إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء

 



الملحق الرقم (12)

كلمة الملك فيصل بن عبدالعزيز آل سعود
في مجلس الأمة التونسي
تونس، 19/9/1966(1)


بسم الله الرحمن الرحيم

دولة الرئيس، أيها الإخوة الكرام

         أحييكم تحية الإسلام. وأتقدم إلى فخامة الرئيس الجليل، رئيس الجمهورية التونسية، وإلى دولة رئيس مجلس الأمة ـ بالشكر العظيم؛ حيث أتاحا لي فرصة هذا اللقاء الحبيب إلى قلبي.

         إنكم، أيها الإخوة، تمثلون شعباً مؤمناً، ومسلماً، عربياً، مخلصاً في إسلامه وعروبته. وإنني حينما أتذكر رحلاتي الماضية، والفرصة، التي سمحت لي في زيارة هذا البلد العزيز إلى قلبي؛ فقد زرت هذا البلد، في أيام الاستعمار. وقد زرته، في بدء أيام الاستقلال. وها أنا أعود إليه مرة ثالثة. وإنه ليسرني، ويملأ نفسي غبطة، أن أرى الفرق الشاسع بينما كان عليه هذا البلد الشقيق، وبينما هو عليه، الآن. وإذا كانت هناك أسباب لهذا التغيير، فهذه الأسباب تعود إلى إيمان هذا الشعب، وتفانيه وإخلاصه، وإلى حسن القيادة، التي يلقاها، والتوجيه، من قبل قائده العظيم، والمسؤولين فيه. فإن القيادة، أيها الإخوة، عليها مسؤوليات كبيرة، فإن سعت إلى أن تصل إلى الخير، فذلك ما ترجوه الأمم والشعوب، وما تطمح إليه. وإن جنحت بها الأهواء والأغراض، أو سوء الحظ، فهذه أكبر الكوارث، التي تصيب الأمم، وتصيب الأوساط، أعاذنا الله، وإياكم، منها، وجنبنا شرورها وآثامها.

أيها الإخوة الكرام

         إن إيمان هذا الشعب بالله، وتماسكه، وتفانيه في خدمة وطنه، والكفاح في سبيل استقلاله وحريته ـ هو السبيل، الذي أوصل هذا الشعب، وهذا البلد الكريم، إلى ما هو عليه، الآن. إن هذا الوطن، أيها الإخوة الكرام، ليس غنياً، ولا بصاحب الموارد المتفجرة؛ ولكنه غني بشعبه، غني بقائده، غني بمسؤوليه. ولهذا نراه، اليوم، في بحبوحة من العيش، واستقرار وأمن وحرية كاملة. وهذا أكبر دليل ناصع، لما تتحلى به القيادات الرشيدة، في توجيه شعوبها؛ وما يتحلى به الشعب، من إخلاص وتفان، في خدمة نفسه، وخدمة وطنه، وخدمة دينه.

أيها الإخوة الكرام
         ربما يقال، أو يقول قائل، إن شهادتي لهذا الشعب، ولهذا البلد ـ مجروحة؛ بصفتي أخاً، ومحباً، وشفوقاً على هذا البلد، وعلى هذا الشعب. ولكن، من يقول هذا القول، فأمامه الحقائق الواقعة والملموسة؛ والباب مفتوح، لكل من أراد أن يكتشف هذه الحقائق، ويلمسها.

أيها الإخوة الكرام
         إننا، اليوم، في عالم مضطرب، تتجاذبه الأهواء والأغراض والتيارات، من كل جانب. وإن العالم بأسره، ينظر يميناً وشمالاً، أن يجد مخرجاً من هذه الحالات، وليخرج بسفينته إلى شاطئ السلام. ولكننا، حسب اعتقادنا، ليس هناك سبيل إلى إيجاد استقرار كامل، وأمن متكامل، وحرية متوفرة، إذا لم يخلص قادة العالم وشعوبه، في تلمس الخير، ومحاولة تجنب الشر، ونبذ الأطماع والاعتداءات، والتدخل في شؤون الغير، لمصالح ذاتية، ومطامع شخصية. وإننا، إذا أردنا أن نرسي قواعد الأمن والسلم والحرية، فعلينا أن نتخذ من أسس ديننا، وقواعد شريعتنا، أسساً، نبني عليها مستقبلنا، ونستنبط منها الاتجاهات، التي يجب أن نسير عليها.

