إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء

 



خطاب الملك سعود إلى شعبه بمناسبة الذكرى العاشرة لجلوسه على العرش
(أم القرى العدد 1996 في 28 جمادى الثانية 1383 الموافق 15 نوفمبر 1963)

شعبنا العزيز
          إنه لمن دواعي سرورنا وغبطتنا أن نتحدث إليكم في هذا اليوم، الذي تحل فيه الذكرى العاشرة لتسلمنا مقاليد الأمور ففي تاريخ الأمم والشعوب مناسبات وأحداث يرسم لها الطريق، وتوضح المعالم، وفي خط سيرها نحو إدراك أمجادها وتحقيق أهدافها، ومن الجدير بكل أمة ناهضة أن تستذكر في هذه المناسبات ما قطعت من أشواط، تحققت من مراحل، وأن تستعرض ما أصابت من نجاح، وما صادفت من عقبات في سيرها الدائب نحو أداء رسالتها، وتتخذ من تجارب ماضيها عظة وعبرة لمستقبلها، وتستمد منها طاقة متجددة في منطلقها نحو أهدافها.

          وخير ما نستهل به الحديث حمد الله على أنعمه التي لا تحصى، ثم الصلاة والسلام على نبيه محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ ولقد كان من فضل الله أن منَّ علينا بنعمة الصحة والعافية، وأعادنا إلى وطننا العزيز وشعبنا الوفي متعافين سالمين؛ لنتابع رسالتنا في خدمة الدين والوطن فلله الحمد والمنة، وإننا لنستمطر شآبيب الرحمة على مجدد أمجادنا، ومنشئ نهضتنا، الوالد العزيز جلالة الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل فيصل جعل الله مثواه جنات نعيم.

أبناء وطننا الأوفياء
          إننا منذ أن شاءت العناية الإلهية والبيعة العامة أن تؤول إلينا مقاليد الأمور، ما زلنا عاملين على تصريف شؤون البلاد مهتدين بكتاب الله وسنة رسوله والسلف الصالح، فهل هناك مبادئ ندين بها في علاقاتنا، وتحكم سلوكنا أسمى من الإسلام، الذي يمثل الحق والعدل في أروع صورهما؟ فنحن نتبع خطى منشئ المملكة جلالة الملك عبد العزيز، رحمه الله، في إعلاء كلمة الحق والدين، ونشر ألوية العدل بين الناس، وتحقيق الأمن والاستقرار لهم، وتهيئة أسباب الرفاهية والتقدم للبلاد في كافة الميادين. ولقد كان من ثمار هذه السياسة أن أنجزت الدولة في السنوات العشر الماضية العديد من المشروعات الدفاعية والثقافية والعمرانية والصحية والزراعية والاجتماعية، التي عاد نفعها على جماهير الشعب، وأدت إلى رفع مستواه الصحي والثقافي والاجتماعي ولم تزل الدولة عاملة على الاستكثار من هذه المشروعات، مستهدفة النهوض بالبلاد وشعبها والسير بهما حثيثاً نحو مدارج التقدم والعمران. والحق أن بلادنا العزيزة لا تسير في مدارج التقدم والرقي سيراً حثيثاً فحسب، وإنما هي تقفز قفزات واسعة جبارة، وكأنها في سباق حضاري مع الزمن ونظراً لما للأماكن المقدسة في مكة المكرمة، والمدينة المنورة، في قلوبنا، وقلوب المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، فقد عنيت الدولة بالنهوض بها، وحرصت على عمارتها؛ لتعود مبعث النور كما كانت في أيام السلف الصالح، مصدر البر والهداية، فأقامت فيها من المشروعات والعمارة ما تظهر آثاره بادية للعيان، ونحن ماضون في تنفيذ المزيد من هذه المشروعات والاستكثار منها، حتى تصبح مرافق الأماكن المقدسة في مظهرها، وفي توفر أسباب أداء الفريضة والزيارة جديرة بما لها من معنى روحي راسخ لدى المسلمين باق على الزمان. واستهدافاً لنفس الغاية تم الاتفاق مع البلدين الشقيقين المملكة الأردنية الهاشمية، والجمهورية العربية السورية، على إعادة تسيير خط سكة الحديد الحجازي تيسيراً للحجاج، وتنشيطاً للحركة التجارية.

