إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء

         



(تابع) خطاب الرئيس أنور السادات، أمام مجلس الشعب حول التطورات الأخيرة على صعيد أزمة الشرق الأوسط 29/ 3 / 1975
المصدر: "قال الرئيس السادات، الجزء الخامس 1975، السكرتارية الصحفية لرئيس الجمهورية، ط 1982، ص 74 - 78"

          أن الارادة العربية قبلت التحدى، وأثبتت فى تجربة النار والحديد أنها اليوم قادرة عليه وأنها غدا أكثر قدرة.. ولو أننا راجعنا جميع تصرفاتنا فى السنة الأخير، لوجدنا أنها جميعا تصدر عن هذين الأمرين:

          في مجال ترجمة انتصارنا العسكرى الى واقع سياسى، فسوف تجدون أننا فضلا عما أستطعنا تحريره بالقوة من أرضنا المغتصبة، فأننا اتحنا الفرصة للولايات المتحدة أن تمارس دورا تقدمت إلينا به لأول مرة فى علاقاتنا معها، وأننا توصلنا الى اتفاقية أولى فى فك الارتباط.. رحلت بها القوات الاسرائيلية عن جيب من أراضينا تسلل العدو خلاله الى غرب قناة السويس، وأننا ذهبنا الى جولة أولى من محادثات جنيف ربطت العالم كله بمسئولية صنع السلام في الشرق الأوسط.. وأننا فتحنا المجال الدولى لاعتراف كامل وحقيقى بحقوق شعب فلسطين ممثلا في منظمة التحرير، وأننا واصلنا الجهد لاكمال الحصار السياسى من حول إسرائيل، أى أننا رفعنا الحصار عن فلسطين وهو مطلب الحق فى صراع الشرق الأوسط، وفرضنا هذا الحصار على إسرائيل وهى آداة العدوان في صراع الشرق الأوسط.

          وفى مجال الاحتفاظ فى كل الظروف بحجم الانتصار فسوف تجدون أننا لم نكسر أسطورة التفوق الاسرائيلى فحسب، وإنما رفضنا أن نغامر بغير روية فى أى عمل من شأنه أن يهز هذا الانتصار أو أن يعرضه قبل الوقت المناسب الى اختيار غير محسوب.. وقد كان من ذلك مثلا أننى عدلت عن فكرة تصفية الجيب الاسرائيلى فى غرب قناة السويس بالقوة المسلحة رغم قدرتنا على ذلك.. عدلت حين أصبح واضحا أمامى أن ذلك سوف يعرضنا لمواجهة عسكرية مع الولايات المتحدة. قبل ذلك تذكرون أننى أوقفت إطلاق النار حينما تأكدت أننى لا أواجه إسرائيل فى ميدان القتال وحدها.. وذلك في مقدورنا.. وإنما كنا نواجه الولايات المتحدة ذاتها لأكثر من عشرة أيام، وذلك يتخطى قدراتنا.

ترجمة الانتصار العسكرى الي حقائق سياسية جديدة

          ثم إنني بعد ذلك - كما تذكرون - طرحت سياسة الحصول على السلاح من حيث تتاح لنا فرصة الحصول عليه، ومهما كان الثمن.. كنا طوال سنة كاملة نحاول ترجمة انتصارنا الى حقائق سياسية جديدة.. وكنا طوال سنة نحرص على حجم انتصارنا ليظل رصيدا دائما لنا ولا يتبدد.. كانت هذه مصادر سياستنا طوال العام الماضى، ولم نسمح لأية اعتبارات خارجية أن تؤثر في حركتنا أو أن تغير من خط سيرنا، أو تجرنا الى شواغل فرعية تطغى على الأصل أو تعمى عن الهدف النهائى.

