إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء

           



(تابع) خطاب الملك حسين إلى الشعب حول مشروع إقامة المملكة العربية المتحدة
المصدر: " الوثائق الفلسطينية العربية لعام 1972، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت، مج 8، ط 1، ص 115 - 119 "

أشد من طاقتهم، وظروفه وملابساته كانت أكبر من بسالتهم فوقعت الكارثة. وكان ما كان.

          ووسط بحر الآلام الذي خلفته كارثة حزيران [ يونيو ] ، كانت اهداف الدولة الاردنية في الفترة التي اعقبت الحرب ، قد تلخصت في هدفين اثنين: الصمود الباسل في وجه ما تتعرض له الضفة الشرقية من اعتداءات لا تفتر ولا تنقطع والتصميم الواثق على تحرير الارض، والأهل والأخوة في الضفة الغربية. ووجه الجهد، كل الجهد، نحو هذين الهدفين، في جو من الاطمئنان الى المساندة العربية للاردن في محنته، وثقة لا حد لها، بان وحدة المصير العربي كله، قد أصبحت حقيقة راسخة في وجدان الامة العربية بأسرها، لا تزعزعها مصلحة اقليمية مهما عظمت، ولا تطالها مخططات ونوايا مهما ادعت وتسترت. وفجأة وجد الاردن نفسه يقف وجها لوجه أمام كارثة جديدة. نتيجتها المحتومة، لو قدر لها أن تتحقق، ضياع الضفة الشرقية، وبناء المسرح المطلوب لتصفية القضية الفلسطينية على انقاضها الى الابد. وكانت القوى، المحركة للكارثة، قد جندت العديد من العناصر لخدمة اهدافها كما سقط في شراك تلك القوى، العديد من العناصر والجهات الاخرى. وكان بعض العناصر الاولى والثانية ينتحل الهوية الفلسطينية للقضية المقدسة، ويقوم بدوره في ظل ذلك الاسم وتحت ستاره. وكان قد تجمع فيها العديد من تناقضات العالم وتياراته المتصارعة وتسرب اليها العديد من التناقضات الدولية، وصراعات العالم المختلفة.

          وكان من الطبيعي أن ينهض الاردن لمواجهة الكارثة المحدقة. وتم له ذلك بالفعل ، في وقفة اشترك فيها ذلك المزيج الفريد من أبنائه: المهاجرون والانصار سواء بسواء. وتكسرت الفتنة على صخرة الوحدة الوطنية الراسخة، مثلما تلاشت بفضل وعي الانسان الجديد، الذي ولد في ذلك اليوم البعيد عام 1950، وشب وترعرع في التحديات التي رمته بها المحن، طيلة الاعوام العشرين الماضية.

          من خلال ذلك كله، ومنذ أن كانت حرب حزيران [ يونيو ] عام 1967، وربما قبلها، كانت القيادة الاردنية تفكر في مستقبل الدولة، وتخطط له.

          وكانت تلك القيادة تنطلق، في تفكيرها هذا، من إيمانها برسالة الاردن العربية، المتحدرة من رسالة الثورة العربية الكبرى، ومن ايمانها بالانسان، على ضفتي النهر، وقدرته على ممارسة دوره في خدمة تلك الرسالة وتحقيق أهدافها
          وكانت النظرة الى القضية الفلسطينية تطوي في تراميها، ابعاد الصراع العربي الصهيوني كله.
          ففلسطين هي الهدف الأول للمخططات الصهيونية.
          والشعب في فلسطين، كان طليعة فرائس تلك المخططات وضحاياها. ومن بعده الشعب في الضفتين العزيزتين. وحتى لو كانت أطماع التوسع تقف عند حد، فان من مصلحة الصهيونية ان يظل العالم العربي ضعيفاً، مشتت الصفوف، حتى يظل بمقدورها الاحتفاظ بمكاسبها الى الابد. ولان المعسكر المقابل يقف بمجموعه قوة واحدة وكتلة واحدة، فإن على العرب ان يقفوا برمتهم، متحدين متكاتفين، في المعسكر المقابل واكثر من ذلك، فان الوحدة في ذاتها لا تكفي من غير ان تشتمل على مضمون حقيقي يحيط بكل الاسباب الحضارية الصحيحة، ومقومات التقدم الحديث.

          لقد كان الاردن يدرك أبعاد المأساة التي حلت بالشعب الفلسطيني بالذات. فبعد ان مزقت المؤامرة الصهيونية هذا الشعب، لم يكن ليجد في أي بلد من البلدان، عربي أو غير عربي، ما وجده ابناؤه الذين جاؤوا الى الاردن عام 1948 وبعده، من حياة شريفة وعيش كريم. وفي الاردن، وفي ظلال وحدة الضفتين، وجد التجمع الفلسطيني الحقيقي في الاغلبية الساحقة من أبناء الشعب، الذين عاشوا على ضفتي النهر الخالد. ووجد الانسان الفلسطيني الاطار السليم الذي يعمل فيه ويتحرك، والمنطلق الحقيقي لارادة التحرير وآماله الكبار.

          لقد كان الشعب الفلسطيني موجوداً قبل عام 1948 بمئات السنين. وظل الشعب الفلسطيني موجوداً كذلك بعد عام 1948. لكن الاوضاع التي أخذت تسود العالم العربي، وما يحركها من قوى وتيارات، قد أخذت تقفز من فوق هذه الحقائق وتتجاهلها، انسياقاً مع حالة التخبط التي تعيشها الأمة، وانسجاماً مع وضع التفكك الذي أبتليت به منذ سنين. واشتد زخم تلك الاوضاع المفتعلة وتفجرها المتلاحق، عبر ما نشاهده ونسمع عنه من مؤتمرات، وحملات، ومخططات، وكأنما يراد للانسان الفلسطيني ان يحمل نفسه بعيداً عن انتماءاته الوطنية والقومية، ليحشرها في قمقم صغير، يسهل فيما بعد تحطيمه في أية لحظة. وكأنما هي خطه جديدة تدبر ضد ذلك الشعب، ان لم تكن حلقة في السلسلة الطويلة للمؤامرة عليه، وعلى الامة العربية جمعاء.

          والتحرك المريب هذا لا يكتفي بالتوجه - الى تلك القلة من ابناء الشعب الفلسطيني خارج الضفتين. وانما هو ايضاً يستهدف كثرتهم هنا، طمعاً في الوصول بالاهل في الضفة الغربية الى حالة لا تفضي إلا الى وضع انفصالي عن كل ما يتصل به ويقوم حوله. وإذا كانت بعض القوى التي تشجع على استشراء تلك التيارات وتفتيشها، لا تكتم رغبتها في التخلص من مسؤولياتها حيال القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني، فان بريق هذه الحالة مهما بدا جذابا لبعض العيون، يجب أن لا يحجب عنا خطر

<2>