          شعبنا الوفي: إن هذه البلاد الإسلامية تحرص كل الحرص على توثيق أواصر المحبة والتعاون مع كافة الشعوب، خاصة البلاد الإسلامية في جميع أرجاء المعمورة، وفي كافة المجالات التي تخدم مصلحة الدين والدنيا. ولهذه الغاية اقتضينا كل وسيلة للاستكثار من الروابط مع تلك البلاد والشعوب، وتعاونت بلادنا وإياها على حل مشاكلها، وإدراك أمانيها وآمالها القومية ما استطاعت إلى ذلك سبيلاً. كما عملت على توطيد العلاقات الروحية والثقافية والاقتصادية بينها وبين المملكة العربية السعودية. وتبادلت معها البعثات التمثيلية، وأوفدت إليها، واستقبلت منها الوفود، فساهمت في إنشاء رابطة العالم الإسلامي سبيلاً لدعم هذه العلاقات، وكشفاً عن مجالات جديدة للتعاون المثمر للخير المشترك، ثم أنشأت الجامعة الإسلامية في مدينة الرسول الكريم، صلى الله عليه وسلم، وفتحت أبوابها لشباب البلاد الإسلامية من كل حدب وصوب، وسيلة لبلوغ المستوى اللائق في علوم الدين الحنيف، والتفقه في العلوم العربية، والحضارة الإسلامية ولم تزل حكومتنا ماضية في هذا السبيل، غير مدخرة أي جهد، ولا ضانة بأية تضحية إدراكاً للغاية المنشودة.

          شعبنا العزيز: إنه منذ قيام الدولة العربية السعودية قد أخذت حكومتنا في دعم علاقاتها بدول العالم العربي، وحرصت على زياداتها نمواً وتثبيتاً في جميع المجالات وكانت هذه البلاد حكومة وشعباً تواكب في كثير من العطف والتأييد الإيجابيين سير النهضة العربية نحو استكمال أسباب مقوماتها ولقد تعاونا مع الحكومات والشعوب العربية تعاوناً صادقاً بناء في جميع الميادين، على أساس المصالح المتبادلة في إطار احترام استقلال وسيادة كل دولة ونظامها الاجتماعي والسياسي، وساهمنا في أعمال جامعة الدول العربية سبيلاً لنمو هذا التعاون، وتعميق أسبابه، وتبادلنا الزيارات مع كثير من رؤساء الدول العربية، وعقدنا العديد من المعاهدات مع الدول العربية استهدافاً لهذه الغاية، ثم ساهمنا في نطاق الجامعة العربية والأمم المتحدة على تحقيق أهداف الشعوب العربية المكافحة لنيل حريتها واستقلالها، ولم ندخر أي وسع في مساندة إخواننا العرب في كل كريهة نزلت بهم، ورد كل عدوان تعرضوا له، متحملين التضحيات عن طيب نفس صدوراً عن شعورنا العميق بوحدة آلام وآمال ومصائر الأمة العربية، ولقد التزمنا دوماً بسياسة عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية، ونظم الحكم فيها، وما طرأ عليها من تغيرات، باعتبار أن هذه الشؤون هي من صميم حقوق الشعوب وحدها، فهي دون غيرها صاحبة الكلمة الأخيرة في تقرير مصيرها على هدى مصالحها، وإننا لنأسف أشد الأسف والألم يحز في نفوسنا لما أصاب العلاقات العربية في الآونة الأخيرة من ترد وسوء حال؛ لدرجة أن العربي أخذ يقتتل مع أخيه العربي، وأن الدماء العربية الذكية أخذت تسيل في أكثر من مكان في الوطن العربي؛ مما صدع الجبهة العربية، وباعد بينها وبين تحقيق أمانيها في وحدتها المنشودة، وآمالها في العزة والمنعة، ولقد عملنا منذ وقوع أحداث اليمن في العام الماضي على حقن الدماء بين الأخوة الأشقاء، وكان موقفنا من هذه الأحداث أنها من صميم الشؤون الداخلية التي تهم شعب اليمن وحده، وقد شجبنا كل تدخل خارجي في شؤون اليمن من أي مصدر آت، وتمسكنا بضرورة وقف هذا التدخل، منبهين للأخطار التي ينطوي عليها تفاقم الموقف في اليمن نتيجة لوصول السلاح والعتاد والمقاتلين من الخارج بكميات كبيرة. وقد تعرضت بعض أجزاء بلادنا للعدوان بسبب موقفنا هذا، ولما عقد اتفاق لفض الارتباط منذ حوالي ستة شهور. التزمت حكومتنا بأحكامه، ولكنه لم يحترم من الجانب الآخر الذي وقعه. ورغبة منافي وضع حد لهذه الحالة الخطيرة، ولوقف إراقة دماء الأشقاء الأعزاء علينا فقد وافقت حكومتنا أخيراً على تمديد هذا الاتفاق لفترة شهرين آخرين، استهدافاً لوقف الدخل الخارجي في شؤون اليمن، وترك اليمنيين  يسوون خلافاتهم الداخلية بأنفسهم، ويقررون نظام الحكم الذي يرتضونه بمحض اختيارهم، دون أي مؤثر خارجي، وسعياً لتحقيق الأمن والسلام في المنطقة، وهي الأمنية التي عملت حكومتنا ولا تزال تعمل جاهدة لتحقيقها. وإننا لنناشد اخوتنا قادة العالم العربي أن يفضوا خلافاتهم، وأن يعملوا على لم شملهم، ورأب صدعهم، وافتتاح عهد جديد من التعاون والمخلص، والتكافل النزيه، والتعاضد الحق المستمد من التراث الإسلامي الخالد، الذي توارثه أهل الحق، والنابع من فطرة الله التي فطر الناس عليها. وإننا لنمد يد المحبة والإخاء لإخواننا العرب في كل مكان؛ للتعاون وإياهم على ما فيه خير الأمة العربية.

