إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء

       



خطاب الملك حسين إلى الشعب حول مشروع إقامة المملكة العربية المتحدة
المصدر: " الوثائق الفلسطينية العربية لعام 1972، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت، مج 8، ط 1، ص 115 - 119 "

خطاب الملك حسين إلى الشعب حول مشروع إقامة المملكة
العربية المتحدة.

عمان، 15 / 3 / 1972

 

( الدستور، عمان، 16 / 3 / 1972 )

          أيها الأخوة الأعزاء،
          أيها الأخوة المواطنون،

          يسعدني أن ألتقي بكم اليوم، وأن اتحدث إليكم والى الامة، في شؤون المرحلة الحاضرة ، وما يتصل بها من أمور الماضي وتجاربه، وتطلعات المستقبل وأمانيه.

          كان تأسيس الدولة الاردنية عام 1921 أهم مرحلة مرت بها الثورة العربية، بعد افتضاح المؤامرة عليها، إبان الحرب العالمية الاولى. وبسبب صدور وعد بلفور 1917 اكتسب قيام الدولة بعداً جديداً، اذ اصبح وسيلة لاخراج البلاد الواقعة شرقي نهر الاردن من فلك ذلك الوعد، وانقاذها من المشاريع الصهيونية، في ذلك الحين.

          وفي عام 1948، وحين دخلت الجيوش العربية الى فلسطين، كان أصغر تلك الجيوش عدداً وعدة، هو " الجيش الاردني " ومع ذلك، فقد استطاع هذا الجيش، ان ينقذ من فلسطين تلك الرقعة الممتدة من جنين شمالا الى الخليل جنوباً، ومن نهر الاردن شرقاً الى نقطة لا تبعد اكثر من - 15 - كيلو متراً عن شاطئ البحيره غرباً. كما استطاع أن ينتزع بيت المقدس المدينة المقدسة بكاملها، ومناطق أخرى تقع خارج السور القديم، شمالا، وجنوباً، وشرقاً، مما أصبح يعرف فيما بعد بالقدس العربية. وكانت تلك الرقعة التي أصبحت تعرف بالضفة الغربية - كل ما تبقى للعرب من فلسطين. بالاضافة الى تلك الرقعة الضيقة التي صارت تسمى فيما بعد بقطاع غزة.

          وبعد فترة وجيزة من الادارة المؤقتة في الضفة الغربية، وجد قادة الرأي فيها، ونخبة من الزعماء والوجهاء الممثلين لعرب فلسطين المهاجرين من المناطق المحتلة، في الانضمام الى الضفة الشرقية، مطلباً وطنياً وقومياً لهم، وضماناً في وجه الاخطار الاسرائيلية المتمادية فعقدوا مؤتمرين تاريخيين كبيرين، أولهما في اريحا يوم 1 / 12 / 1948 وثانيهما في نابلس 28 / 12 / 1948، حضرهما ممثلون عن سائر فئات الشعب وهيئاته بقادته ورجال الفكر فيه، وشبابه وشيوخه، وعماله ومزارعيه. واتخذ المجتمعون قرارات يناشدون فيها جلالة المغفور له الملك عبد الله بن الحسين اتخاذ الخطوات الفورية لتوحيد الضفتين ودمجهما في دولة واحدة بقيادته وتحت زعامته. واستجاب الملك الشيخ لنداء الامة. وأمر بالفعل بالاجراءات الدستورية والعملية التي يتطلبها تحقيق ذلك المطلب الوطني والقومي الهام. ومن بينها اجراء انتخابات لاختيار ممثلين شرعيين عن سكان الضفة الغربية في مجلس النواب. وفي 24 نيسان [ أبريل ] 1950، عقد مجلس الامة الاردني الجديد، والممثل للضفتين، بشقيه الاعيان والنواب، جلسة تاريخية تمت فيها أول خطوة حقيقية في التاريخ العربي الحديث، على طريق الوحدة العربية التي نادت بها الثورة منذ فجر انطلاقها. وكان ذلك باعلان وحدة الضفتين، واندماجهما في دولة واحدة عربية مستقلة، ذات نظام نيابي ملكي تعرف باسم المملكة الاردنية الهاشمية.

          وسارت سفينة الوحدة في بحار لم تكن كلها هدوءا ورخاء. فلقد كان هناك الكثير من التيارات، تحركها في الخفاء اياد وجهات خارجية، محاولة اثارة الاعاصير في وجه السفينة، ودفعها رويداً رويداً باتجاه الصخور. لكن وعي الشعب في ضفتي البلاد، وايمانه بوحدة أرضه وابنائه، وادراكه لحقيقة الخطر المتربص به وراء الحدود كان الضمانة الكبرى لسلامة المسيرة، وانقاذها من كل ما اريد بها من شرور. لقد كان في طليعة الحقائق التي جسدتها وحدة الضفتين، يوماً بعد يوم، هي أن الشعب فيهما شعب واحد لا شعبان ولقد تجلت هذه الحقيقة، أول ما تجلت، في لقاء الانصار - أبناء الضفة الشرقية لاخوتهم المهاجرين - أبناء المناطق المحتلة من فلسطين عام 1948 حين اقتسموا معهم لقمة العيش وسقف المأوى، وحلو الحياة ومرها. ثم راحت تلك الحقيقة تبرز وتتعمق في كل خطوة من خطوات الدولة. وتتمثل وتتجلى في كل مؤسسة من مؤسساتها فإلى جانب القوات المسلحة والوزارات والدوائر الحكومية المختلفة، راحت تلك الحقيقة تنسحب على ميادين الحياة المتنوعة، الاقتصادية والزراعية والاجتماعية وغيرها. وجاء يوم لم يعد فيه بمقدور أي امرئ ان يميز في الاردن بين غربي وشرقي، بمثل السهولة التي يفرق فيها بين الفلسطيني وغير الفلسطيني في أي بلد عربي شقيق.

          وبلغت وحدة الدم والمصير بين أبناء الضفتين قمة معناها عام 1967، حين وقف أبناء الضفتين على أرض الضفة الغربية، وكما اعتادوا أن يفعلوا طول عشرين عاماً، يعجنون ترابها الطاهر بدمهم المشترك. لكن الصراع كان

<1>