إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء

 



نصيحة إسلامية شاملة إلى أئمة المسلمين وعامتهم
(أم القرى العدد 2798 في 18 محرم 1400 الموافق 1 ديسمبر 1979)

          من خالد بن عبدالعزيز آل سعود إلى كافة إخوانه المسلمين: وفقنا الله وإياهم للعمل بما يرضيه وجنبنا أسباب سخطه ومناهيه، آمين.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أما بعد،

          فتعلمون بارك الله فيكم ما أنعم الله به على هذه البلاد وأهلها من الخيرات، وما رزقهم بفضله من الطيبات، نعم من الله متتالية، وخيرات متوالية: نعمة الإسلام، ونعمة الأمن، وصحة الأبدان، وتوفر الخيرات وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا.

          فالواجب علينا وعليكم شكر هذه النعم؛ حتى تدوم وتستقر قال تعالى: وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ. وقال تعالى وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وشكره هو بامتثال طاعته، واجتناب نهيه، والاعتراف بهذه النعم باطناً، والتحدث بها ظاهراً، وصرفها في مرضاة سيدها وموليها.

          من ذلك الإحسان إلى عباد الله المحتاجين، والعطف على الفقراء والمساكين، وتفقد أحوالهم، وسد حاجتهم، ومعاونتهم على الشدائد، وخاصة من لا يسألون الناس إلحافاً من العجزة، وكبار السن، واليتامى، إلى غير ذلك مما يحبه الله ويرضاه قال تعالى: وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ فإن الإنسان إذا أغفل ربه، وتمادى في الشهوات، ونسى نعم الله عليه، تغيرت عليه حالته، وتبدلت نعمته، قال تعالى: ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ فأخبر سبحانه وتعالى أنه لا يغير نعمته التي أنعم بها على أحد، حتى يكون هو الذي يغير ما بنفسه، فيغير طاعة الله بمعصيته، وشكره بكفره، وأسباب رضاه بأسباب سخطه، فإذا غير الإنسان بذلك غير الله عليه، فبدل عزه ذلاً، وعافيته أسقاماً، وغناه فقراً، وسعادته شقاء، وأمنه خوفاً وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ.

          فما زالت عن العبد نعمة إلاَّ بسبب ذنب، ولا حلت به نقمة إلاَّ بذنب؛ قال تعالى: وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ إنه مهما أصابكم أيها الناس من مصائب فإنما هي عن سيئات تقدمت لكم، ويعفو عن كثير من السيئات فلا يجازيكم عليها، بل يعفو عنها وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ.

قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: ما نزل بلاء إلاَّ بذنب، ولا رفع إلاَّ بتوبة وقال تعالى: ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ.

          أي أن النقص في الزروع والثمار بسبب المعاصي، وذلك بانقطاع المطر عن الأرض، يعقبه القحط، قال بعضهم: من عصى الله في الأرض، فقد أفسد في الأرض، وقد ورد عن النبي : ما منع قوم زكاة أموالهم إلاَّ منعوا القطر من السماء ولولا البهائم لم يمطروا.

          قال بعض السلف على قوله تعالى: أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاَّعِنُونَ إذا جدبت الأرض قال البهائم هذا من أجل عصاة بني آدم. لعن الله بني آدم، بسببهم منعنا القطر من السماء.

وقد كتبت هذه النصيحة عملاً بقول الرسول، ، في حديث أبي رقية تميم بن أوس الداري رضي الله عنه الدين النصيحة، الدين النصيحة، الدين النصيحة، قلنا لمن يا رسول الله قال لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين، وعامتهم.

          فحق الأئمة مناصحتهم، ومعاونتهم على الحق، وطاعتهم فيه، وتذكيرهم به، وحق عامة المسلمين الحرص على ما ينفعهم، وإرشادهم لمصالحهم، ولزوم جماعتهم، فإن مصلحتهم لا تتم إلاَّ باجتماعهم يقول الله فيهم واعتصامهم بحبل الله جميعاً.

          وقد ثبت في الصحيحين من حديث معقل بن يسار رضي الله عنه مرفوعاً: ما من عبد حكم بشريعة الله على رعيته، فلم يحطها بنصيحته، لم يجد رائحة الجنة.

          فالواجب على الجميع تقوى الله، ومراقبته في السر والعلن، كما وصى بذلك في محكم كتابه: وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ وقال تعالى: يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ. والرسول، ، يقول في وصيته لمعاذ بن جبل: اتق الله حيثما كنت واتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن.

قال ابن عباس رضي الله عنه: إن للحسنة ضياء في الوجه، ونوراً في القلب، وسعة في الرزق، وقوة في البدن، ومحبة في قلوب الخلق؛ وإن للسيئة سوءاً في الوجه، وظلمة في القبر والقلب، ووهنا في البدن، ونقصاً في الرزق، وبغضة في قلوب الخلق.

قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ.

ويقول الرسول : كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، فالإمام راع ومسؤول عن رعيته، والرجل راع في أهله، ومسؤول عن رعيته، الحديث.

ونحن إن شاء الله حريصون على إعلاء كلمة الله، وتحكيم شريعته، والقيام بنصرة أهل الحق، وخذلان أهل الباطل. قال تعالى: كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ.

هذا ونسأل الله أن يثبتنا وإياكم على الإسلام، وأن يوفقنا جميعاً للعمل بما يرضاه، وأن يجعلنا من عبيده وأوليائه، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله على محمد، وآله وصحبه وسلم.