إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء

 



تابع الملحق الرقم (5)

ج. رسالة من الإمام سعود بن عبدالعزيز بن محمد

إلى يوسف باشا والي الشام(*)

بسم الله الرحمن الرحيم

من الموهب لله إلى يوسف باشا حاكم الشام وطرابلس، السلام التام والتحية والإكرام تهدى إلى سيد الأنام محمد عليه أفضل الصلوات والسلام، وبعد ننهي إلى جناب المكرم والحبيب المحترم يوسف باشا، بلغه الله من الخير ما شاء، فقد وصل إلينا كتابكم، وفهمنا ما حواه خطابكم، مع صحبة الركب القادمين إلى بيت الله الحرام، إذ وصلوا بالسلام، وحصل لهم ما أرادوا من مشاهدة تلك الأماكن العظام، وقضوا المناسك، وبلغوا المرام، ووقع لهم منا ما شاؤوا من حسن الرعاية والاحترام، وعاملناهم بما استحقوه من الإكرام، وتأملوا ما نحن فيه من إقامة الشرائع الدينية، وإحياء السنن النبوية، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله.

لقد جاءت رسل ربنا بالحق، وكنا قبل منة الله علينا في هذا الدين، في غاية الجهل والضلال المبين، فهدانا الله إلى دين الإسلام فأنقذنا به من الضلالة، وأبصرنا من العماية، وجمعنا بعد الفرقة، وأزال به الشرك والفساد، ومكّن دينه وأظهره في العباد والبلاد، وأعاننا على إقامة العدل في جميع رعايانا الحاضر منهم والباد، وأزال الظلم من بينهم والفساد، ومنَّ الله علينا في إقامة العدل في الرعية حتى صاروا والحمد لله على الحق بالسوية، فاطمأنت البلاد، وأمنت السبل من الظلم والفساد، فالحمد لله على ما أولانا والشكر لله على ما أعطانا.

وقد بلغكم ما نحن عليه، وندعو الناس إليه، ولكن ربما يقع من نقل الأخبار زيادة ونقصان، فنذكر لكم الآن حقيقة الأمر على وجهه، لتكونوا لنا من معرفة دعوتنا على يقين، وعسى أن تكونوا لنا من المسعفين على إقامة هذا الدين.

فيقيننا الذي نحن عليه، وندعو الناس إليه هو: الإخلاص لعبادة الله وحده، ولا نذبح القربان إلا لله، ولا نرجو إلا هو، ولا نخاف إلا منه، ولا نتوكل إلا عليه، وإننا نتبع الرسول صلى الله عليه وسلم، ونوجب طاعته على جميع المكلفين، ونتسنن بسنته ونهتدي بهداية الله، ولا نعبد إلا الله وحده، ولا نتقرب إلا إليه، بما شرع على لسان رسوله ، مما دلت عليه النصوص القرآنية والسنة النبوية. وهذان الأصلان هما حقيقة شهادة أن لا إله إلا الله وشهادة أن محمداً رسول الله، ولا إله معبود إلا الله، فمن حرّف شيئاً من العبادة لغير الله فقد اتخذ إلهاً مع الله. والله سبحانه قد أرسل رسله بالدعوة إلى التوحيد كما قال الله تعالى:سورة النحل، الآية: 36 أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ . وقال تعالى:سورة الأنبياء، الآية: 25 وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُونِ . وقال تعالى:سورة الزمر، الآيتان: 2 ـ 3 فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ (2) أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ .

فالدعوة إلى التوحيد هو دين الرسل، فلا يدعى إلا الله وحده، كما قال تعالى:سورة الجن، الآية: 18 وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا . وفي الحديث عن الصادق المصدوق أن الدعاء مخ العبادة، ثم قرأ رسول الله :سورة غافر، الآية: 60 وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ .

