إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء

         



خطاب الرئيس جمال عبدالناصر، رئيس الجمهورية العربية المتحدة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة

          واليوم نجد أن الكونجو بداية الاستعمار المقنع الذي لا يتورع حتى عن محاولة استغلال الأمم المتحدة ذاتها، شعاراً يخفي وراء مطامعه ويقوم من خلف ظهره بمناوراته لتحقيق أغراضه.

          ولقد كان المعنى الحقيقي للسويس بالنسبة للحركات التحررية في آسيا وأفريقيا، أنه قد مضى ذلك العهد الذي كانت القوى الاستعمارية تملك أن تحشد الجيوش فيه وتوجه الأساطيل إلى ضرب حركات التحرر. لقد أثبتت حرب السويس أن الحرية لها أسلحتها وأن الحرية لها أصدقاؤها في كل مكان.

          ولقد كنتم انتم هنا في هذا المكان، في هذه القاعة بالذات، من أسلحة الحرية وأصدقائها. وبفضلكم وبفضل جهودكم التي مثلت قمة الإيمان العالمي بالحرية، استطاع شعبنا أن يصمد ضد العدوان. وما لبث المد الاستعماري أن انحسر عن شواطئنا واندحر، فكان انتصاره واندحاره نهاية عهد المطامع المسلحة. ولقد كان محتما بعدها أن يبحث الاستعمار عن أداة أخرى لمطامعه.

          ولقد شهدنا بعد السويس، ما يمكن أن نسميه فترة التردد الاستعماري. فترة كان الاستعمار فيها حائرا بين دوافعه ومطامعه، وبين المراكز القوية التي استطاعت حركة التحرير أن تحصن بها نفسها.

          هكذا رأينا الاستعمار مترددا بين الإقدام والإحجام تنادية المطامع أن يضرب وأن يبطش ثم تشده حقائق الحياة عن المضي إلى تنفيذ هواه.

          ولقد تجلّت فترة التردد الاستعماري بأوضح صوره أيام ثورة شعب العراق، فحين بدأ الشعب العربي المجيد يحرر بلاده من التبعية ومناطق النفوذ رأينا الاستعمار بسورة الغضب المشتعلة، يحشد الجيوش ويحرك الأساطيل. فإذا ما جاءت الساعة الثانية بعد سورة الغضب الأولى، وجدنا الاستعمار يفيق للواقع، فإذا هو لا يدري ماذا يفعل بالجيوش التي حشدها ولا بالأساطيل التي حركها، حتى جاءت أحداث الكونجو الأخيرة فأظهرت أمامنا كيف حاول الاستعمار أن يستفيد من درس السويس، كيف حاول أن يجد لنفسه مخرجا من حيرته.

          هكذا رأينا الاستعمار البلجيكي في الكونجو لا يواجه تيار التحرر الأفريقي بالقوة ولا رأينا هذا الاستعمار يواجه هذا التيار التحرري بالانتظار أو التردد، وإنما وجدنا الاستعمار البلجيكي يتراجع بسرعة، أو بمعنى أصح، يتظاهر بالتراجع، ذلك أن هذا التراجع الاستعماري الظاهر، لم يكن، كما خامرتنا الشكوك وقتها، يمثل نواياه الحقيقية وإنما وكما أثبتت الحوادث كان هذا الاستسلام السريع للحرية مناورة للتحايل عليها ومحاولة لضربها من ظهرها.

          ولقد تصور الاستعمار أن تيار الحرية ثورة عاطفية يترك شعلتها إلى مداها حتى يفرغ وقودها فإذا هي تنطفئ، وكانت التجربة التي واجهها شعب الكونجو الحر، وأننا لنسانده فيها ونناصره، أن يثبت للاستعمار أنه

<3>