         إن الأسس الإسلامية، أيها الإخوان، وفائدتها، وما يرجى، منها ليست مقصورة فقط على المسلمين، واستفادتهم منها. فإن في إمكان غير المسلمين، أن يستفيدوا من القواعد الإسلامية، وأن يتخذوا منها مدارس، ليشرعوا به لبلادهم، ولشعوبهم، ما يتفق مع أوضاعها ومقتضيات حياتها. فإن الرسالة الخالدة، التي بعث بها محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ هي للبشر أجمع، وليست لقوم دون قوم، ولا جنس دون جنس، ولا للون دون لون؛ ولذلك، نجد الإسلام يساوي بين الجميع، بين الفقير والغني، وبين الكبير والصغير، وبين الراعي والمرعي، في جميع الحقوق، وفي جميع الواجبات. لهذا، فإن في شريعتنا السمحة معين لا ينضب، للقواعد، التي تجاري وتعاصر كل عصر، وتطور كل حياة، وكل تقدم. فإننا نجد في شريعتنا، وفي كتابنا المقدس، الذي أنزله الله ـ سبحانه وتعالى ـ على نبيه، نوراً وتبصرة للبشرية. فإذا أردنا أن نصل، بأمتنا وبأوطاننا، إلى استقرار دائم، وإلى تقدم كامل، فعلينا أن نعود إلى قواعدنا الأساسية، وأن نتبصر فيها، وأن نتفهمها على حقيقتها، ونستنبط منها ما يصلح أحوالنا وأمورنا، في جميع الأزمان، وفي جميع الحالات، وفي جميع الأوطان؛ فإنها صالحة لكل زمان، ولكل وطن، ولكل أمة.

         هذا إذا أردنا لأمتنا، ولشعوبنا، الخير، فإننا لسنا في حاجة إلى أن نستورد أية آراء، أو أية عقائد، أو أية قوانين، من الخارج؛ بل العكس، فإن الأمم هي نفسها، تستفيد من شريعتنا، ومن قواعدنا. وقد سبق أن استفاد نابليون من الشريعة الإسلامية، حينما حضر إلى مصر، واختلط بعلماء المسلمين، وفهم منهم القواعد الإسلامية، وقواعد الشريعة، فأخذ منها قواعد، بنى عليها نظامه ودستوره، الذي لا تزال الكثير من الأمم تأخذ به، وتستنبط منه دساتيرها وقوانينها. فالفضل في ذلك، هو للشريعة الإسلامية، وليس لنابليون نفسه؛ وإنما أخذ من الشريعة ما بنى عليه هذه القواعد، وهذه الأسس، التي يؤخذ، اليوم، منها في كل دستور، يراد سنه من جديد، ويستند إليها في جميع القوانين والأنظمة. فلذلك، فإننا نعتبر أنفسنا نحن الأصل، وهم الفرع؛ استفادوا من شريعتنا. فيجب علينا، نحن المسلمين، أن نستفيد كل الفائدة، وأن نفتخر، ونعتز بأن شريعتنا، هي أساس، يستفيد منها الغير؛ ويفيدنا، نحن المسلمين، في كل ما نشرع، وفي كل ما نتجه.

أيها الإخوة الكرام
         لست، هنا، بمقام المدرس، أو الموجه؛ ولكنني أردت أن أدلي بدلوي في بحر عرفانكم، الذي لا يحتاج إلى أن أوجهه، أو أن أنبهه، أو أن ألفت نظره؛ لأن في مدارككم، وفي علمكم، ما هو أكثر بكثير مما لدي. ولكنني أردت فقط، من باب تسجيل الواقع، بصفتكم هيئة تشريعية لهذا البلد، العزيز على نفوسنا، فإنني أردت أن أدلي بدلوي معكم، وأشارككم فيما تسعون إليه، وفيما تعملون، كأخ، وكزميل، وكمواطن في هذا البلد العزيز.

أيها الإخوة الكرام
         أرجو الله ـ سبحانه وتعالى ـ أن يديم علينا هذا الترابط، وهذا التآخي، وهذه المحبة؛ وأن يقودنا جميعاً إلى ما فيه خدمة ديننا، وخدمة أمتنا، والنهوض بشعوبنا إلى مصاف الأمم، التي نطمح ـ بحول الله وقوته ـ لأن نصل إليها؛ وأن نستزيد من ديننا، ومن أصولنا، ومن تراثنا، ما يحفزنا إلى أن نضاعف الجهد والعمل، في سبيل ما نطمح إليه جميعاً، من تقدم ورقي وازدهار. وإنني لمغتبط جداً؛ لأنني أجد نفسي بين إخوة كرام، لهم من تاريخهم، الماضي والحاضر، ما يشهد لهم، ويؤكد كفاحهم وجهودهم، في سبيل دينهم، ووطنهم وأمتهم. وأرجو الله ـ سبحانه وتعالى ـ أن يوفقنا جميعاً، لما فيه نصرة ديننا، وخير أمتنا، والنهوض بشعوبنا؛ إنه على كل شيء قدير.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.


 


(1) جريدة أم القرى، العدد الرقم 2139، الصادر في 8 جمادي الثانية 1386هـ، الموافق 23 سبتمبر 1966م، ص 3.