إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء

     



خطاب الرئيس أنور السادات، للجنة المركزية للاتحاد الاشتراكي العربي ومجلس الشعب،
في ذكرى الزعيم جمال عبد الناصر، 28 / 9 / 1974
المصدر: "قال الرئيس السادات، الجزء الرابع لعام 1974، السكرتارية الصحفية الرئيس الجمهورية، ص
276 - 282"

بسم الله

          نجتمع الليلة ايها الأخوة والأخوات فى ذكرى عزيزة وعظيمة. الذكرى الرابعة لجمال عبد الناصر ولسوف نظل نتذكر جمال عبد الناصر سنة بعد سنة. ولسوف نظل نتذكره فى السراء والضراء، حبا وتقديرا وعرفانا ووفاء لهذا القائد الذى ترتفع قامته الشامخة بين القادة التاريخيين المعدودين فى حياة مصر. ولسوف نظل نتذكره أيضا حبا وتقديرا لهذا الرجل الذى اعطى بلاده. وأعطى امته العربية. وأعطى القضايا التى أمن بها، وأعطى المعارك التى خاضها كل دقيقة من حياته كل نبضة من قلبه حتى الرمق الأخير حقا لا مجازا حين قاوم المرض فى صمت وحمل عبء الهزيمة فى الم عظيم وكظيم ولفظ انفاسه بعد دقائق من آخر معركة خاضها فى حياته، حياته التى كانت كلها معارك. تلك المعركة التى كانت من اجل توحيد الصف العربى، ربما فى افجع ظروف مر بها الصف العربى. مات أو استشهد جمال وهو يحاول المستحيل أوما بدا للجميع أنه مستحيل. عقب أيام حالكة قتل فيها الآلاف ولقد وقع هذا الاقتتال ووطأة الدم العربى المهدر لا يقل بالنسبة له عن وقع هزيمة سنة 1967 ذاتها وكان المستحيل هو أن يجمع بين المتقاتلين والدم الذى أهدر ما زال ساخنا واننا نقف جميعا فى مواجهة عدو محتل وكعادته فى مجابهة المستحيلات ظل يثابر ويعاند قوانين الطبيعة بالنسبة لصحته وبالنسبة لبركة الدم التى يحاول تجاوزها حتى حقق المستحيل ثم قضى وكان توحيد الصف العربى فى مواجهة العدو وفى مواجهة العالم هو آخر وصية له.

ذكرى عبد الناصر.. حية فى ضمير الجماهير

          لقد كان عبد الناصر هو المخطط والمفجر لثورة 23 يوليو سنة 1952 وطالما بقيت ثورة 23 يوليو وطالما بقيت جذورها التى اثمرت فى ارض بلادنا وطالما ظل عطاؤها والمبادئ التى قامت من أجلها راسخة فى قلوب الجماهير جيلا بعد جيل فسوف تبقى ذكرى جمال عبد الناصر حية فى ضمير جماهير هذا الشعب الواعى والوفى مهما تعرضت له من محاولات التشويه والحقد ومهما تعرض تراثه لمحاولات الاستغلال والاستخدام لغير ما قام من أجله عبد الناصر ولغير ما كان يمثله حقا.

لا نؤمن بالجدل القائم على الحقد

          لقد كان عبد الناصر طوال حياته كقائد وزعيم وظل بعد مماته محل جدل ونقاش شأن كل عظماء التاريخ، شأن كل الذين كان عليهم أن يتصدوا لمهمات تاريخية وقرارات مصيرية لا بد أن يكون لها ضحاياها ولا بد أن يكون لها ثمنها الذى لا مفر منه. والقائد عادة ملك للتاريخ وملك للناس وملك للمؤرخين. والجدل والنقاش حول دور عبد الناصر فى حياة الأمة من حق هؤلاء جميعا ولكننا لا نؤمن بالجدل القائم على الحقد ولا النقاش بروح من الضغينة.

أيها الأخوة والأخوات...

          إن الثورات لا تحدث فى معامل أو فى انابيب للاختبار ولكنها تقع فى ساحة مليئة بالكر والفر وفى بحر متلاطم من المصالح والعواطف والغرائز البشرية. والهدم والبناء لهما دوى هائل وغبار كثيف. والأخطاء جزء من كل عمل فما بالنا بالمراحل الثورية حين تسرع للحوادث ويختزل التاريخ وتشق سبل جديدة ليست هى المعتاد أو المألوف.

          القيادة الصادقة الأصيلة لا تنبع من فراغ ولا تخترع الظروف اختراعا ولكنها لكى تكون صادقة ومؤثرة لا بد لها أن تنبع من الواقع ومن الظروف. لقد ظهر أحمد عرابى حين نضج الوعى الشعبى وانتشرت المطالبة بالحرية والدستور لأول مرة فى تاريخ مصر الحديث ولمع مصطفى كامل حين افاقت مصر من صدمة الاحتلال الانجليزى وافتقدت صوتا يعبر عن وجودها من جديد وكافح محمد فريد ضد اقسى الظروف ولم يقهره الا قيام حرب عالمية اكتسحت فى طريقها كل مقاومة فى الشعوب الصغيرة، وحين تمخضت البلاد خلال الحرب العالمية عن مطالبة جديدة بالاستقلال عبر عنها سعد زغلول وانفجرت ثورة سنة 19 ووجدت فيه قائدها وزعيمها. كذلك كان جمال عبد الناصر وكانت ثورة 23 يوليو هما الرد على التحدى حين عم الفساد فى الحكم وفقدت مصر زمامها وصار اسمها مضغة فى افواه الناس فى ظل ملك كان من يحكمها من جزيرة (كابرى) ويتوجه الوزراء والزعماء اليه هناك وحين سدت الطرق أمام القضايا الوطنية والاجتماعية بمؤامرة حريق القاهرة.

          كانت ثورة 23 يوليو وكان عبد الناصر هما الرد. كانت صيحات الثورة موجودة ولكنها عاجزة مبعثرة. كانت قوى الشعب تطالب بتحديد الملكية الزراعية وباخراج الانجليز من مصر وبالحياد ورفض التبعية والأحلاف. كانت كل هذه الصيحات موجودة لم يخترعها احد ولكن الثورة وعبد الناصر جاءا لاسقاط السلطة القديمة وتحويل احلام هذا الشعب الى حقائق.

مصر.. ليلة 23 يوليو

أيها الأخوة والأخوات...

          هكذا تسلمنا السلطة فى البلاد ليلة 23 يوليو، حكم مجترىء فاسد غير قادر على الاستجابة لأى صوت من اصوات العقل، وتيارات ساخطة سخطا مشروعا وحقيقيا ترفع هذه الشعارات وإن كانت لا تعرف الطريق اليها. وسلسلة لا تنتهى من الاضطرابات والاغتيالات والانفصام بين السلطة والجماهير يجعل حريق القاهرة ممكنا واحتمالات الصراع الداخلى لا حدود لهما.

          وقد كان سهلا علينا حين تسلمنا المسئولية تلك الليلة مع عبد الناصر تتجاذبنا التيارات بين اقصى اليسار واقصى اليمين وكان

<1>