إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء

 



تابع الملحق الرقم (5)

ح. من سعود بن عبدالعزيز إلى عامة المسلمين(*)

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي هدانا للإسلام، وأرضانا به ديناً عن سائر الأديان، ورزقنا متابعة نبيه من خلفه وخيرته من خلقه، محمد بن عبدالله سيد ولد عدنان، وجعلنا نجاهد في سبيله على بصيرة، حتى يكون الدين كله لله، ونطمس الأوثان، وله الحمد على ذلك حمداً كثيراً لا يحصي عده إنسان. وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له في ربوبيته وإلهيته وصفاته، التي لا يشبهها شيء من صفات الإنس والجان. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وأمينة على وحيه، وخيرته من خلقه، الذي اصطفاه واختاره على جميع كائن من كان. والحمد لله الذي هدانا لهذا، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله. لقد جاءت رسل ربنا بالحق، صلوات الله وسلامه عليهم، في كل وقت وزمان، وسبحان الله وبحمده، عدد خلقه، وزنة عرشه، ورضا نفسه، ومداد كلماته، وملء سماواته، والله أكبر كبيراً، وأعلى قدراً وشأناً، ولا إله إلا الله، مخلصين له الدين ولو كره المشركون، من أهل الشرك والأوثان، وأستغفر الله، وأتوب إليه من جميع الذنوب والخطأ والنسيان.

من سعود بن عبدالعزيز إلى من يراه من المسلمين سلمهم الله من الآفات، ووقاهم جميع المهمات، وهداهم لفعل الطاعات، وجنبنا وإياهم فعل جميع المحظورات، ووسع علينا وعليهم من جميع الطيبات، وحمانا وإياهم عن الأهواء والضلالات، سلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

وبعد موجب الخط المحبة لكم، والشفقة عليكم، والنصح لكم، والمعذرة إلى الله، ووالله إني أحب لكم من الخير ما أحب لنفسي، وأكره لكم من الشر ما أكره لنفسي، وإن أعظم ما أحبه لكم، طاعة الله ورسوله، وأعظم ما أكره لكم معصية الله ورسوله، لأن طاعة الله ورسوله بها حصول خير الدنيا والآخرة، ومعصية الله ورسوله، بها زوال الدنيا والآخرة، ولله، جل جلاله، وتقدست أسماؤه، أعظم النعم علينا وعليكم، كما قال جل من قال:سورة لقمان، الآية: 20 وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً  ولا نقدر نعد ما أنعم به من جلب كل خير، ودفع كل شر،سورة إبراهيم، الآية: 34 وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا . وكل نعمة يجب فيها شكر، وكل شكر يحصل به المزيد، وعدم الشكر يوجب ضده وكفر للنعم. ويحصل بكفر النعمة، العذاب الشديد، أعاذنا الله وإياكم من ذلك.

ولا ننصحكم وننصح أنفسنا بأعظم من نصائح رب السموات والأرض، التي ذكر في كتابه حيث قال جل من قال:سورة إبراهيم، الآية: 7 وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ . وقال حاكياً عن عبده موسى عليه السلام:سورة إبراهيم، الآية: 8 إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الأَرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ . وقال:سورة الذاريات، الآية: 55 وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ وقال:سورة الأعلى، الآيات: 10 ـ 12 سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى(10) وَيَتَجَنَّبُهَا الأَشْقَى (11) الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى . فنذكركم ما ذكر الله به خير خلقه، بعد نبيهم ، حيث قال:سورة الأنفال، الآية: 26 وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ . وقال:سورة آل عمران، الآية: 102 يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ  فذكر الآيات إلى قوله:سورة آل عمران، الآية: 105 وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ .

واعلموا أن أوثق عرى الإيمان، الحب في الله، والبغض في الله، كما ورد في الحديث: من أحب في الله، وأبغض في الله، ووالى في الله، فإنما تنال ولاية الله بذلك ولن يذوق عبد طعم الإيمان وإن كثرت صلاته وصومه حتى يكون كذلك. وقال تعالى:سورة الممتحنة، الآية: 4 قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ . وقال تعالى:سورة المجادلة، الآية: 22 لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا ءَابَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ . وقال تعالى:سورة هود، الآية: 113 وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ . وقال تعالى:سورة المائدة، الآية: 51 يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ .

واعلموا أن أعظم الخير أداء الفرائض وترك المحرمات، قال تعالى:سورة النور، الآية: 55 وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ إلى قوله:سورة النور، الآية: 56 وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَءَاتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُون . وفي الحديث ما تقرب إليَّ عبدي بشيء أحب إليَّ مما افترضه عليه ولا يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه، وما ترددت عن شيء أنا فاعله، ترددي عن قبض نفس عبدي المؤمن، يكره الموت وأكره مساءته ولا بد له منه.

