إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء

     



خطاب الرئيس أنور السادات، في مقر الاتحاد الاشتراكي العربي، في الذكرى الخامسة لوفاة الرئيس جمال عبد الناصر، 28/9/1975
المصدر: "قال الرئيس السادات، الجزء الخامس 1975، السكرتارية الصحفية لرئيس الجمهورية، ط 1982، ص 288 - 307"

بسم الله - كل سنة وأنتم طيبين ..

         في الواقع وأنا أعد نفسي للقائكم بوصفكم أعلى القيادات في الدولة للجنة المركزية ومجلس الشعب.. السلطة التنفيذية كلها في الواقع.. كنت في حيرة لأنه لدى الكثير مما أريد أن أضعه أمامكم خصوصا وأنه تمت منذ شهور قليلة اعادة انتخابات الاتحاد الاشتراكي من القاعدة إلى القمة إلى اللجنة المركزية.. ومن حق اللجنة المركزية مع مجلس الشعب ان اضع امامهم تقريرا كاملا عن الفترة الماضية.. حين أقول الفترة الماضية.. أقصد السنوات الخمس .. التي تلت وفاة عبد الناصر والتي نجتمع اليوم في نهايتها لكي نحيى ذكرى عبد الناصر.

         ومن ناحية أخرى كنت أريد ان يكون هذا الحديث مركزا تركيزا كاملا على عبد الناصر.. فقد آن الأوان فعلا أن نتحدث، وأن نتحدث بصراحة.. وأمر ثالث هو ما يحيط بنا من مواقف في هذا العالم الذي نعيشه سواء كان من القوى الكبرى أو في عالمنا العربي أو في المحيط الدولي كله وقضيتنا التي هي فوق كل شيء والتي عاش ومات عبد الناصر من أجلها.

         وجدتنى في حيرة فعلا. أن أسلم طريق في تقديرى أن أبدأ بسرد أحداث سنوات مضت منذ أن أنتقل عبد الناصر إلى جوار ربه حتى هذه اللحظة منذ خمس سنوات.

         ولعل استعراض هذه السنوات الخمس.. لعله يلقى الضوء على مسيرة ثورتنا التي بدأت في 23 يوليو سنة 1952 بقيادة عبد الناصر فليس هناك من تكريم لعبد الناصر أكثر من أن تكون الثورة والمسار الذي بدأه تسير وتتطور وتنضج وتصحح مسارها إذا اقتضى الأمر، فقد عشنا أحداثا جساما في السنوات الخمس الماضية.

         لهذه الذكرى- ذكرى عبد الناصر بالنسبة لنا جميعا كشعب وبالنسبة لى شخصيا كزميل وصديق ورفيق سلاح خواطر كثيرة ومشاعر فياضة، طبعا من المألوف في العالم كله وعبر التاريخ كله ان اى شخصية عملاقة مثل شخص عبد الناصر تتصدى للأحداث بالتغيير.. والتغيير فيه هدم وبناء، من المألوف أن اى شخصية من هذا النوع توجد دائما الصداقات العميقة والخصومات الحادة وينفتح بعدها باب الجدل سنين وأجيالا.

         ولست أريد أن أحد من المناقشات التي لم تنقطع عن عبد الناصر وعن الناصرية.. ولكننى فقط أريد ترشيد هذه المناقشات حتى تكون ذات فائدة ونخرج منها بالعبرة الصحيحة.

         فماذا نرى الآن.. نرى شطحات كثيرة غريبة- بعضها ربما كان بريئا وبعضها بالتأكيد غير برئ - مثلا نرى تلك المنظمات والتيارات التي أنفقت حياتها في محاربة عبد الناصر تحاول اليوم ان تجعل من تراثه تجارة يتذرعون بها للهجوم على مصر.

         ونرى أناسا آخرين يحاولون اقامة معبد اسمه الناصرية يحوط به التقديس والغموض لكي يقيموا من أنفسهم كهنة لهذا المعبد هم العالمون وحدهم بالأسرار وهم المحتكرون للتفسير.. وهم قضاة الخطأ والصواب.

         ولا اقول وقد عايشت عبد الناصر وزاملته وشاركته أكثر عمري وعمره - أقول لا - لم يحاول عبد الناصر قط أن يقيم بناء جامدا اسمه الناصرية بل كان يرفض أي قالب جامد، بل أنني أقول أكثر من ذلك ان الذين يقولون اليوم بأن هناك ناصرية وأن هناك ساداتية مخطئون. انهم ينطلقون من أحكام شخصية وليست موضوعية وفيهم اليوم من يلعن الأمس واذا سمحت الظروف فسوف يلعنون غدا اليوم.. هكذا.

         في تقديرى أولا.. أن المسألة ليست ناصرية أو ساداتية ولكنها ثورة 23 يوليو- أو.. التجربة الوطنية المصرية.. هذه هي الموضوعات والعناوين التي تناقش فكل دارس لتواريخ الأمم يعرف أن دور أي فرد مهما كبر فهو ابن التربة التي أنبتته والظروف التي صاحبته، والشعب الخلاق الذي واكب مسيرته.

         مناقشة شخص عبد الناصر بالتقدير أو بالتجريح اساءة لعبد الناصر لأنه أبدا لم يشأ أن يكون صنما أبدا بل كان نموذجا في معايشته للواقع ومخالطته للحياة ومرونته في وجه المتغيرات.

         ليست القضية اذن قضية ناصرية أو ساداتية فمناقشة الأمور على هذا النحو تضل في متاهات المشاعر أو الأحقاد الشخصية وتجزئ التجربة الوطنية المصرية في حين أننا نناقش ثورة 23 يوليو أو التجربة الوطنية المصرية فاننا نربط بذلك نضال القادة بالجماهير او الحاكم بالشعب.

         لقد كان عبد الناصر انسانا، وكان بشرا، وبالتالي فلا يقلل من شأنه ان نقول انه كانت له حسنات وكانت له أخطاء، كانت هناك أهداف حققها .. وأهداف لم يستطع أن يحققها.. وأنا أيضا لا شك ان لى أخطاء، فكل من يتصدى لأعلى المستويات في مثل الظروف الصعبة والبحار المتلاطمة من التيارات لا يمكن إلا أن يخطئ ويصيب إلا أولئك الذين يؤثرون السلامة لأنفسهم ويحكمون بالتالي على أقدار شعوبهم بالانكماش والجمود.

         حين تكلمت في إحدى خطاباتي السابقة إليكم عن كفاح عرابى ومصطفى كامل ومحمد فريد وسعد زغلول أبدى البعض دهشتهم واتهموا ثورة 23 يوليو بأنها حذفت كل هؤلاء من التاريخ.

         هذا افتراء على ثورة 23 يوليو فالكتب التي تؤلف عن هؤلاء لم تنقطع، وتدريس كفاحهم في المدارس لم يتوقف ولكن الفرق انهم قبل الثورة كانوا يدرسون ان الخديوي توفيق مثلا الذي استدعى الإنجليز هو الوطني وان عرابى البطل المصري الفلاح الأصيل هو المسئول عن الاحتلال، فلما جاءت الثورة أعادت الأمور إلى نصابها في المناهج التعليمية.

         لم يكن في حديثى ذلك أي جديد أو غريب على، ولقد قصدت منه أن أعطى درسا لمن يفهم في ضرورة احترام تاريخنا وتقييمه بموضوعية لا إسراف فيها ولا تقصير ولا تزويق فيها ولا تشهير، ولكن، مرة أخرى انتهز البعض الفرصة وشطحت بهم الميول

<1>