إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء

 



خطاب الملك سعود
بمكة المكرمة تكريماً لوفود بيت الله الحرام
(أم القرى العدد 1575 في 9 ذو الحجة 1374 الموافق 29 يوليه 1955)

بسم الله الرحمن الرحيم
          الحمد لله، ربنا وخالقنا ورازقنا، الحمد لله وحده، إلهنا ومعبودنا؛ الحمد لله، له الأسماء الحسنى، والصفات العلى، ليس كمثله شيء، وهو السميع البصير؛ وأصلي وأسلم على خير أنبيائه، الذي جاءنا من عند الله بالهدى ودين الحق، فكان خاتم المرسلين، بعثه الله بما يصلح شأن العالمين إلى أن تقوم الساعة، صلى الله عليه وعلى آله، وعلى سائر الأنبياء والمرسلين، ورضي الله عن أصحاب رسول الله، ومن اتبعهم بإحسان، وسلام على الذين جاهدوا في سبيل الله وإعلاء كلمته.

          إخواني، إن من أكبر نعم الله علينا أن أرسل رسوله الكريم، في هذا البلد الأمين، وجعلنا مسلمين، وإني أذكر فضل الله علي وعليكم أن جعلني من السلالة التي تدعو إلى الله، متبعاً في ذلك سنة أبينا إبراهيم، وسنة الأنبياء من بعده، وسنة نبينا محمد، صلى الله عليه وسلم، وخلفائه الراشدين، في الدعوة إلى الله، وعلى الأخص في هذا الموسم العظيم. وكذلك كانت سنة آبائي، الذين شرفهم الله بخدمة الدين، وهذا البلد الأمين.

          لقد بعث الله رسله يدعون البشر لعبادة ربنا، وإفراده سبحانه بالعبادة، فدعا إلى هذا إبراهيم، وموسى، وعيسى، ومحمد، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.

          لقد اعترف العرب بجاهليتهم أنه لا خالق ولا رازق، ولا محيي ولا مميت، إلاَّ الله وحده: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ ولكن كانوا يشركون بعبادة ربهم، ويدعون معه غيره، فالفرق بين الإسلام والكفر، وبين من استجاب لدعوة رسول الله محمد، صلى الله عليه وسلم، وبين من خرج من شريعته هو أفراد الله في العبادة وحده، أو إشراك غيره معه فَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا ءَاخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ لا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا ءَاخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَخْذُولاً وآيات القرآن المنزلة التي تدعو إلى أفراد الله بالعبادة أكثر من أن تحصى.

          إخواني المسلمين، إني في هذا الموقف، في هذا الحج الأكبر أجدد الدعوة إلى عبادة الله وحده، وأدعوكم وأدعو المسلمين جميعاً للرجوع إلى دين الله، وتنظيف عقيدتنا من الشرك، وإخلاص العبادة لله وحده، كما أجدد في هذا الموقف، وفي كل موقف، الدعوة للعمل بكتاب الله، وبالشريعة المطهرة، التي جاءتنا من عند الله، والتي كفلت لنا خيري الدنيا والآخرة، ورسمت لنا سياستنا الدينية والاقتصادية والاجتماعية، بما عجزت، وستعجز عنه في الحاضر والمستقبل، أفكار فلاسفة العالم وعلمائه، فأي مبادئ يمكن أن تكون أعلى وأرقى من العدالة التي أعلنها رسول الله، صلى الله عليه وسلم، في حجة الوداع. فقد أخرج ابن مردوية والبيهقي عن جابر بن عبدالله قال: خطبنا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، في وسط أيام التشريق خطبة الوداع فقال: لا فضل لعربي على عجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا لأسود على أحمر، ولا لأحمر على أسود، إلاَّ بالتقوى إن أكرمكم عند الله أتقاكم، ألا هل بلغت، قالوا: بلى يا رسول الله قال فليبلغ الشاهد الغائب.

          ولقد كان من المبادئ الرئيسية التي هدفنا إليها، عندما حصل التفكير في تأسيس المؤتمر الإسلامي، هو تنظيم الدعوة إلى الله، ونشر التعاليم الدينية، ومبادئ الإسلام الأخلاقية والاجتماعية والاقتصادية، ونرجو من الله أن يوفقنا وإياكم لنشر دعوته، والعمل بكتابه.

