إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء

 



خطاب الملك خالد إلى وفود بيت الله الحرام
(أم القرى العدد 2605 في 23 ذو الحجة 1395 الموافق 26 ديسمبر 1975)

بسم الله الرحمن الرحيم
          والصلاة والسلام على رسول الله الأمين، هادي البشرية إلى نور الحق، وضياء اليقين، ومنقذ الإنسانية من براثن الشرك والضلال المهين. وبعد:
          فإنني أرحب بكم باسم إخوانكم أبناء المملكة العربية السعودية، الذين شرفهم الله، وأكرمهم بمسؤولية خدمة ضيوفه، والسهر على راحتهم عبر العصور، والذين يسعدهم أن يستقبلوكم في هذا الموسم من جديد، وقد أعدت لكم الدولة فيه الكثير من المشروعات والتنظيمات، التي استهدفنا منها تسهيل وتيسير أدائكم للفريضة، وقد كان هذا من أهم مشاغلنا واهتماماتنا، ومنذ عهد جلالة الملك عبدالعزيز، رحمه الله، الذي وضع أسس هذه المملكة منذ فجر نهضتها، وحرص على وحدة المسلمين، وتوحيد صفوفهم، كما عمل على توفير الأمن والطمأنينة لحجاج بيت الله الحرام. وكان الرائد في توعيتهم بأمور وواجبات دينهم، وإزالة ما علق بها من شوائب، وقد أرسى جلالته، رحمه الله، قواعد النهضة والوحدة لهذا البلد، فقام كياننا والحمد لله على أساس العقيدة الخالصة، والتآخي والعدل.

          أيها الإخوة: لم يكن انطلاق الدعوة إلى الله، وإفراده بالعبودية، والخلوص من الشرك والوثنية إلاَّ انتصاراً للإنسان والإنسانية، ونقله لهما من مهاوي الذل إلى ذرى العزة؛ لأن الله تبارك وتعالى كرم هذا الإنسان، ومنحه العقل الذي يميز به بين الغث والسمين، والصالح والطالح؛ فأراد له التفقه في الدين، والإلمام بأصول الشريعة السلامية، التي تحقق لكل معتنقيها العدالة، والحرية، والمساواة، والمحبة، والأخوة.

          ولم يكن الإسلام، ولم تكن رسالته السامية خاصة بأمة، دون أمة أو وقفاً على جنس دون جنس؛ ولكن الإسلام كان، وسيظل، للعالم أجمع؛ لأنه الدين الذي جمع فأوعى، والذي أراد الله به لهذا الإنسان القوة والمنعة، فحصنه بكتابه الكريم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه، ولا من خلفه، ومنحه الشريعة الإسلامية التي لا يزيغ عنها إلاَّ ضال. فلو تمسك المسلمون، دائماً وأبداً، وفي كل أمورهم، بالقرآن الكريم، والسنة المطهرة قولاً، وعملاً، وتطبيقاً فعلياً، لما كان هناك مجال لأن يتسلل إلى صفوفهم الوهن أو الضعف، ولكانوا كما أرادهم الله ـ خير أمة أخرجت للناس، يأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر، ويجاهدون في سبيل الله؛ لاستعادة أراضيهم التي يحتلها العدو الصهيوني، ومقدساتهم الإسلامية في القدس الشريف، التي يدنسها ذلك العدو البغيض.

          وقد عملت المملكة العربية السعودية على تحقيق هدف التضامن الإسلامي، وضحت بالكثير، بمبادرات مؤمنة مخالصة، قام بها أخي المغفور له جلالة الملك فيصل، رحمه الله، الذي وفقه الله العلي إلى إبراز كيان التضامن الإسلامي ككيان سياسي جديد في ميدان السياسة الدولية، وقد بدأ التضامن الإسلامي يؤتي ثماره، فبينما كان عدد الدول التي كانت تشترك في المؤتمرات الإسلامية لا يتجاوز عشرين دولة. أصبح الآن عددها، والحمد لله، يزيد عن الأربعين. وبات له أثره وفاعليته في السياسة الدولية، والاقتصاد العالمي، وذلك بفضل الله وعونه.