فمن دعا غير الله، واستغاث بغيره في كشف الشدائد، وجلب الفوائد، فقد أشرك بالله، والله لا يغفر للمشرك، كما قال تعالى:سورة النساء، الآية: 48 إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ . وحكى الله تعالى عن المسيح أنه من يشرك بالله فقد حرَّم الله عليه الجنة، وقال  تعالى:سورة الرعد، الآية: 14 وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلا كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلا فِي ضَلالٍ . وقال تعالى:سورة المؤمنون، الآية: 117 وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا ءَاخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ . فمن دعا إلهاً غير الله، أو سأل ميتاً، واستغاث به في قضاء الحاجات، وتفريج الكربات، فقد اتخذ إلهاً مع ربّ الأرض والسموات، وكذلك من ذبح القربان لغير الله، أو سجد له، أو خافه خوف السراء، أو اتكل عليه، أو عبده، لأن هذه الأمور لا تصح إلا لله وحده، وقال تعالى:سورة الأنعام، الآيتان: 162 ـ 
163 قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لا شَرِيكَ لَهُ .

وقال تعالى:سورة الكوثر، الآية: 2 فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ . وقال تعالى:سورة آل عمران، الآية: 175 فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ . فالتوحيد هو أصل دين المرسلين، وأول ما ندعو الناس إليه.

من استغاث بالله وحده، وأخلص له العبادة، وعمل ما فرض عليه، فهو أخونا المسلم، له ما لنا، وعليه ما علينا.

ومن لم يصغ لذلك، بل أقام على شركه، كّفرناه وقاتلناه كما أمرنا الله بذلك بقوله:سورة الأنفال، الآية: 39 وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ .

ونأمر بإقامة الصلاة، في أوقاتها بأركانها وأحيانها، ونلزم جميع رعايانا ومن هو تحت طاعتنا بذلك، ونأمرهم بإيتاء الزكاة وصرفها في مصارفها الشرعية المذكورة في سورة (براءة)، وبصيام رمضان، وحج بيت الله الحرام، ونأمرهم أن يعرفوا فضل الله ومنّته ومعروفه، وننهى عن المنكر من الزنا والسرقة، وشرب الخمر، والحشيشة وما يشاكلها، وأكل أموال الناس بالباطل، ونأخذ الحق من القوي للضعيف، وننصف المظلوم من الظالم، وننهى عن سائر المنكرات، ونزيل البدع السيئات المحدثات.

ونحن في الاعتقاد على عقيدة السلف الصالح من الصحابة وتابعيهم، نعبد الله، ونقدسه بما وصف به نفسه في كتابه وعلى لسان رسوله، من غير تشبيه ولا تمثيل ولا تحريف ولا تعطيل، ونثبت لله ما أثبت لنفسه من الصفات، وننفي عنه مشابهة المخلوقات. ولا نكفر أحداً من أهل الإسلام بذنب، ولا نكفر بالله ورسوله، إلا من أشرك بالله، وسأل من غير الله قضاء الحاجات، وتفريج الكربات، وإغاثة اللهفات، ولا نقاتل إلا من أمر الله بقتاله من المشركين، ومن ترك شرائع الدين، قال تعالى:سورة التوبة، الآية: 5 فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ ، وقال تعالى:سورة التوبة، الآية: 11 فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَءَاتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ .

وثبت في الصحيحين عن النبي قال: أُمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم وحسابهم على الله، فعلق رسول الله العصمة على الشهادتين، اللتين هما أصل دين الإسلام وعلى إقامة الفرائض، من الصلاة والزكاة، ومن لم يفعل ذلك لم يعصم دمه وماله، ومن فعل ذلك فهو مسلم لله، له ما للمسلمين.

فهذا الذي ذكرناه هو حقيقة ما نحن عليه، وندعو الناس إليه، ونحمد الذي هدانا لهذا الدين، ومتعنا باقتفاء أثر سيد المرسلين، وأنت في حفظ الله وأمانه، آمين .


(*) د.منير العجلاني، تاريخ البلاد العربية السعودية، الجزء الثالث، عهد الإمام سعود الكبير، ص214-217، نقلاً عن (تاريخ جودت) باللغة التركية.