وأعظم الفرائض بعد التوحيد الصلوات الخمس على مواقيتها، ولا يحصي ما في القرآن من الأمر بالصلاة والمحافظة عليها وإقامتها، فإن إقامة الصلاة غير كيفية الصلاة قال تعالى:سورة المزمل، الآية: 20 وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَءَاتُوا الزَّكَاةَ . في غير موضع من القرآن وقال في الذين لم يقيموا الصلاة:سورة الماعون، الآيتان: 4 ـ 5 فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ . وقال تعالى :سورة مريم، الآيتان: 59 ـ 60 فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا (59) إِلا مَنْ تَابَ وَءَامَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئًا . وللصلاة شروط وأركان وواجبات وسنن لا تتم الصلاة على الوجه  المشرع إلا بها، وترون فعل كثير من الناس في الصلاة وعدم المحافظة عليها، وتضييع الجماعة أمر عظيم، نسأل الله لنا ولكم العافية.   

ثم بعد الصلاة أختها ولقرينتها في القرآن: الزكاة، واستحوذ الشيطان على كثير من الناس، وصار أناس كثير، أهل أموال، لا يزكون، ويدّعون أنه ما عندهم شيء، وهم كاذبون، وقد يكون أن الله ينزعه عنهم، ويقال وجبت ويحرمونه في الدنيا، ويعذبونه في الآخرة، كما قال تعالى:سورة التوبة، الآية: 34 وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ . وفي الحديث أن المال الذي لا تؤدى زكاته يصفّح صفائح من نار لصاحبه، وتمثل له شجاعاً أقرع يأخذ بلهزمتيه، أو كما قال ...

ومن الناس من يؤدي القليل من الكثير، ومنهم من يجعل زكاته وقاية لماله في النوائب وغيرها. وأكبر من هذا وأطم، الذين يحلون ما حرم الله بالتأويل الفاسد، الذي درجهم عليه الشيطان، حتى يقعوا فيما ذكر: من استحل محرما فقد كفر، واستحلوا ما حرم الله بأدنى الحيل، والشيطان عدو بني آدم، ولا يسأم بما حصل به ورودهم النار من باب كان، ومما أدرك الشيطان بخس المكيال والميزان، والله جل جلاله قال في كتابه:سورة المطففين، الآيات: 1 ـ 6 وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ (1) الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ (2) وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ (3) أَلا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ (4) لِيَوْمٍ عَظِيمٍ (5) يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ . وقال تعالى عن نبيه شعيب عليه السلام:سورة هود، الآية: 85 وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلا تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مفْسِديِن . وبخس المكيال أو الميزان من فعل الأمم المعذبين.  

ومن ذلك التجسس(*) على كثير من أنواع الربا في المعاملات، وترديد الدين في الذمم، على الذين ليس عندهم وفاء، ويردد الدين بنفسه زاداً بزاد، وغير ذلك من أنواع الربا، ولو في المصارفة وشراء الفضة بالفضة وغير ذلك، والله تعالى قال:سورة البقرة، الآية: 268 يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ ، وقال:سورة البقرة، الآية: 275 الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَس يبعثون من قبورهم مثل المجانين. وقال:سورة البقرة، الآيتان: 278 ـ 
279 يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (278) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ .

ومن ذلك طلب المعسر وعدم إنظاره، والله تعالى يقول:سورة البقرة، الآية: 280 وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ . ومن ذلك مطل الغني، الحقَّ الذي عليه، لغني كان أو لفقير أو لأجير وغير ذلك، كما قيل: في إنظار المعسر أجر عظيم ومطل الغني ظلم عظيم.  

ومن ذلك حق المرأة واليتيم: فاليتيم، قال الله تعالى:سورة النساء، الآية: 10 الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا . وكثير من الناس والعياذ بالله ما يتورب عن مال اليتيم، وأكثر ما يأكل أموال اليتامى الضعفاء، جمعوا بين الخيانة في الأمانة، وأكل أموال اليتامى ظلماً. وحق المرأة ما كان لها من حقوق واجبة من صداق ونفقة، وأخطر ما يكون فعل كثير من الناس، إذا أقفى عن المرأة، منع حقوقها وقد يتحيل عليها، بما يضيق عليها، لعلها تخلى له، وهذا أمر منكر، ولا يبرأ من حقوقها على هذه الحال، إذا عضلها، قال الله تعالى:سورة النساء، الآية: 19 وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا ءَاتَيْتُمُوهُنَّ  وكذلك إخراجها من البيت، إذا كانت مطلقة، قبل انقضاء عدتها، فإنه لا يحلٌ له ولا يحل لها، قال تعالى:سورة الطلاق، الآية: 1 لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ . ومن أكبر البلوى وأعظم الدواهي: الإعراض عن كتاب الله وسنة رسوله، وعدم التعاون على البر والتقوى، وعدم إنكار المنكر، قال الله تعالى:سورة المائدة، الآية: 79 كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ . وقال تعالى:سورة المائدة، الآية: 69 لَوْلا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ . والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر فريضة، وهو سبب النجاة، قال الله تعالى في الذين احتالوا على الصيد:سورة الأعراف، الآية: 165 فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ . وأنتم تعرفون مع كونه فريضة، أنه مؤكد على رقابكم، بعد، لا بد أن يسألكم الله عنه، فالحذر الحذر من سخط الله وسطوته.