          أبناء شعبنا الأعزاء: لقد كانت علاقاتنا مع دول العالم الأخرى في السنين الماضية مستوحاة من رغبتنا الصادقة في التعاون المثمر، وفي دعم قضية السلام العالمي، ووقف تسابق التسلح، وفض الخلافات بين الدول بالطرق السلمية. إننا لننادي ببذل الأموال المبددة في التسلح، وحرب الأثير والدعايات الهدامة المغرضة في مكافحة البؤس والفقر والجهل والتخلف.

          إننا نكافح الاستعمار بشكليه القديم والجديد، ونتمسك بحق الشعوب الطبيعي في تقرير مصيرها. إننا ندعو إلى التعاون المتكافئ المثمر البناء، وتقوية الهيئات والمنظمات الدولية التي تعمل لدعم السلام، ورفاه بني الإنسان. نحن ندعو لنبذ المادية الجامحة التي طغت على البشرية، والعودة إلى القيم الروحية السامية، والاحتكام إلى موازين العدل والحق. والمساواة في علاقات الشعوب سبيلاً إلى رفاهيتهم وسعادتهم، وتعايشهم السلمي الأخوي. وإنه ليطيب لنا في هذه المناسبة التفاؤل بعقد معاهدة حظر التجارب النووية الجزئية، ونعتبرها دليل تغلب الحكمة والتقدير السليم، ونرجو أن تكون مؤذنة باستمرار تحسن الجو الدولي، وبافتتاح عهد جديد من التعاون الخالص بين الشعوب؛ لمصلحة بني البشر أجمعين، ولقد استأنفت حكومتنا العلاقات الدبلوماسية مع كل من المملكة المتحدة وفرنسا بعد أن زالت الأسباب التي كانت قد أدت لقطع هذه العلاقات، وخالص ما نرجوه أن يكون استئناف هذه العلاقات بشيراً بافتتاح عهد جديد من التعاون المثمر المتكافئ بين بلادنا وبين هاتين الدولتين، للخير المشترك ولدعم السلام العالي. إننا لم نزل نولي قضية البريمي والمناطق المتنازع عليها كل اهتمامنا، والأمل وطيد في أن تسفر المساعي المبذولة في نطاق الأمم المتحدة عن حل مرض لهذه القضية يعيد الحق إلى نصابه، وإنا لنذكر في هذا اليوم إخواننا عرب فلسطين وما وقع عليهم من بغي وعدوان بانتزاع وطنهم منهم، وسلب أموالهم، وانتهاك مقدساتهم، وتشتيتهم في الأرض ظلماً وعدواناً، وعلى مرأى ومسمع من دول العالم والمنظمات الدولية. وعرب فلسطين ممن وفدوا إلى هذه البلاد يعيشون فيها أعزاء مكرمين، لا فرق بينهم وبين السعوديين، ونحن نتمسك بحق عرب فلسطين في وطنهم، واسترداده وإزالة الظلم والعدوان الواقع عليهم، وتعويضهم عما فقدوه. ولن يهدأ لنا بال حتى تحل قضيتهم حلاً عادلاً، يعيد الحق إلى نصابه، والأمن والسلام إلى المنطقة. إن لنا أخوة في عمان يجاهدون لنيل حقهم في تقرير مصيرهم. ولقد نادينا، ولا زلنا ننادي بالاعتراف بهم بحقوقهم الشرعية، ونزولاً على حكم الواقع، وإقراراً بما كفلته لهم المبادئ الدولية من حقوق.

          أبناء شعبنا الأوفياء: إننا إذ نحمد الله على ما وفقنا إليه في السنوات العشر الماضية من خدمة رسالة الدين، وإشاعة العدل بين الناس، والتزام الحق. لنضرع إلى الله تعالى أن يهبنا من الصحة والعافية ما يعيننا على متابعة رسالتنا؛ لخير شعبنا الوفي، وأمتنا العزيزة، وتحقيق المزيد من الخير والرفاهية. وجرياً على عادتنا السنوية في مثل هذه المناسبة فقد أمرنا بإخلاء المسجونين الذين سجنوا بسبب العجز عن الوفاء بدين أو دية، وسوف نتحمل دفع المبالغ المطالبين بها. ونظراً لأن السجن تهذيب للنفوس فقد أمرنا كذلك بإطلاق سراح المسجونين عن جرائم بسيطة، نسأل الله أن يوفقنا لما فيه خدمة بلادنا وشعبنا.

          والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.