دولي فعال، وعدم استعمال الذرة، إلا لأغراض سلمية، ترمي لرفاه البشرية.

 

ثانياً:

تصفية الاستعمار، بجميع أشكاله، نهائياً، من العالم.

 

ثالثاً:

اتخاذ الإجراءات الفعالة، الكفيلة بالقضاء على التفرقة العنصرية، بجميع أنواعها.

 

رابعاً:

حل المنازعات الدولية بالطرق السلمية، القائمة على الحق والعدالة.

 

خامساً:

تأييد شعب فلسطين في كفاحه لاسترداد حقوقه في وطنه، وتمكينه من ممارسة حقه في تقرير مصيره.

 

سادساً:

بذل الجهود لرفع المستوى، الاقتصادي والاجتماعي، لمختلف الشعوب.

وختاماً، أرجو لمؤتمرنا هذا التوفيق والنجاح، وألاّ تطلع علينا الدورة الثالثة للمؤتمر، إلاّ وقد تحققت الأهداف، التي نرمي إليها.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.


 


(1) جريدة أم القرى، العدد الرقم 2042، الصادر في 10 جمادي الثانية 1384هـ، الموافق 10 أكتوبر 1964م، ص 2.