واعلموا أن الله تبارك وتعالى يمتحن عباده ويبلوهم بالخير والشر كما قال تعالى:سورة الأنبياء، الآية: 35 وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ . فالنعم غربال يختبر عباده فيها بالشكر، والمصائب غربال ويختبرنا فيها بالصبر كما قال تعالى:سورة إبراهيم، الآية: 5 إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍسورة المؤمنون، الآية: 30 وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ . فمن رزق الشكر عند الرخاء، والصبر عند البلاء، فهو عنوان سعادته، ومن صار بالضد، يبغي ويبطر مع الرخاء والنعيم، ويسخط ويجزع مع الامتحان والنقم فهذا عنوان شقاوته، أعاذنا الله وإياكم من غضبه وموجبات غضبه. والله أنعم علينا وعليكم بالنعمة والسعة والنصر والظهور والمدافعة، كما قال تعالى:سورة المائدة، الآية: 11 يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ . ولا نقدر نعدّ ولا نحصي كم كفً الله عنا أيدي أعدائنا قديماً وحديثاً، وكل عدو ينوبنا بسوء ركسه الله على أم رأسه، ولا يبني له بناء كيد إلا هدمه الله من أسه.

وكل جريرة تجر على الإسلام وأهله، تصير عاقبتها للإسلام وأهله عزاً وظهوراً، وكسراً وخذلاناً على من سعى فيها، كما أخبر الله بذلك في قوله تعالى:سورة الأنفال، الآيتان: 36 ـ 37 الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ (36) لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ .

فإذا جرت هذه الأمور صار الناس فيها درجات في الخير، ودرجات في الشر، فالمؤمنون، يقولون كما أخبر الله عن إخوانهم:سورة الأحزاب، الآية: 22 وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا . والمنافقون قالوا:سورة الأحزاب، الآية: 12 مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلا غُرُورًا  وظنوا بالله ظن السوء، قال تعالى:سورة الأحزاب، الآية: 10 وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا  سورة الفتح، الآية: 6الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا .  والمصائب ما تقع إلا بالذنوب وما يعفو الله أكثر، كما قال تعالى:سورة الشورى، الآية: 30 وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ . وأعظم ما تقع المصائب، والقحط، ومنع الغيث، وتسليط العدو، إذا وقع الخلل بما في هذه الورقة من ترك الطاعات وارتكاب المحرمات.  

ومن أكبر الكبائر بعد الشرك بالله عقوق الوالدين، وصار هذا المنكر العظيم اليوم ما ينكر ولا يعرف أنه منكر، ولا يعاب فاعله، وهذا مما عمًت به البلوى، كون المعروف يصير منكراً والمنكر معروفاً، والسنة بدعة، والبدعة سنة، وهذا من علامة لبس الحق بالباطل، كما في الدعاء: اللهم أرنا الحق حقاً ووفقنا لاتباعه، وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه ولا تجعله ملتبسا علينا فنضلً، واجعلنا للمتقين إماماً. وفي الحديث عن عبد الله بن عمر رضى الله عنهما قال: كنت عاشر عشرة رهط من المهاجرين عند رسول الله فأقبل علينا بوجهه وقال: يا معشر المهاجرين: خمس خصال،وأعوذ بالله أن تدركوهن: ما ظهرت الفاحشة في قوم حتى أعلنوا بها، إلا ابتلوا بالطواعين، والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم الذين مضوا، ولا نقص قوم المكيال والميزان، إلا ابتلوا بالسنين وشدة المؤونة، وجور السلطان. ولا منع قوم زكاة أموالهم، إلا منعوا القطر من السماء، ولولا البهائم لم يمطروا، ولا خفر قوم العهد، إلا سلط الله عليهم عدواً من غيرهم، فأخذ بعض ما في أيديهم، وما لم تعمل أمتهم بما أنزل الله في كتابه إلا جعل الله بأسهم بينهم.

