إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء

 



الملحق الرقم (3)

كلمة الملك فيصل بن عبدالعزيز آل سعود
إثر مبايعته ملكاً على المملكة العربية السعودية
الرياض، 2/11/1964(1)


بسم الله الرحمن الرحيم

إخواني، وأبناء وطني
         نحمد الله إليكم، ونستعينه، ونستغفره، ونصلي ونسلم على نبيه محمد، هادي البشرية، ومنقذ الإنسانية، ونسأله تعالى لنا ولكم التوفيق والسداد.

إخواني
         لقد شاء الله ـ جل وعلا ـ أن يضع على عاتقنا، هذا اليوم، مسؤولية الملك، ونحن الذين حرصنا، بكل ما وسعنا من جهد، أن تجري الأمور في مجراها الطبيعي، وألا تصل إلى الحد الذي وصلت إليه. وحاولنا، في السنوات الأخيرة، أن نكف عن بلادنا وأمتنا، ما قد تتعرض له من نتائج وخيمة؛ غير أن العامة، قد انتابها الجزع، قبل الخاصة، وتتالت الأحداث، التي تعرفونها، وما نحن الآن بصدد التعرض لها.

       وجاء قرار أسرة آل سعود إجماعياً، يلزمنا بالبيعة. ثم تبعته فتوى أصحاب السماحة والفضيلة، والعلماء ورؤساء المحاكم والقضاء، ثم إقرار أعضاء مجلس الوزراء، وأعضاء مجلس الشورى. فلم يسعنا، وقد ألح أهل الحل والعقد، على وضع مسؤولية الملك في عنقنا، إلا القبول. وما كنا، طوال المدة السابقة، نرفض حتى مجرد التفكير في ذلك، تهرباً من المسؤولية، وإنما عزوفاً عن مظاهرها، ورغبة صادقة في أن تجري الأمور، كما أسلفنا، في مجراها الطبيعي. والآن، وقد شاءت إرادة الله ـ الكبير ـ أن نقوم بهذا الواجب المقدس، فإنّا نسأله ـ تعالى ـ العون والتوفيق والسداد، حتى نحقق لكم ما عقدتموه من آمال، وحتى نصل ببلادنا العزيزة إلى المستوى المنشود، والهدف المرسوم. ثم أسألكم، بعد ذلك، فرداً فرداً من شعب هذا البلد الكريم، أن تعينوني بكل جهدكم، على أداء واجباتنا، وتحقيق ما نصبو إليه. وأول ما نرغب فيه منكم، تقوى الله ـ سبحانه وتعالى ـ والتمسك بتعاليم دينه، وأحكام شريعته، فهو أساس عزتنا، وهي مرد حكمنا، وسر قوتنا. ونطلب منكم أن يضاعف كل واحد منكم جهده، في حقله، الذي يعمل فيه؛ وأن نحس جميعاً أننا في معركة للبناء، تتطلب صبراً وجهداً، ستكون نتيجته ـ بعون الله ـ ثمرات يانعات، ننعم بها، وتنعم بها من بعدنا أجيالنا القادمة.

       أمّا موظفو الدولة، وكافة أجهزة الحكومة، فيقع عليهم عبء خاص، في هذه المعركة، قوامه مخافة الله، والأمانة المطلقة، والشعور بالمسؤولية.

إخواني
         لسنا في حاجة إلى تكرار سياستنا الإصلاحية الداخلية، التي سبق أن أعلنّا عنها، والتي نسير سيراً حسناً في تنفيذها، في حدود إمكانياتنا، وبكل طاقاتنا، ولكنا نؤكد لكم أنّا، وقد منحنا الله نعمة الاستقرار، سنضاعف الجهد نحو تحقيق أهدافنا الإصلاحية، في جميع مجالاتها، السياسية والإدارية والاجتماعية والاقتصادية؛ وسنبذل جهدنا في تدعيم الأساس الديني، الذي تقوم عليه هذه الدولة، التي شرفها الله، فجعل فيها بيته، ومسجد نبيه، ووضعها بذلك في مركز قيادي خاص. منذ بزغ فجر الإسلام، انطلق مشعل الهداية، وركب العروبة، من أرضنا الطاهرة.

إخواني
         ولسنا أيضاً في حاجة لتكرار الأساس التقليدي، الذي تسير عليه سياستنا الخارجية، فنحن منذ أسس هذه الدولة بانيها وواضع أساس نهضتها، المغفور له الملك عبدالعزيز، قد أثبتنا، في المجال الدولي، إيماننا بالسلام العالمي، ورغبتنا في دعمه، وتقويته، ونشره في ربوع العالم. وكنا، ولا نزال نفعل ذلك، بوحي من تعاليم ديننا، وتقاليدنا العربية الأصيلة. ونحن نؤيد، الآن، في سبيل ذلك، نزع السلاح، وتجنب البشرية مخاطر الأسلحة الفتاكة، وندعو إلى حرية تقرير المصير لكل الشعوب، وحل المنازعات الدولية بالوسائل، المرتكزة على الحق والعدل.

       ومن أهداف سياستنا الخارجية المعروفة، التعاون، إلى أقصى الحدود، مع الدول العربية الشقيقة، وتنفيذ مقررات مؤتمري القمة العربيين، والسعي إلى تحرير جميع أجزاء الوطن العربي، التي لا تزال تحت الاستعمار، والسير مع الدول الإسلامية، في كل ما يحقق للمسلمين عزتهم، ورفعة شأنهم. ونؤيد ميثاق جامعة الدول العربية، وندعمه، ونسنده. ونؤيد ميثاق هيئة الأمم المتحدة، ومقررات مؤتمر باندونج ودول عدم الانحياز، ونسعى، بكل ما أوتينا من قوة، إلى أن يسود العالم سلام عادل، وحرية، وطمأنينة دائمة.

إخواني
         ونحن، إذ نختتم خطابنا هذا، نعود فندعو الله ـ جل وعلا ـ أن يكون لنا عوناً وسنداً، وأن يحقق لنا آمالنا؛ إنه نعم المولى، ونعم النصير.


 


(1) جريدة أم القرى، العدد الرقم 2045، الصادر في 2 رجب 1384هـ، الموافق 6 نوفمبر 1964م، ص 1.