إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء

 



الملك خالد يوجه نصيحة إسلامية
إلى المواطنين والاخوة المسلمين في كل مكان
(أم القرى العدد 2853 في 17 ربيع الأول 1401 الموافق 23 يناير 1981)

          من خالد بن عبدالعزيز آل سعود إلى من يراه من إخواننا المسلمين، وفقنا الله وإياهم لما يرضيه، وجنبنا أسباب سخطه ومناهيه آمين.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،

          فإنه من الواجب علينا وعليكم التناصح في دين الله، والتذكر بنعمه وأيامه، ففي ذلك من المصالح الكلية والجزئية ما لا يحيط به علماً إلاَّ الله، فإنه بالذكر والشكر تدوم النعم، وتزداد، كما قال الله تعالى: وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ.

          وأول هذه النعم وأجلها وأعظمها نعمة الإسلام، ولا يكون شكرها إلاَّ باتباع أوامر الله، واجتناب نواهيه وأقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والقيام بسائر فرائض الدين، والتناصح في دين الله، وبذل ذلك لكل مسلم.

          وإن مما ينبغي التحدث به وذكره ما أسبغه الله علينا من نعمة الأمن، والطمأنينة، ورغد العيش، مع النظر فيما نحن فيه من تقصير، وتهاون. إننا إذا نظرنا إلى أحوال غيرنا في البلاد الأخرى نرى القتل والسلب والنهب والحروب الطاحنة التي لا تبقي ولا تذر، وتوالي الكوارث والنكبات، نسأل الله السلامة، ومع هذا نرى من ينسب ذلك إلى ظواهر كونية، وسنن طبيعية من غير اكتراث ولا اعتبار، بل مع غفلة عن الله وحلمه وغضبه، وإنه إذا أخذ الظالم لم يفلته: وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ(102)إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِمَنْ خَافَ عَذَابَ الآخِرَةِ. هود الآيتان 102، 103، وكيف للمسلم أن يظن هذا الظن، وهو يسمع آيات الله تتلى عليه: وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ أَمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ. النحل الآية 112، وقول سبحانه: أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ(45) أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ(46) أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ. النحل الآيتان 45 ـ 47، ويقول سبحانه: قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ. الأنعام 65، هذه هي سنة الله في الظالمين المعرضين عن أوامره، المنهمكين في معاصيه؛ فعلينا، رحمكم الله، التحدث بنعم الله، وشكرها ظاهراً وباطناً، وتقييدها بالعمل الصالح، وصرفها في مرضاة مسديها وموليها، والنصيحة لله، ولرسوله، ولكتابه، ولأئمة المسلمين وعامتهم.

          وإن من أهم ما يجب القيام به والتذاكر فيه الصلاة؛ فهي عماد الدين، ومن ضيعها فهو لما سواها أضيع، فيجب المحافظة عليها في أوقاتها مع جماعة المسلمين، وملاحظة ذلك في أنفسنا، وأبنائنا، وأهلينا، فقد قال سبحانه: وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى. طه الآية 132، ويقول عليه الصلاة والسلام: مروا أبناءكم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر، وفرقوا بينهم في المضاجع ويجب إخراج الزكاة المفروضة؛ فالزكاة قرينة الصلاة في كتاب الله، وهي حق للفقراء في مال الأغنياء، فكل من بسط عليه الله الرزق، ووسع عليه، ووجب في ماله الزكاة، فليخرجها طيبة بها نفسه، شاكراً لله على نعمه، واعترافاً بفضله؛ فهي طهرة للنفس من الشح والبخل، وطهرة للمال من الآفات. وبإخراجها تستمر النعم، وتستدر الخيرات، ويحصل الرخاء؛ كما أن منعها سبب لحلول النقم، وجلب لغضب الله وسخطه، ومنع خيره وجوده، وجاء في الحديث عنه أنه قال: ما تلف مال في بر ولا بحر إلاَّ بحبس الزكاة وورد عنه إنه قال: حصنوا أموالكم بالزكاة، داووا مرضاكم بالصدقة، وأعدوا للبلاء الدعاء، وما منع قوم زكاة أموالهم إلاَّ منعوا القطر من السماء، ولولا البهائم لم يمطروا، فعلينا وعليكم القيام بالواجب، والإحسان إلى الفقراء والمحتاجين؛ لا ندخل فيمن عناهم الله بقوله: وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ(34) يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ. التوبة 34 و 35، وعلينا أن نبتعد عن وجوه الكسب الخبيث، وأكل أموال الناس بالباطل، وتطفيف المكيال والميزان، وأكل الربا، والخداع، والغش في المعاملات، وكل هذا من الكبائر التي يعجل الله عقوبتها في الدنيا، وخصوصاً ما يتعلق بظلم الناس، وغشهم، والتحايل على أكل أموالهم.

فتذكروا، رحمكم الله، ما أنتم فيه من النعم، والرغد في العيش، والأمن على النفس والأموال والأعرض، وراجعوا أنفسكم، وتوبوا إلى ربكم، واعلموا إنه يمهل ولا يهمل، وتناصحوا فيما بينكم، وأدوا حقوق من استرعاكم الله عليهم من الأبناء والبنات والأهل؛ فكلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ. التحريم الآية 6.

          وخير طريق في ذلك سلوك طريق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والاجتهاد فيه فإن التساهل سبب في تفشي المنكرات، واستمرائها، ومن ثم تنشأ الناشئة لا تعرف معروفاً، ولا تنكر منكراً؛ بل يرون المنكرات بأعينهم، ولا يسمعونها بآذانهم، فيتلاشى قبحها من نفوسهم، ثم يتجرأون على ارتكابها، كما أن التهاون في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يؤدي إلى سخط الله، وغضبه، وحلول لعنته. ويقول تعالى في شأن بني إسرائيل مبيناً لمصيرهم، ومحذراً من سلوك سبيلهم: لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (74) كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ. وقال ابن عباس رضي الله عنهم لعنوا في كل لسان على عهد موسى في التوراة، وعلى عهد داود في الزبور، وعلى عهد عيسى في الإنجيل، ولعنوا على عهد نبيكم محمد في القرآن" ويقول عليه الصلاة والسلام لتأمرن بالمعروف، ولتنهون عن المنكر، أو ليسلطن الله عليكم شراركم، ثم يدعو خياركم فلا يستجاب لهم. بل إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مع الإيمان بالله سبب لحصول الخيرية والأفضلية لهذه الأمة على سائر الأمم، قال تعالى : كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ فلنسرع رحمكم الله بالرجوع إلى الله، وليفشو التناصح بيننا، ولنسلك سبيل الدعوة إلى الله، والطريق المستقيم، تصلح أحوالنا، وتستقيم أمورنا، ويعز الدين وأهله، وينقمع الشر وحزبه، فيما وقع بلاء إلاَّ بذنب، ولا رفع إلاَّ بتوبة وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ أسال الله، سبحانه وتعالى، أن يحفظ علينا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأن يصلح دنيانا التي فيها معاشنا، وآخرتنا التي إليها معادنا، ويحسن عاقبتنا في الأمور كلها، وأن يجيرنا من خزي الدنيا، وعذاب الآخرة، فهو نعم المولى، ونعم النصير، وصلى الله على خير، خلقه محمد وعلى آله وصحبه وسلم.