ومن أكبر الأمور أن كثيراً من الناس برعم عليه الشيطان، وثقل عليه النفقة في طاعة الله، وصدق الشيطان في وعده، والله تعالى يقول:سورة البقرة، الآية: 268 الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ . وقال تعالى:سورة سبأ، الآية: 39 وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ . وقال تعالى:سورة البقرة، الآية: 261 مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ . وقال تعالى في صفة المنافقين:سورة التوبة، الآية: 54 وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلا وَهُمْ كُسَالَى وَلا يُنْفِقُونَ إِلا وَهُمْ كَارِهُونَ .سورة التوبة، الآيات: 55 ـ 57 فَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ (55) وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَمَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ (56) لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغَارَاتٍ أَوْ مُدَّخَلا لَوَلَّوْا إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ . ووصل الحد إلى أن كثيراً من الناس ما يكفيه البخل بل يأمر الناس به كما قال تعالى:سورة النساء، الآيتان: 37 ـ 38 الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا ءَاتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا (37) وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا فَسَاءَ قَرِينًا . "وصار كثير من الناس يقول "البلدان أضعفتها نفقات الجهاد"، وهذا القائل يخاف عليه من الكفر، فإنه رد قول الله تعالى:سورة سبأ الآية: 39 وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ  ولقوله:سورة البقرة، الآية: 261 مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ . ولقول النبي : ما نقص مال من صدقة ولا والله وبالله وتالله ما نقص أحد بطاعة الله، ولا نقص إلا بطاعة الشيطان، ومخالفة أمر الله ورسوله. ومن ذلك كبار الناس أكثرهم ما يمشون في الجهاد في سبيل الله، وفي الجهاد فضل، ما يحصى، ذكر الله فيه، وذكر رسول الله ، وأكثر الناس يخاف عليه من قول الله تعالى:سورة التوبة، الآية: 46 وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ . وأيضاً أن المصيبة اليوم ما تعد ذنباً ولا تستنكر، قال تعالى:سورة آل عمران، الآية: 152 وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ .

وكثير من الناس يجعل في نب من نبوب الإسلام، مع غزو في نحر عدو، أو ثغر من ثغور الإسلام، ويلقى في البلدان ولا يلقى من ينكر عليه، لا أمير ولا مأمور، وهذا من أعظم الجنايات، وأكبر المعاصي، قال الله تعالى:سورة الأنفال، الآية: 27 يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ  وهذا من أكبر الخيانة في الوديعة وغيرها. ومرادي بذكر هذا تبيين لكم، وتحذيركم من عقوبة الله، ومعذرة من الله، واستجلاب للتوبة والاستغفار، وفي الحديث: ما نزل بلاء إلا بذنب ولا رفع إلا بتوبة. وأيضاً تجددون شكر ما أنعم الله به عليكم من النصر والتأييد، فإن الشكر يحصل به ثبوت النعم والمزيد، ودفع النقم. وتوبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون لعلكم تفلحون. ومن الشكر التشمير عن الساعد في جهاد أعداء الإسلام، في العسر واليسر، والمنشط والمكره، وأنتم إن شاء الله ماشون على بركة الله، واسمه على هلال ربيع الأول إن شاء الله، والممشى ممشى احتمال ومستنفر المسلمين، و"ماشين" إن شاء الله.

وترى الممشى(*)  يبغي من يعتد له بكل آلة، وأعظمها وأهمها الزهبة(*) وما يحتاج إليه صاحب الحرب من الاستعداد الذي أمر الله به حيث قال:سورة الأنفال، الآية:60 وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ . والبواردية يحتسبون الزهبة والفتيل، واحتسبوا الصملان(*) والركاب الطيبة(*). وترى وعد "الثويرة" عندكم، سريع إن شاء الله، وارهوا بالعوامل، الفواريع والفوؤس والمساحي والمحافر، تراني أرجو أننا نهدم بها الأوثان، ونبني الثغور بأوطانهم، بحول الله وقوته، والخيل قوموا عليها، ولا يقعد منها شيْ، ولا يقول أحد ما درينا، أو ما لب لنا هذه العجلة، أو ركابنا رديّة، ونسأل الله العظيم رب العرش الكريم لنا ولكم من خير ما عنده، ونعوذ به من شر ما عندنا، ونسأله المعونة والتوفيق، لما يحب ويرضى والسلام.


(*) د. منير العجلاني، تاريخ البلاد العربية السعودية، عهد سعود الكبير، الجزء الثالث، ص250-258.

(*) التجسس، أي "المراقبة أو التدقيق".

(*) المشي، أي "الغزو"

(*) الزهبة، أي "كل ما يحتاجه المحارب من زاد وعدة حرب".

( *) لصملان، جمع مفردها "الصميل" وتعني "القربة، أو سقاء الماء".

(*) وترى "أي" في معلومكم.