إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء

         



(تابع) خطاب الرئيس جمال عبدالناصر في افتتاح المؤتمر القومي الرابع للاتحاد الاشتراكي العربي

الظروف، يثبت مرة أخرى ويؤكد أنه إذا كانت شهادة التاريخ لصالحه، فإن اتجاه المستقبل بإذن الله لصالحه أيضاً. وما إتمام بناء السد العالي اليوم، وبرغم ضخامته الهائلة كمشروع من أكبر مشاريع البناء والتعمير في عصرنا إلا إشارة إلى هذا المعنى. شعب أعطى للدنيا وللحياة وشعب سوف يعطي للدنيا وللحياة، شعب يبني كل يوم وشعب يقاتل في أي يوم، يعرف قيمة البناء ولكنه يدرك بعمق وأصالة في نفس الوقت أهمية حمل السلاح دفاعاً عن الأمل في البناء ودفاعاً عن تحقيق البناء.

         ولقد تذكرون -أيها الأخوة- أن حرب السويس سنة 1956 قامت في الأصل والأساس بسبب تصميم هذا الشعب على بناء السد العالي، وتشاء الأقدار أن يتم بناء هذا السد العالي بعد أربعة عشر عاماً من حرب السويس، بينما هذا الشعب يخوض غمار حرب أخرى.

         إن التصميم على بناء السد سنة 1956 أطلق شرارة حرب، وهانحن اليوم في وسط نار حرب أخرى نشهد البناء وقد اكتمل بعد كفاح عنيف ضار، حاولت فيه كل القوى أن تثني هذا الشعب عن عزمه، فما زادته إلا إصرارا، وحاولت أن تصد تقدمه فكانت النتيجة الوحيدة لذلك أن تفجرت طاقات أخرى كامنة في أعماق هذا الشعب، خرجت بالتصميم تبني، وخرجت بالتصميم تقاتل.

         إننا -أيها الأخوة المواطنون- لا نحتاج في هذا اليوم الغالي من أيام نضالنا، يوم ثورة 23 يوليه، يوم مرور ثمانية عشر عاماً على قيام هذه الثورة، غير أن ننقل البصر بين خطين على أرض وطننا، لكي نعرف جوهر نضال هذا الوطن وأهداف هذا النضال، والقوى التي تحرك فيه وتدفعه. خط عند الجنوب بعرض النيل العظيم، هو السد العالي الذي اكتمل بناؤه اليوم. وخط عند الشمال بمحاذاة قناة السويس هو خط القتال الذي يخوض عليه الشعب المصري والجيش الوطني للشعب المصري أشرف معاركه، أعظم معاركه، أعنف معاركه. عند ذلك الخط في الجنوب بعرض نهر النيل يقف السد العالي وتقف بجواره محطة الكهرباء العملاقة التي دارت الوحدة الثانية عشر فيها قبل ساعات، وبذلك اكتمل بناء محطة من أكبر المحطات الكهربائية المائية في العالم. بالسد العالي نفسه -أيها الأخوة- تم حتى الآن تحويل 826 ألف فدان من أراضي الحياض إلى الري الدائم، وتم استصلاح 850 ألف فدان جديدة أضيفت إلى الرقعة الزراعية انتصاراً على الصحراء، ومازالت عمليات الاستصلاح على المياه الفائضة مستمرة كل يوم لا تتوقف لحظة مهما كانت الظروف.

         وبكهرباء السد العالي، فإن طاقة قدرها عشرة مليار كيلووات ساعة قد أضيفت إلى طاقتنا، وبذلك فإن دخل الفرد المصري من الطاقة الكهربائية المتاحة يرتفع إلى 500 كيلووات ساعة في السنة، في حين أنه كان أقل من 40 كيلووات ساعة في السنة قبل الثورة.

         عند الخط الأخر في الشمال بمحاذاة قناة السويس يقف الجيش المصري يقاتل، يحقق شبابه كل يوم مثلاً أعلى في شرف الوطنية وشرف الجندية معاً.

<2>