إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء

 



كلمة خادم الحرمين الشريفين، الملك فهد بن عبدالعزيز،
في افتتاح الدورة الثانية لمجلس الشورى،
في 10 ربيع أول 1418، الموافق 14 يوليه 1997(*)

          "الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبيه ورسوله الأمين محمد عليه أفضل الصلاة والتسليم.

          أيها الأخوة:

          السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

          فإن من سروري واغتباطي، أن أفتتح الدورة الثانية من دورات مجلس الشورى، مبتدئاً أولاً "بسم الله الرحمن الرحيم"، وراجياً منه، جل وعلا، أن يأخذ بأيدينا جميعاً إلى سبل الهدى والرشاد، وأن يوفقنا لخدمة دينه الحنيف، ثم خدمة وطننا الغالي، وأبنائه الأعزاء.

          أيها الأخوة:

          إن نِعَم الله علينا في هذه البلاد، أكثر من أن تحصى، وأعظم هذه النعم، ما مَنّ الله به علينا من نعمة الإسلام، وما وفقنا إليه من خدمة بيته الحرام، ومسجد نبيه ورسوله خير الأنام.

          لقد قامت هذه الدولة، منذ عهودها الأُوَل، على منهاج واضح، ومسيرة رائدة، حيث اتبعت عبر كل مراحل تاريخها شريعة الله، ورسالة نبيه الأمين، وسيرة السّلف الصالح. فاجتمع بهذا شمل الأمة، وتوحدت كلمتها، وتآلفت قلوبها، فأصبح أبناؤها إخواناً، تجمعهم روابط المحبة.

          لقد بَيَّنَتْ هذه الشريعة في أحكامها ومقاصدها، حقوق الله تجاه عباده، وحقوق عباده فيما بينهم فيما يحتاجونه في حياتهم، ومختلف أمورهم. أَمَرَتْ بالعدل، وحَرَّمت الظلم، وكفلت للإنسان كل حقوقه، وحفظت له كرامته. فهو لا يحتاج إلاّ إلى فهم هذه الشريعة، والالتزام بها في سلوكه، اتباعاً لقول الله تعالى:سورة الأنعام، الآية 153 وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون. وقوله تعالى:سورة الجاثية، الآية 18ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الأمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ. واتباعاً لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:وردت في هذا الحديث في مسند أحمد وفي سنن ابن ماجة برواية نصها:``قَدْ تَرَكْتُكُمْ عَلَى الْبَيْضَاءِ لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا لا يَزِيغُ عَنْهَا بَعْدِي إِلاّ هَالِكٌ``. مسند أحمد الحديث الرقم: 16519؛ وسنن ابن ماجة، الحديث الرقم: 43. تركتكم على المحجة البيضاء، ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلاّ هالك.

          أيها الأخوة

          واستمراراً للمنهج القويم، الذي قامت ونشأت عليه هذه الدولة، منذ عهودها الأُوَلْ، أقام والد الجميع الملك عبدالعزيز ـ رحمه الله ـ هذا الكيان الشامخ، وتغلَّب ـ بعون الله ـ على الصعاب والعقبات، متسلحاً بإيمانه بالله، وقائماً بتطبيق شريعته، بعزيمة صادقة، وحب مطلق لبلاده وشعبه، فأعانه الله ونصره، وتحقق له ما أراد. فكان هذا الكيان الشامخ. الذي نعيش فيه، وننعم فيه بالأمن والاستقرار ورخاء العيش. فلا يَسعنا إلاّ أن ندعو الله عز وجل، أن يجزيه خير الجزاء، وأن يوفقنا جميعاً لخدمة هذا الكيان، والحفاظ عليه، ليبقى حصناً منيعاً لشرعه، وموئلاً للأمن والرخاء، ومثالاً للمجتمع الصالح.

          لقد جعل ـ رحمه الله ـ مبدأ الشورى قاعدة في تدبير شؤون هذه البلاد، اتباعاً لقول الله تعالى: وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ وقوله تعالى في وصف المؤمنين:سورة الشورى، الآية 38 وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُون وقد استمر العمل بهذا النهج في هذه البلاد، سواء من خلال مجلس الشورى، الذي أُنشئ منذ أن تأسست الدولة، أو من خلال الأبواب المفتوحة، والعلاقة القائمة بين المواطنين، وولاة أمرهم، في إطار المحبة المتبادلة.

          وبعد ذلك، صدر النظام الأساسي للحكم، ثم نظام مجلس الشورى، فنظام المناطق، فنظام مجلس الوزراء. وكل هذه الأنظمة جاءت صياغة لأمر واقع، وتطويراً متتابعاً لوضع قائم.

          إن مجلس الشورى، الذي نفتتح اليوم دورته الثانية، أصبح تجربة ناجحة بكل المقاييس، فقد حقق في دورته الأولى الكثير من الإنجازات في مجال اختصاصاته، إضافة إلى ما قام به من الاتصالات، وتبادل الزيارات مع العديد من المجالس التنظيمية، في الدول الأخرى.

          لقد كانت مسيرتنا، ولا تزال، والحمد الله موفقة، وما كان هذا ليتحقق لولا عون الله، ثم تطبيق مبدأ الشورى، وتنظيم العلاقة بين المواطنين، وولاة أمرهم.

          وقد أكدت تجربة الدورة السابقة، أهمية زيادة أعضاء المجلس إلى تسعين عضواً، من المؤهلين بالعمل والتجربة، والاستعداد لخدمة دينهم وبلادهم، والعمل على المزيد من تنميتها، في مختلف المجلات.