          وإنه غير خاف أنه ليس من السهل على أعداء العرب والمسلمين أن يروا طائفة من المسلمين على هذا المنهج، في الدعوة إلى الله، والعمل بكتاب الله، ولما لم يجدوا سبيلاً لصدهم عن ذلك، لم يروا إلاَّ استعمال أنواع الحيل والمكر، وأساليب مختلفة، وطرق متعددة، أحياناً بالعمل لإفساد جامعة العرب، وأحياناً بالطعن علينا في ديننا، وأحياناً بنشر الأكاذيب والدعايات، وأحياناً بالتفرقة بين صفوف العرب والمسلمين وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ، وسنكون بحول الله وقوته مصداقاً لقوله تعالى وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ.

          وإنه لمما يحز في نفوسنا، أننا ونحن في مفترق الطرق، وأحوج ما نكون إليه من جمع الكلمة، نرى هذا الصعوبات التي تعترضنا، ومهما يكن فما كان لتلك المصاعب أن توهن عزمنا، ولا أن تحد من قوتنا؛ بل إن ذلك كان سبباً دائماً لتقوية إرادتنا، والصبر والجلد إزاء الملمات، وإزاء ما يكاد لنا، ولقد اتفقت كلمتنا مع إخواننا في مصر وسورية لوضع ميثاق ثلاثي، نكون به قوة واحدة عسكرية وسياسية واقتصادية؛ حتى نقف صفاً واحداً في دفع العدوان عنا وعن العرب.

          وأنا على يقين بأنه، ما دمنا نعمل بإخلاص لمصلحة العرب والمسلمين، فإن كل عربيًّ تخلف عنا سينضم إلينا؛ لأن الشعب العربي في أنحاء المعمورة واحد في مبادئه، يهدف إلى غرض واحد هو سلامة العرب، واستقلالهم، وما دامت هذه خطتنا فسنلتقي بكل أخ لنا يعمل لمصلحة العرب والمسلمين، وإن باب الميثاق الثلاثي؛ الذي نعمل على إنجازه مفتوح لكل عربي يؤمن بإيماننا، ويوافق على مبادئنا التي أعلناها عن الميثاق، ويسعى للمصلحة العربية التي نسعى إليها، وإن أمامنا من الكوارث ما يحملنا جميعاً على التماسك والتراص؛ حتى ننجو بسفينتنا، ونصل بها إلى ساحل السلامة، والعزة والكرامة.

          هؤلاء اليهود في جنباتنا، وكلنا يعلمهم، وهؤلاء إخواننا في المغرب في شمال أفريقيا يجاهدون ويكافحون قوات الاستعمار؛ وهذه القوات المعتدية في جنوب اليمن، وفي جنوب مملكتنا وشرقها، تقوم باعتداءات مركزة لبسط سلطانها على بلادنا العربية، ولكننا صامدون وصابرون، حتى يأذن الله بالفرج، ويتأتى بنصر من عنده؛ فيحفظ للمسلمين والعرب استقلالهم، وسيادتهم، وكرامتهم.

          إخواني: لقد أتيتم من ديار بعيدة، وتجشمتم مشقة السفر إلى هذا البيت العتيق، فأدعوكم ونفسي أن نتوجه إلى الله بقلوب صادقة، تائبين من ذنوبنا، مخلصين العبادة لله وحده، تاركين دعاء غيره، أو التوسل بغيره إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ وأن نعقد العزم بعد ذلك على أن نبتعد عن هذه المذاهب المبتدعة في الدين والاجتماع، ونرجع للمذهب الذي أنزله رب السماء، الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، على نبينا محمد، صلى الله عليه وسلم، ففي ذلك الخير كله، وأني أبتهل إلى الله معكم في أن يهدينا إلى صراطه المستقيم، وأن يدلنا على الطريق الذي ننجو فيه من شر أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، وأن يجمع كلمتنا على ما يرضيه، وأن يتقبل منا ومنكم حجنا، وأن يعيدكم على أوطانكم سالمين غانمين برضوان الله ورحمته.