          ولقد كانت من هذه المصادر محاولتنا الأخيرة للوصول الى مرحلة أخرى من فصل القوات.. كنا نرى أن ذلك ممكن اذا استطاعت الولايات المتحدة أن تمارس ضغطا على اسرائيل، وكنا نرى أن ذلك مطلوب لأنه يعطينا إضافة إلى قوتنا تعزز موقفنا، تضيف إليه ولا تأخذ منه.. وكان شرطنا الوحيد لذلك هو أن يتم إنسحاب إسرائيلى جديد بالتوازى على الجبهات الثلاث:

المصرية، والسورية، والفلسطينية.. وكان تقديرى أن نفرغ من هذه المرحلة فى خريف سنة 1974، بحيث نكون مستعدين مع بداية هذا العام - 1975 - للذهاب الى مؤتمر جنيف للتحرك هناك على جبهة أعرض، والتقدم منها إلى أهداف أبعد.

          لكن بعض مشاكل السياسة الداخلية الأمريكية عطلت ذلك التقدير.. وكان على أن أخذ ذلك فى حسابى، وإذا اقتضى الأمر أن أخذه على حسابى.. وقد فعلت.. ولم أترك الوقت يضيع، فقد رحت فى ذلك الوقت أرتب لمؤتمر جنيف ولحضور الأطراف جميعا، وبالذات الطرف الفلسطينى، خصوصا وقد كنا نحن الذين اقترحنا أن يكون مؤتمر القمة الأخير فى المغرب العربى هو مؤتمر فلسطين، وأقر فيه ما أقر من اعتبار منظمة التحرير الفلسطينية ممثلا شرعيا ووحيدا للشعب الفلسطينى.. كنا على وشك الدخول فى مرحلة جديدة لفصل القوات، وكنا في نفس الوقت نسبق التطورات بخطوة أخرى هى الاعداد لجنيف.

مشكلة تمثيل الفلسطينيين

          ومن مشاكل الاعداد لجنيف فى ذلك الوقت كانت مشكلة تمثيل الفلسطينيين.. كانت هناك عناصر في اسرائيل ترفض رفضا قاطعا أن تشترك منظمة التحرير الفلسطينية فى أعمال مؤتمر جنيف، ولم يكن ذلك عقبة فى تقديرنا، فقد كنا - ولا زلنا - نملك أن نصر على حضور المنظمة مهما كره الكارهون.. ولكن المشكلة هى أنه كانت هناك من ناحية أخرى عناصر فى المقاومة الفلسطينية ترفض رفضا قاطعا حضور مؤتمر جنيف، وهذا أمر يجب أن نضعه فى اعتبارنا اذا ما انتهى اليه رأى منظمة التحرير.. ولم تكن المقاومة الفلسطينية فى نفس الوقت راغبة فى أن يحضر الأردن عنها، على أن يسلمها السلطة في المناطق الفلسطينية المحررة .. وفي ذلك الوقت، وبينما نحن نحاول خطوة على الأبواب، ونرتب فى نفس الوقت لخطوة تليها حتى نضمن باستمرار إبقاء التقدم والتمسك بزمام المبادأة، عرضت على القيادات الفلسطينية، اقتراحا لكى يدرسوه.. مؤداه أن تمثلهم الأمانة العامة لجامعة الدول العربية، أى أن تمثلهم الجامعة العربية، ويحمل لواءهم كل الدول العربية فى مؤتمر جنيف.

          أيها الأخوة والأخوات أعضاء مجلس الشعب:

          مع بداية هذا العام 1975، وبرغم الوقت الذى ضاع فى الخريف الماضى بسبب الظروف الداخلية للسياسة الأمريكية، ومع ما كنا نتخذه من ترتيب وتدبير لخطى أخرى بدا لى أن السياسة الأمريكية- وبعد إنقضاء مشاكل داخلية معينة في الولايات المتحدة- على استعداد لتحمل مسئولية العمل من أجل فصل جديد للقوات.. وقمنا بتحديد مطالبنا فى هذه العملية بالذات على النحو التالى:

1 -

أن كل انسحاب اسرائيلى جديد هو عملية جمع في موقفنا، وليس عملية طرح.  

2 -

أن ضمان جدوى أى انسحاب إسرائيلى جديد هى أن يتصل - مبدأ وعملا - بالانسحاب على الجبهات الثلاث: المصرية والسورية والفلسطينية.

<2>