إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء

 



خطاب الملك سعود
بمناسبة مرور سنة على توليه عرش المملكة العربية السعودية
(أم القرى العدد 1539 في 16 ربيع الأول 1374 الموافق 12 نوفمبر 1954)

          الحمد على نعمائه، والصلاة والسلام على خاتم أنبيائه، وبعد: فقد تبوأنا عرش المملكة العربية السعودية منذ سنة كاملة، معتزين بهذا التراث المجيد الذي ورثناه كابراً عن كابر، والذي أسس على تقوى الله وطاعته. دستوره القرآن الكريم، وعماده سنة محمد، صلى الله عليه وسلم، فعلى أسسه نحن ماضون، وعلى دستوره نحن ثابتون، بحول الله وقوته.

          ومنذ اعتلائنا العرش عقدنا العزيمة على انتهاج خطة في داخل البلاد تضمن للرعية مصالحها، وترفع من شأنها في جميع مواقف الحياة. ووضعنا نصب العين القضاء على الفقر والمرض والجهل، وتنفيذ نصوص الشريعة السمحة على جميع أفراد الأمة على السواء، وإنشاء جيش قوي يقينا العدوان، ويحقق لنا الأمن والسلام. ومن نعم الله، التي نشكره عليها، أن البلاد ترفل بحالة حميدة من رغد العيش، ونهضة مجيدة في الإنشاء والتعمير، وازدهار مطرد في التجارة، ووفرة في الأعمال، ونمو في الثروة، يتوج ذلك كله استقرار شامل، وأمن كامل أصبح مضرب الأمثال، وذلك من توفيق الله وإحسانه، وما كان هذا إلاَّ لأنا جعلنا التمسك بالدين الحنيف، والقيام بجميع واجباته، رأس أعمالنا، كما جعلنا التفاني في خدمة البلاد، وتهيئة أسباب نهوضها وازدهارها غاية حياتنا، وهدف جهودنا، مضحين في سبيل ذلك براحتنا، جادين في إزالة ما يقوم دونه من مصاعب وعقبات مهما عظمت، مستعينين بالله، معتصمين به وحده، فهو نعم المولى، ونعم النصير.

          أما سياستنا الخارجية فقد أقمنا أسسها على مسالمة جميع الأمم، والتعاون معهم على ما فيه إحقاق الحق، ومقاومة الظلم، وحفظ المصالح المتبادلة بالتعاون والإنصاف. فمن والانا على ذلك واليناه، وعرفنا له حقه، وأخلصنا له الصداقة، وحسن المعاملة في السر والعلانية. فسياستنا سياسة سلم ومسالمة، وصدق ومصادقة، فأما من قابل سلمنا بالعدوان، وصداقتنا بالعداء، فإنا نستعين الله عليه بحقنا، وندفع عدوانه بما آتانا الله من قوة، وهو نعم النصير.

          وإن لنا علاقات دولية نحترمها، كما إنا مرتبطون بجامعة الدول العربية، وعلينا لها واجبات والتزامات لا بد من أدائها، مهما كلفنا ذلك من تضحية، وميثاق هيئة الأمم المتحدة يتطلب منا ومن الجميع احترام استقلال الشعوب، وحريتها، وحسن معاملتها، كما أن ميثاق جامعة الدول العربية يفرض علينا التعاون معها على رد المظالم، ودفع أي عدوان يقع عليها، كما يتطلب منا العمل على مساعدة الشعوب العربية، التي مازالت رازحة تحت الاستعمار، على استرداد حريتها واستقلالها.

          تلقاء هذا الواجبات السامية نحو أمم العالم، ونحو بني جلدتنا، وإخواننا في الأرومة والعرق، لا يسعنا إلاَّ أن نعمل بكل استطاعتنا لتقديم العون لجميع الشعوب العربية المدافعة عن استقلالها، والمجاهدة لنيل حريتها. ونحن نهيب بالدول المستعمرة، وكلها مثلنا مرتبطة بمبادئ هيئة الأمم القائمة على حق الاستقلال والحرية لجميع الشعوب، أن تتخذ مما جرى في السنوات الأخيرة غبرة وعظة؛ إذ إن البلاد التي عالج ساستها الأمور بالحكمة والسداد، كما جرى في الهند وملحقاتها، وجاوا وتوابعها، سلم المستعمر بحرية هذه الشعوب واستقلالها، بدون إراقة دماء، أو خسارة أموال، وأقاموا مكان الكراهية والعداء معاهدات صداقة ومحبة، ومنافع مشتركة، وخرجوا بسلام وشرف. وأما البلاد التي رأى ساستها غير هذا الرأي، فقد خرجوا منها، ونال أهلها استقلالهم عنوة، بعد أن سفكوا من دمائهم، ودماء المستعمر ما لطخ وجه التاريخ، وأدخل الحزن والأسى في عشرات الألوف من البيوت، وأتلف ملايين الملايين من الأموال والأملاك، وكانت النتيجة في الحالتين واحدة، وهي انتصار الحرية والاستقلال.

