إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء

 



خطاب الملك سعود إلى حجاج بيت الله الحرام
(أم القرى العدد 1673 في 7 ذو الحجة 1376 الموافق 5 يوليه 1957)

بسم الله الرحمن الرحيم
          
اللهم لك الحمد على ما أنعمت وحبوت، ووقفت وهديت، معز من أطاعك، ومذل من عصاك، لا إله إلاَّ أنت سبحانك، والصلاة والسلام على نبيك المبعوث رحمة وهدى للعالمين، نصرته يوم قل النصير، وحطمت على يديه أوثان الشرك؛ ليكون لك الدين كله، ولا يعبد معك سواك.

          لك اللهم الحمد على أن جمعتنا في بيتك العتيق، ووحدت كلمتنا على الإيمان، وجعلتنا إخواناً في السراء والضراء، نعمل لإعلاء دينك، ولحماية مقدساتك، ورد العدوان عن حماك.

إخواني في الله
          لقد طالما أهبت بكم وبنفسي في مثل هذا المقام، وفي مثل هذا اليوم من كل عام أدعو إلى طاعة الله بنصرته ونصرة دينه، وأعاهد من عاهدني على إحياء سنة نبيه، والتضحية بالأموال والأرواح حتى تكون كلمة الله هي العليا، ودينه هو الظاهر، وحتى يأمن الخائف، ويتحرر المستعمر وتخفق ألوية العروبة والإسلام في أجواء الحرية والاستقلال، لا تطولها يد غاصب، ولا يمتد إليها عدوان مغير، وقد مرت بالعالمين الشرقي والغربي أحداث وعواصف، ثبتنا لها بحول الله وقوته عاملين وفق مبادئنا الإسلامية، ومدافعين عن قوميتنا العربية بكل ما أعطينا من حول وقوة.

إخواني
          
لقد بقي من آثار العدوان على مصر الشقيقة شر جاثم يهدد السلام والإسلام وطريق بيت الله الحرام، فإن أداة الاعتداء المسماة بإسرائيل قد أدخلت بعض القطع الحربية في خليج العقبة، واتخذت الجانب الذي احتلته من مينائها قاعدة للتحرش بشواطئ البلاد المقدسة، وانتهزت من وجود قوات الأمم المتحدة في الشاطئ المعروف بشرم الشيخ فرصة لتسرح وتمرح في مياه العقبة وأطرافها، مما اضطرني ـ كما تعلمون ـ إلى أن أحذر إخواننا حجاج هذا العام من دخول ذلك الخليج، ضنا براحتهم وأرواحهم، وصوناً لهم من التعرض لقراصنة البغي وشراذم الشر، وهذا الخليج أيها الإخوة في الإسلام والعروبة خليج عربي منذ أقدم عصور التاريخ، لم يكن لغير العرب في يوم من الأيام سلطان عليه، وهو يعتبر الممر الحيوي للبلاد العربية السعودية، ومركز الدفاع عنها في هذا الجانب منها. وهو فوق هذا وذلك طريق إسلامي بحت يجتازه حجاج المسلمين غادين ورائحين، متوجهين بقلوبهم إلى تأدية فريضة من فرائض دينهم. وكل مسلم في قارات الأرض الخمس مسؤول بين يدى ربه عن المحافظة عليهم وتأمين سبيلهم، وما بالك والمهدد لسلامتهم هو عصابات إسرائيل، التي ما برحت تبيت للإسلام والعروبة أنواع الأذى، وتحمل أسوأ المطامع، وقد عرفتم أنني عامل الآن مع الدول العربية والإسلامية وغيرها من الدول الحريصة على السلام لدفع هذه النازلة، وإرجاع الخليج إلى وضعه الذي كان عليه قبل عدوانهم، ولا مناص لي إذا لم تنفع وسائل الأخذ بالسلم من دعوة سائر العرب، وسائر العالم الإسلامي، وكل دولة تتسم بحب السلام إلى مساعدتنا على دفع هذا الخطر المهدد لكعبة المسلمين ومسجد الرسول محمد صلوات الله وسلامه عليه، ومثواه ومقدساتنا التي نفديها بالأنفس والأرواح.

          أيها الاخوة في الإسلام لقد ألف الإسلام بيننا، ولا يجوز أن ندع لوساوس المستعمرين ودسائس المفرقين ودعاة المبادئ الهدامة سبيلاً إلى قلوبنا ما دام الإخلاص رائدنا، إنكم قوة في هذا العالم لها وزنها وشأنها، ما دمتم في وحدتكم وتضامنكم، والمؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضاً، نحن لا نبغى عدواناً على أحد، كما أننا لا نرضى بأن يعتدي علينا أحد، سياستنا قائمة على الحياد الإيجابي، وعدم الدخول في الأحلاف الأجنبية مهما يكن شكلها. وهدفنا رفع كابوس الاستعمار من كل بلد عربي وإسلامي، لن ننسى ولا يمكننا أن ننسى إخواناً لنا في الجزائر، عاهدوا الله وتعاهدوا فيما بينهم على تحرير بلادهم من ربقة الأجنبي الغاصب الغاشم، وتحطيم كل قوة تعترضهم في السبيل، هم إخواننا وإخوانكم، دماؤهم دماؤنا، وأعراضهم أعراضنا، وانتصارهم إن شاء الله انتصارنا، وهناك على مقربة منا قضية ثمانمائة ألف من صميم العرب والإسلام، وهم أهل فلسطين ورجالاتها وحرائرها وأطفالها، أخرجوا من ديارهم قهراً وغدراً، واحتل بلادهم وبيوتهم الجناة. ما غفلنا ولن نغفل عن العمل من أجلهم في كل ميدان كريم، حتى يعودوا إلى أوطانهم، وترد إليهم كرامتهم. وفي جنوب الجزيرة يتابع البغي جرائمه، وتتحد جهودنا مع جهود إخواننا في جامعة الدول العربية وسواها؛ لكف الأذى، ودفع الضر عن بلد هو منا ونحن منه، وقضيته هي من قضايانا الأولى.

          هذا أهم ما نعالجه من شؤون العالم العربي، إلى جانب مناصرتنا لكل بلد إسلامي ولكل دعوة إسلامية صالحة، نخدم بها الإسلام كما نخدم العروبة، ونسعى جادين إلى ما يوحد بين قلوب الجميع.

أيها المسلمون حجاج بيت الله
          
منذ وضعت نصب عيني كتاب الله وسنة نبيه ما عرف قلبي معنى من معاني اليأس، سأعمل بمشيئة الله ـ كما سبق أن عملت ـ لخدمة الإسلام والعروبة، ولتوحيد كلمة المسلمين، ولقد قال الله تعالى:
ومن يقنط من رحمة ربه إلاَّ الضالون وقال تعالى: ولا تيأسوا من روح الله. جعله الله حجاً مبروراً، وسعياً مشكوراً، وأعادكم إلى دياركم سالمين، والسلام عليكم ورحمة الله.