إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء

 



خطاب الأمير فيصل في الاجتماع المنعقد
في قصر سموه العامر في الطائف لمساعدة منكوبي فلسطين
(أم القرى العدد 1222 في 8 شوال 1367 الموافق 13 أغسطس 1948)

          ألقي في ليلة الاثنين 27 رمضان 1367 في الاجتماع الذي عقد برئاسة سموه في قصره بالطائف لإعانة منكوبي فلسطين:

          "إن الرجل من يثبت ساعة الامتحان، ومما لا شك فيه، أننا، ولله الحمد، مؤمنون، وقد وعدنا ربنا حقاً بأن هذه الحثالة سوف لا تقوم لها قائمة، وأن هذا الحادث، إنما هو امتحان وعقاب من الرب لعباده؛ لقصور وقع منهم، أو آثام ارتكبوها، مما لا يرضى به المولى عز وجل، ولكن العاقبة للمتقين. وما دمنا مؤمنين بربنا متأكدين من حقنا، فلا يضيع حق وراءه طالب. ونحن، وإن كنا في بلادنا آمنين، ولم يجر علينا، ولله الحمد شيء من المآسي، أو المصائب، ولكن يجب ألا ننسى أن الإنسان رهين بأمر ربه، وما يقدمه من عمل، فعلينا، قبل كل شيء، أن نحسن علاقتنا بربنا، ونستجيب لأوامره، وننتهي عن نواهيه، وهذا هو الأساس.

          والإنسان لا يستطيع أن يعيش، وحيداً في هذا العالم المضطرب، وكذلك الأمم، وهؤلاء أهل فلسطين، تربطنا بهم روابط كثيرة من الدين؛ والعنصر واللغة، والجوار، يضاف إلى كل ذلك رابطة الإسلام، وكفى بها رابطة.

          قال النبي صلى الله عليه وسلم: مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم، كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو، تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى.

          فيجب أن نحس بما يشكو منه إخواننا، إحساساً صحيحاً بالقلب والنفس، إحساس الأخ لأخيه؛ إحساس العضو للعضو، مع التضحيات على اختلاف درجاتها؛ وإذا كنا، إلى الآن لم نؤد واجب التضحية كاملاً، في ميدان الشرف، فيجب، على الأقل، أن نشترك بعواطفنا؛ ونعبر عنها بما نستطيعه من مساعدة لإخواننا.

          وأحب أن يفهم الجميع، أننا لم نجتمع هنا لنفرض على أحد شيئاً بالإكراه معاذ الله أن نسلك هذه الطريقة، وإنما اجتمعنا لنتذاكر، فيما بيننا، الحوادث المؤلمة، التي ألمت بإخواننا أهل فلسطين؛ فقد نزل بهم من فوادح المحن، وقوارع الخطوب، ما نسأل الله أن يلطف بهم فيه، ويزيل عنهم هذه الغمة، ويظفرهم بحقهم المغتصب.

          ويجب، على كل فرد منا، أن يشعر أنه فلسطيني عربي، وفوق ذلك أنه مسلم؛ إذا توافر هذا الشعور لدينا، وجب أن ننظر ماذا يجب أن نعمل. لا يصح، لأحد أو فرد منا، أن ينكمش في نفسه، أو يخجل أن يقدم ما يمكنه تقديمه، وإني على ثقة تامة، أن كل فرد لا يتأخر في تقديم ما يستطيعه في هذا السبيل، وإذا قلت هذا فليس أمراً مني أو إيعازاً، فالجميع في غنى عن ذلك، والواجب الإنساني والأخوي والديني يفرض ذلك.

          وأحب أن أوجه نظر الإخوان، إلى أن خير البر عاجله، وأنتم السباقون للمكارم؛ وقد ضربتم الرقم القياسي فيما سبق، مما رفع رأس الوطن عالياً، فيجب أن نحافظ على ذلك، والمسألة بين أيديكم، ومنكم، وإليكم.

          ولا شك أن جمعنا هذا الصغير لا يكفي لتمثيل الأمة، وإن كانت الامة نفسها هي عائلة واحدة، وإنما في هذا الجمع رمز للشعب، وأحب أن ينقل، للشعب، كل ما اتخذ في هذا الموضوع، فكل واحد منا يكون رسولاً لإخوانه، الذين لم يشتركوا معنا، وبث هذه الروح العالية حتى، يكون العمل بارزاً، كما كان في السابق، والله المسؤول، أن يوفقنا، ويجعلنا سباقين للخير، ونصراء للدين والأمة، وأن يأخذ بيدنا، ولا يكلنا لجهودنا.