          وإن لنا في بعض البلاد العربية التي ما زلت ترزح تحت نير الاستعمار قضايا تقوم على الحق، تسندها مبادئ هيئة الأمم المتحدة، وتعززها المبادئ الديمقراطية الصحيحة، التي يتغنى بها المستعمرون أنفسهم. وإن في أعناقنا لهذه البلاد المجاهدة واجب العون والمؤازرة، وإنه، بما بيننا وبين هذه الدول من صداقة ومصالح مشتركة، نرغب كل الرغبة في استبقائها، وتوطيد أركانها، وتوسيع آفاقها. نرجو أن يتخذ ساستها في معالجة هذه القضايا الحقة الخطة التي اتخذت في الهند، وجاوا وملحقاتها، وأن يتفادوا ما كان في الهند الصينية وغيرها مما أدمى القلوب، وأتلف الأموال مع أن النتيجة كانت واحدة، وهي زوال الاستعمار، وانتصار الحرية.

          ثم إن للشعوب العربية ظلامة، عميقة الجرح، بعيدة الأثر، عميقة الضرر، هي في نظرنا ونظر كل منصف قضية دين وشرف ومصلحة؛ بل قضية بقاء أو فناء؛ فقد استطاع الصهيونيون في غفلة من الزمن، وفي ظلمة الليل الدامس أن ينتزعوا من بعض ساسة الاستعمار ما عرف بتصريح بلفور، ثم بما لهم من نفوذ وتأثير في الانتخابات النيابية في بريطانيا والولايات المتحدة قلبوا هذا التصريح إلى دولة إسرائيل، فكانت في البلاد العربية كالسرطان في جسم الإنسان، تفث السم في جميع أعضائه، وتقض مضاجع أبنائه. وقد شردوا أهل فلسطين، واستولوا على أملاكهم وأموالهم، وحرموهم من تراثهم، والتربة التي ضمت عظام آبائهم وأجدادهم، والبيوت التي درجوا فيها؛ حتى أصبحوا عالة على الناس، يتخطفهم الجوع والمرض، وصاروا في العالم أجمع مضرب المثل في البؤس والشفاء وسوء الحال. وإنا لنربأ بخلق الله أن يكون بينهم من لا يرى في قضية العرب في فلسطين الحق الظاهر، وفي الاعتداء الصهيوني الظلم الفاضح.

          ونحن، كعرب ذوي حق، لا نطلب إلاَّ أن يضع الناس أنفسهم في وضعنا، ويتخيلوا برهة واحدة أنهم منا؛ ليشعروا بفداحة مصيبتنا، وسوء نكبتها بفلسطين، ثم بألمنا العميق، وجرحنا الدامي، وتحرقنا المستمر مما يلاقيه إخواننا عرب فلسطين في هذه المحنة، التي لم يرو التاريخ لها مثيلاً. ولو حدث شبه هذه النكبة، وبصورة مصغرة في جزء من أجزاء بريطانيا، أو أمريكا، لقامت الدنيا وقعدت، ولهب العالم لنصرة الحق ودفع الظلم.

          فعلى الذين أوجدوا هذا الداء الوبيل في جسم بلاد العرب، إن أرادوا السلم والسلامة لهذا الجزء الحساس من العالم، أن يعترفوا بما اجترحوا من ظلم، وأن يعالجوه بالوسائل الناجعة، والدواء العاجل المحقق للشفاء في الحال والاستقبال، لا في محاولات فاشلة لإيجاد صلح بين العرب والصهاينة، لا يمكن أن يتم؛ إذ لا يوجد عربي يجري في عروقه دم العروبة يقبل مثل هذا الصلح على حساب العرب، وأن يتم ذلك إن شاء الله.

          أمام هذه النكبة التي حلت بنا، نحن العرب، وتلقاء غيرها من النكبات الماضية والمنتظرة في هذا العالم المتخبط في المطامع المادية، والمنافع الدنيوية، يجب علينا أن نعترف بتقصيرنا في حق أنفسنا، وتباعدنا عن السبيل القويم، الذي يكفل لنا المنعة والقوة، فقد كنا وما زلنا نتناحر على حطام الحكم، ونتخاصم على سفاسف الأمور، ونتحزب للأفراد دون المصلحة العامة، ونضع الأشخاص فوق الأمة، حتى صرنا مثالاً للتفرقة، وصارت بلاد العرب خطاً للقلاقل وعدم الاستقرار، ولم تصف قلوبنا وتطهر بما سال على جوانب بلادنا من دماء غزيرة، وما أضعنا من تراث عزيز، مع إنا أولى الشعوب بالتضامن، وأجدرها بالنهوض، بما لنا من تاريخ مجيد، ونخوة عربية مشهودة، وأريحية غريزية، ولو اجتمع شملنا على خطة واحدة، وصفت قلوبنا على هدف واحد، لما أضعنا فلسطين، ولما استهتر بنا المستعمرون، ولكنا عضواً فعالاً في هذا المركز العظيم، الذي أحلنا الله إياه، وأوجدنا فيه.

          فإلى إخواننا العرب قاطبة نوجه دعوتنا، وإلى إخواننا المسلمين عامة نرسل نداءنا؛ لتعاون صادق، وتضامن شامل، يضمن لكل ذي حق حقه، ويدفع عنا المظالم، ويجعل منا ومن بلادنا أداة صالحة لنشر الحق، وبسط السلام والأمن بين الناس.

          هذه خطتنا الداخلية أوضحناها صريحة خالصة، راجين من إخواننا العرب أولاً، ومن كل منصف ثانياً، أن يكونوا عونا لنا في تحقيقها؛ فإنَّ فيها، باعتقادنا، وما ندين الله به الخير والعدالة والاستقرار والسلام للجميع في هذا الجزء من العالم.