          أيها الأخوة:

          إن بلادنا ـ ولله الحمد ـ تتمتع بكل الإمكانات والطاقات. فهي أولاً قوية وغنية بتمسكها بعقيدتها، وتحكيمها لشرع الله في كل أمورها، ثم هي قوية وغنية برجالها المخلصين، وبما أنعم الله به عليها من الثروات الطبيعية. وقد استغلت وسخرت هذه الثروات، لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية في كل أنحاء البلاد.

          ومن جملة ما قامت به، توسعة بيت الله الحرام، ومسجد رسوله عليه الصلاة والسلام، وخدمتهما، واعتنت بكافة المشاعر المقدسة، على نحو ما تعرفونه وتشاهدونه، مما سهل لإخواننا الحجاج والمعتمرين والزوار، أداء نُسُكِهِم بكل الراحة والاطمئنان. وفي مجال التنمية، دأبت حكومة المملكة العربية السعودية على وضع الخطط الشاملة، التي ركّزت على تأهيل الإنسان السعودي، في مختلف المجالات العلمية والمهنية.

          ففي مجال التعليم، أصبحت بلادنا من بين الدول الرائدة في هذا المجال. فالمدارس والجامعات والكليات والمعاهد الفنية، المنتشرة في أرجاء المملكة، تُخرِّج كل سنة آلاف الرجال والنساء، الذين يخدمون دينهم ووطنهم في صمت وإخلاص. وسيبقى ـ بإذن الله ـ مجال التعليم وتطويره أحد الركائز الأساسية في تنمية بلادنا، وتوكيد دورها الحضاري والعملي. وهذا ينطبق على التنمية في مجالات الرعاية الصحية، والإنسانية، والضمان الاجتماعي، وغير ذلك من الخدمات المختلفة.

          وفي مجال الصناعة، تمكّن القطاع الخاص من النمو بشكل مضطرد. وبالدعم المتواصل من الدولة، أصبح قادراً على المشاركة الفعاّلة في النهضة التنموية، التي تعيشها بلادنا. فتم إنشاء العديد من المصانع، المنتجة لآلاف السلع الضرورية والكمالية، مما هو مشاهد ومحسوس.

          وفي مجال الزراعة، أصبحت بلادنا تنتج الكثير من حاجياتها، من الحبوب والفواكه والخضروات. كما توفر كميات ضخمة من المياه المحلاة، التي لا تقتصر على سقيا المدن والقرى فحسب، بل تصل إلى الأماكن النائية والمناطق الجبلية، رغم كل العوائق الطبيعية، والتكاليف المالية الباهظة.

          ولست هنا في مجال التعداد والإحصاء، لما قامت به الدولة في زمن وجيز. فقد تعودنا في هذه البلاد عبر تاريخها، أن نجعل الأفعال تسبق الأقوال، وأن نقلل في أعيننا ما هو كثير من أعمالنا، وأن نعمل على زيادة ما هو قليل. ولا شك أن استمرار تنميتنا، ونمو اقتصادنا، يعتمد أولاً على توفيق الله، ثم على شباب بلادنا، الذين نتطلع إلى جهودهم ومشاركتهم في خدمة وطنهم. ونرجو الله تعالى، أن يجعل كل خطوة من خطواتنا مبنية على إخلاص النية لله، والدعاء إليه ـ عز وجل ـ أن يجعل عملنا خالصاً لوجهه الكريم، وأن يوفقنا في عملنا.

          أيها الأخوة:

          إن بلادنا تتميز دائماً في علاقاتها الخارجية، بالحفاظ على روابط الأخوة والمحبة، بيننا وبين إخواننا، والعلاقة الطبية مع أصدقائنا. فنحن دائماً نعمل على توحيد الكلمة، ووحدة الصف، والدفاع عن القضايا الإسلامية، وفي مقدمتها قضية الشعب الفلسطيني الشقيق، وحقه في أرضه وممارسة حقوقه المشروعة، وإنّ من أهم القضايا، التي نواجهها قضية مدينة القدس، وحق أهلها الشرعيين فيها. وقد أكدنا دائماً الموقف الثابت لهذه البلاد تجاه هذه المدينة، وتجاه المسجد الأقصى ثالث الحرمين الشريفين. وأكدنا دائماً تأييدنا وحرصنا على عملية السلام وتعزيزها، وأن السلام الحقيقي في نظرنا، لا يتأتى إلاّ بعودة الحقوق لأصحابها، وعودة مدينة القدس لأهلها الشرعيين.

          أيها الأخوة:

          أعضاء مجلس الشورى، إنكم تتولون اليوم أمانة ومسؤولية، وإن أداءها لا يكون إلاّ بتقوى الله، والإخلاص في العمل، في السر والعلن. وأنتم ـ إن شاء الله ـ أهل لهذه الأمانة، فأنتم مؤهلون بالعمل والتجارب.

          وفي الختام يسرنا أن ننوه بجهود أعضاء مجلس الشورى في دورته الأولى، وبما يذلوه من تفان وإخلاص في عملهم. ونشيد بأبنائنا وإخواننا، الذين انتهت عضويتهم في المجلس، ونرجو لهم التوفيق، وسيبقون محل التقدير من الجميع.

          كما ننوه بجهود معالي رئيس مجلس الشورى، ونائبه وسائر منسوبي المجلس.

          ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا لخدمة دينه، وبلوغ مرضاته، ويحفظ بلادنا ويؤيدها بنصره وتمكينه.

          إنه ولي ذلك والقادر عليه.

          والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته".

------------------------


(*) جريدة الرياض، العدد الرقم  10613، الصادر في 11 ربيع الأول 1418 الموافق 15 يوليه 1997.