إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء

           



(تابع) خطاب الرئيس حافظ الأسد، رئيس الجمهورية العربية السورية، إلى الشعب حول الحرب ووقف إطلاق النار
المصدر: "الوثائق الفلسطينية العربية لعام 1973، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت، مج 9، ط 1، ص 405 - 409"

          هل تعني اننا حررنا الارض التي يحتلها العدو؟
          كلا، لم نحرر الارض بعد، بل ما يزال قسم من الارض في منطقة الخرق بيد العدو، لان وقف القتال جاء مفاجئاً لنا ومغايراً لتصورنا عن سير المعركة، اذ كنا نتصور معركة طويلة الامد، وفي مثل هذا التصور يتم تحركنا في اتجاهات مختلفة وبكثير من المرونة، وبما يخدم هدف المعركة النهائي. وفي مثل هذا التصور، ايضاً، قد يكون من غير الضار، بل قد يكون من المفيد، ان يتواجد هذا العدو هنا او هناك في منطقة قريبة او بعيدة لفترة من الزمن قد تطول او تقصر، كل ذلك وغيره يتم في هدي دليل واضح محدد، هو الهدف النهائي للحرب.

          لا شك ان الاخوة المواطنين الذين يستمعون الآن، يرغبون في مزيد من الشرح حول هذه النقطة بالذات. ولكن مزيداً من الشرح والتفصيل قد يفيد العدو. انا، ايضاً، ارغب في مزيد من الحديث حول هذه النقطة، يمنعني من ذلك ما يمكن ان يفيد منه العدو.

          ومن هنا، اعود لاقول اننا لم نحرر الارض بعد، وان قرار مجلس الامن كان مفاجأة لنا ومغايراً لمسيرتنا وتصوراتنا.

          اذن ما هي انتصاراتنا؟
          انها كبيرة. لم تحرر الارض، ولكن حررنا ما هو الاساس، وما لا بد من تحريره اولا. حررنا ارادتنا من كل قيد، حررنا ارادتنا في القتال من اجل حياة شريفة وكريمة، وحررنا نفوسنا من الخوف والتردد واللامبالاة، وحررنا نفوسنا من عقدة الذنب والقصور طالما اننا، في السابق ومنذ قيام اسرائيل، لم نحارب كما يجب ان نحارب.

          حررنا صورتنا الحقيقية من كل ما لحق بها من زيف وتشويه، فأصبحت الصورة التي تؤكد قدرتنا على استيعاب المعارف واستخدامها، الصورة التي تؤكد قدرتنا الكبيرة في مجال العلم واستثمار معطياته ونتائجه.

          الصورة التي تؤكد ان في امتنا مواهب كثيرة وكبيرة.
          الصورة التي تؤكد اننا نؤمن بالحق، وندافع بقوة عما يؤمن به.
          الصورة التي تؤكد اننا نرفض التخاذل، ولا مكان بيننا الجبناء.
          الصورة التي تؤكد اننا اصحاب تراث، ونحرص ونستطيع ان نجسد وان نتمثل هذا التراث.
          الصورة التي تؤكد ان ايماننا بأمتنا ووطننا لا تحده حدود، وفي سبيل هذه الامة وهذا الوطن، نقدم كل تضحية مهما غلت التضحية.
          الصورة التي تؤكد ان امتنا امة خيرة معطاء، تعمل من اجل الخير، وتدافع بعنف ضد كل مظاهر الشر.

          حررنا صورتنا الحقيقية من كل ما لحق بها من زيف وتشويه، فأصبحت الصورة التي تجسد كل الفداء، وكل التضحية، وكل البطولة.

          هذه هي المعاني التي حققناها، وهذه هي انتصاراتنا، وهي بالتأكيد منطلق واساس لكل انتصار آخر.
          هذه الانتصارات رصيد كبير ودائم لشعبنا ولامتنا.
          فلا انتصار مع الجهل.
          ولا انتصار مع الخوف.
          ولا انتصار مع التردد.
          ولا انتصار مع التخاذل.
          من اجل ذلك، كان لا بد من ان ننتصر اولا على الجهل، وان ننتصر على الخوف، وان ننتصر على التردد، وان ننتصر على التخاذل، ثم ننطلق لننتصر في أية معركة نخوضها ولتحقيق اية اهداف نبتغيها.

          ايها الاخوة،
          بعد هذا الذي حدث، بعد هذا الذي تحقق، لنفخر، لنعتز، لنرفع رؤوسنا عالياً، لن نحني رؤوسنا ابداً الا لله جل جلاله اولا، ولشهدائنا العظام ثانياً.
          شهداؤنا هم البناة الاكثر اهمية لهذا الوطن.
          شهداؤنا مشاعل النور على طريق الحياة حتى نهاية الحياة.
          شهداؤنا مشاعل الضوء امام هذا الجيل، وأمام كل جيل، وحتى نهاية الاجيال.
          شهداؤنا شعلة من نور ساطعة بغير حدود، وضاءة بغير نهاية.
          فلنسر في ضوئها الى حيث الحق، والعدل، والخير.
          الى حيث تنعدم كل مظاهر الشر، الى حيث النصر.

          ايها الاخوة،
          رغم ان قرار مجلس الامن جاء مخالفاً، لتصوراتنا، فان ذلك ينبغي ألا يحجب عن ابصارنا حقيقة ان هذا القرار جاء نتيجة لصمودنا.
ومن هنا فهو، بكل تأكيد، يمثل احد مظاهر انتصاراتنا.

          قد يكون هذا الكلام، ايها الاخوة المواطنون، موضع اخذ ورد. ولكن امامنا دليلا واضحاً. في عام 1967، عندما لم نستطع ان نصمد، لم يصدر مثل هذا القرار. صدر قرار مختصر، بند واحد يقول بوقف اطلاق النار. لم يكن هناك قرار يجسد تصوراً، بغض النظر عن صحة أو عدم صحة، عدالة أو عدم عدالة هذا التصور، لم يصدر قرار يمثل تصوراً لحل المشكلة في هذه المنطقة.

          صدر قرار بوقف اطلاق النار فقط. أما القرار رقم - 242 - الذي يضع تصوراً لحل المشكلة في هذه المنطقة، قد صدر بعد ستة أشهر من حرب 1967.

          القرار الذي صدر خلال الحرب، كان فقط قراراً بوقف اطلاق النار، لاننا لم نستطع، آنذاك، ان نصمد. الآن صمودنا هو الذي فرض ان يصدر قرار فيه تصور كامل لحل المشكلة في هذه المنطقة. والتصور هو ما فهمناه.

<3>