إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء

 



نصيحة من الملك خالد المفدى إلى جميع المسلمين
(أم القرى العدد 2604 في 2 ذو الحدة 1395 الموافق 5 ديسمبر 1975)

          من خالد بن عبدالعزيز إلى من يراه من المسلمين، سلك الله بنا وبهم سبيل عباده المؤمنين، وأعاذنا وإياهم من سلوك سبيل المغضوب عليهم، الضالين. آمين.

          سلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
          
تعلمون، بارك الله فيكم، أن الله سبحانه أرسل رسوله محمداً، ، إلى الناس كلهم؛ ليخرجهم به من الظلمات إلى النور، وأنزل عليه كتاباً عظيماً، وهو القرآن الكريم، أوضح فيه سبيل أهل السعادة، وأعمالهم، وصفاتهم، كما أوضح فيه سيبل أهل الشقاوة، وأعمالهم، وصفاتهم، ووعد من استقام على طاعته، واتباع رسوله محمد ، بالعز في الدنيا، والفوز في الآخرة؛ وتوعد من عصاه، وخالف ما جاء به رسوله محمد، ، بأنواع العقوبات في الدنيا والآخرة، كما قال عز وجل:
هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا وقال سبحانه: قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ. وأخبر سبحانه أنه يبتلي عباده بالسراء والضراء، والشدة والرخاء، والخصب والجدب، والخير والشر؛ ليختبر صبرهم وشكرهم، فمن صبر عند البلاء، وشكر عند الرخاء، فهو السعيد في الدنيا والآخرة.

          كما قال عز وجل: وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأَمْوَالِ وَالأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ وقال تعالى: وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ والحسنات في هذه الآية هي النعم، والسيئات هي المصائب والعقوبات، وقال تعالى: وَلَقَدْ أَخَذْنَا ءَالَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ وقال عز وجل: وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

          ففي هذه الآيات الترغيب بالرجوع إلى الله سبحانه، والتضرع إليه عند وجود المصائب، والمسارعة إلى مراضيه، والتوبة إليه، وإن ذلك هو سبب العافية والسلامة من العواقب الوخيمة. كما دلت الآيات أيضاً على أن الناس إذا استمروا في طغيانهم، وغفلتهم، ومعاصيهم، وفرحهم بما فتح عليهم من الدنيا ولذاتها، أخذهم الله بغتة. وبين سبحانه في آيات أخرى أن جميع ما يصيب العباد من المصائب كلها بسبب ما كسبوا من المعاصي، كما قال عز وجل: وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ. وقال سبحانه: ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ. فالواجب علينا وعليكم جميعاً هو التوبة إلى الله سبحانه من جميع الذنوب، والاستقامة على طاعته، والمسارعة إلى أداء ما أوجب الله، والحذر من معاصي الله، والتواصي بذلك، والتعاون عليه، وبذلك يصلح الله القلوب، ويغفر الذنوب، ويفرج الكروب، كما قال عز وجل: وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ. وقال سبحانه: إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ. وقال سبحانه: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا(2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِب. وقال عز وجل: وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى أَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُون. والآيات في هذا المعنى كثيرة، ومن أهم الأمور وأعظم الواجبات، التي بها صلاح أمر الدنيا والآخرة التناصح في الله، والدعوة إليه، والتواصي بالحق، والصبر عليه، والتعاون على البر والتقوى، والتآمر بالمعروف، والتناهي عن المنكر.

          وهذا هو سبيل الرسل واتباعهم بإحسان، وهو سبيل السعادة والفلاح، كما قال تعالى: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ. وقال عز وجل: وَالْعَصْرِ(1) إِنَّ الإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ(2) إِلاَّ الَّذِينَ أَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ(3). وقال تعالى: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ. وقال النبي : من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان. وقال النبي : إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه أوشك أن يعمهم الله بعقابه. والآيات والأحاديث في هذا المعنى كثيرة.

          وينبغي لنا جميعاً أن نقدم التوبة الصادقة، وكثرة الدعاء والاستغفار، ورحمة الفقراء والمحاويج، والإحسان إليهم. كما قال عز وجل: إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ. وقال سبحانه: ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ. وقال : من لا يرحم لا يرحم وقال : الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من السماء.

          ونسأل الله عز وجل أن يهدينا وإياكم صراطه المستقيم، وإن يرحمنا جميعاً من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، وأن ينصر دينه، ويعلي كلمته، وأن يجعلنا وإياكم وجميع المسلمين من أنصاره، والدعاة إليه على بصيرة، إنه جواد كريم.

          والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.