          وإنني من هنا، من مكة المكرمة، محور الارتكاز بالنسبة للعالم الإسلامي كله، أدعو جميع إخواني المسلمين في كل أنحاء العالم الإسلامي أن يهبوا للجهاد في سبيل الله من أجل استعادة القدس الشريف، وعلى لساني، وفي قلبي، وفي كل جوانحي ما قاله جلالة المغفور له الملك فيصل، طيب الله ثراه: "نريدها غضبة ونهضة إسلامية، لا تدخلها قومية، ولا عنصرية، ولا حزبية، إنما دعوة إسلامية، دعوة إلى الجهاد في سبيل الله، في سبيل ديننا، وعقيدتنا، دفاعاً عن مقدساتنا، وحرماتنا".

          وإننا نحمد الله على توفيقه فقد أصبحنا نتابع اليوم بكل اهتمام تحول الرأي العالمي لصالح قضيتنا الكبرى، قضية فلسطين. وبدأنا ننجح في المحافل الدولية، وأصبح العالم أكثر تفهما لسياستنا، ومطالبنا العادلة، وبدأ العالم يحس بأن الفلسطينيين قد عانوا من الظلم طوال أكثر من ربع قرن.

          فلن تهدأ نفوسنا، وتطمئن قلوبنا حتى تستعيد الأمة الإسلامية المسجد الأقصى الشريف، ويتخلص من دنس الصهيونية الغادرة، وعدوانها الأثيم على مقدساتنا، وأراضينا.

          أيها الإخوة الكرام: إنه ليحز في نفوسنا ما يجرى الآن في لبنان من صراع دموي رهيب، وإننا لنهيب بكافة الفئات المتصارعة أن تضع حداً لهذه المجازر البشرية الرهيبة، التي راح ضحيتها أناس أبرياء، والتي لم يستفيد منها إلاَّ أعداء لبنان. ولا شك بأن أبناء لبنان المخلصين سيضعون حداً لهذه الكارثة؛ بحيث تعيش كافة الفئات في سلام وإخاء.

          إخواني، لا شك أنكم تعلمون، قبل غيركم، أن أول ما يجب أن يتمسك به كل مسلم، وما ينبغي أن يقوم به هو التزود من معين العقيدة الإسلامية، والشريعة الإسلامية بعمق، وفهم، وحسن تبصر.

          ومن هنا يغدو من أولى واجباتنا جميعاً أن نتثقف بالثقافة الإسلامية، وأن نتمعن في تشريعاتها؛ لأنها الحصن الحصين.

          أيها الإخوة الكرام: إن اجتماعكم هذا في هذه الأيام المباركة، وفي هذه المناسبة العظيمة، يجسد أعظم تجسيد وحدة المسلمين الكبرى، ويؤصل في النفوس المؤمنة المسلمة معنى التضامن، ويقوي بين المسلمين رابطة التعاون والتآلف، بصورة ينبغي أن يستفيد منها كل مسلم؛ بحيث يعود إلى دياره، إن شاء الله، داعية حق، ومرشد هداية، يدعو إلى الله، بالتي هي أحسن، ويكافح في سبيل أنصار دين الله، والتمسك به، والدفاع عنه، فلن تقوم لهذه الأمة قائمة، إلاَّ إذا تمسكت بالدين الإسلامي وطبقته، ودعت إليه، وبادرت إلى نشره، والدعوة إليه.

          وإن المملكة العربية السعودية لفخورة جداً أن تضع كل إمكانياتها، وتجند كل طاقاتها من أجل خدمة حجاج بيت الله الحرام، الذين يحلون في بلادهم، وبين أشقائهم وإخوانهم الذين يسعدهم أن يكونوا خداماً لكم في مناسبة إسلامية عزيزة، يحرص كل واحد منهم على أداء هذا الواجب انطلاقاً من شعوره الكامل بأن المسلم أخو المسلم وبأن هذه الخدمة إنما هي تشريف لهم، وتكريم لكم.

          إخواني حجاج بيت الله الحرام: أسأل الله تباركت أسماؤه، وتعالت صفاته أن يظللنا جميعاً بالإسلام، وأن يجعل من اجتماعكم هذا عاملاً من عوامل وحدة المسلمين، وأن يتقبل منا جميعاً حجنا؛ فيكون مبروراً، وسعينا مشكوراً، وأن يهيء للأمة الإسلامية في كل أنحاء المعمورة من أمره رشداً، وأن يجعلنا ممّن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، إنه على كل شيء قدير.

          والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.