إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء

 



خطاب الأمير فيصل
في الاحتفال باستقباله في جرول
(أم القرى العدد 1243 في 8 ربيع الأول 1368 الموافق 7 يناير 1949)

أيها الإخوان

          أحييكم بتحية الإسلام، وأحمد الله سبحانه وتعالى، الذي أقر عيني برؤيتكم، وأسأله، جلت عظمته، أن يتولى عني الجزاء لكم، على ما ألاقيه منكم من محبة وحسن استقبال.

          لكل أجل كتاب، ولا شك أن الأحداث والنوازل، إنما هي امتحان من الله لعباده؛ ليمحص بها قلوبهم ونواياهم؛ وليعلم الصالح من الطالح؛ وليعلم المؤمن الحق، من المؤمن المزيف؛ كما يقال. ولقد مر بهذه الأمة أحداث وأزمات، وليست من الخطر بمكان لنيأس، أو ليداخلنا الشك في حقنا أو عدالة قضيتنا؛ وإنما هي، كما تقدم، امتحان من الله تعالى؛ ليرينا قدرته، جلت عظمته، وليذيقنا حلاوة النصر، بعد اليأس، إن شاء الله تعالى.

          هناك بعض الالتباس في المفهوم وفي التقدير؛ وهو أن العالم، أو على الأقل العالم العربي، يقدر أننا نقاتل اليهود أو نحاربهم، ونحن ليس لدينا شك فيما أنزل على نبينا، وما وعدنا به من أن اليهود لن تقوم لهم قائمة. ولن تؤسس لهم دولة، ولكن الذين نحاربهم الآن ليسوا اليهود؛ إنما دول الاستعمار الغاشمة، التي تتجاذب مطامعها بلاد العالم؛ لتخضع الضعيف لنفوذها واستغلالها، وأكبر دليل على ذلك، أن أمريكا، التي لم تتفق مع روسيا في أية مسألة، قد اتفقت معها في فلسطين! فهل اتفقت الرأسمالية والشيوعية في وقت ما؟ طبعاً لا. ولكن هناك تسابقاً بينهما؛ لاكتساب النفوذ في بعض أقطار الأرض.

          أضف، إلى ذلك، اشتراك الدولة العتيدة، وهي بريطانيا، في ذلك، بشكل أدق ومرونة أكثر! فهي تظهر للعرب الإخلاص، وتبدي لليهود، من طرف خفي، الرضا عن إقامة دولة لهم، بشروط مخصوصة؛ لا يعلمها إلاَّ المطلعون على الأمور.

          وهي، من ناحية أخرى، تظهر لأمريكا رغبتها في الاتفاق معها، فيما لا يتعارض مع مصالحها.

          فإذا عرفنا ذلك، فيجب ألا نعلق كبير أمل على هذه الهيئات، أو ألا نستغرب إذا وجدنا الميدان مضطرباً، أو غير قابل لإظهار حقنا! لأن المقاومة، التي أمامنا، لا تطلب الحق والعدل، وإنما تسعى لإثبات مصالحها، وإظهار النفوذ والقوة.

          فإذا علمنا ذلك، فيجب أن لا نقلل مما بذله العرب، أو نظن في أنفسنا الخور، فالأمة العربية، على ما بها، قد أثبتت أنها الأمة العتيدة، التي لا يخضعها تهديد أو قوة.

          هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، أؤكد لكم أن إخوانكم العرب، وإذا قلت العرب فلست اقصد إلاَّ الشعوب العربية، ولست أقصد بعض الزعماء، أو المتزعمين، ممن يجعلون القضايا العربية مطايا لبلوغ الكراسي! والمآرب، هذه الشعوب العربية، أؤكد لكم، أنها لن تخضع حتى تتحقق آمالها، مهما اشتدت الأزمات، أو تقلبت الظروف، فهي لن تستكين أو تخضع، وكما قلت سابقاً: لكل أجل كتاب.

          لقد سمعت، من أحد الإخوان، في أثناء كلمته الآن، رأيه في الحض على تجنيد الأمة، وأنا في اعتقادي أن الأمة مجندة فعلاً، فالعامل في مصنعه، والفلاح في حقله، والمأمور في إدارته، والكاتب بقلمه، والجندي في الميدان، كلهم جنود. نعم يعوزنا التنظيم، تنظيم الإدارة، وتنظيم الفلاحة، وتنظيم الصناعة، كما هو الحال في تنظيم الجندية. فكما أن الجندي يتلقى دروسه وتمرينه على أيدي ضباط، يجب أن يكون التنظيم عاماً، ولا يعذر في ذلك مأمور أو صانع أو عامل، والمسؤولية الكبرى تقع على المفكرين، والأعيان، والمجربين سابقاً، والمسؤولين عن توجيه النشء إلى الوجهة المستقيمة، كل في دائرة اختصاصه وإمكانيته.

          وليس قولي هذا تثبيطاً عن التجنيد، بل بالعكس، فأنا ألاحظ، في أمتنا، عدم اهتمام ورغبة في الجندية، وهذا نقص ظاهر، إذ يجب أن ينخرط، في سلك الجندية العامة، كل كاتب، وموظف، وعامل، وصانع حتى يؤدي كل واحد واجبه.

          لا أحب أن أطيل عليكم، ولكن الذي أرجوه، من الله، أن يوفقنا للقيام بما أوجبه علينا، وأن يرزقنا حسن الإيمان به، وبعدالة مطلبنا، وبدون الإيمان، لن يتحقق مطلب، وبدون الإخلاص، لن تبلغ نتيجة، فإذا توافر الإيمان والإخلاص، وحسن القصد، فالنتيجة مضمونة، إن شاء الله تعالى