إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء

           



(تابع) خطاب الرئيس حافظ الأسد، رئيس الجمهوية العربية السورية، إلى الشعب حول الحرب ووقف إطلاق النار
المصدر: "الوثائق الفلسطينية العريية لعام 1973، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت، مج 9، ط 1، ص 405 - 409"

نحن، فهمنا هذا القرار على انه فيه حل لمشكلة منطقتنا، على اساس ان هذا القرار يعني انسحاب اسرائيل من الارض العربية المحتلة، وضمان عدم المساس بحقوق الشعب العربي الفلسطيني.

          العامل الوحيد الذي فرض ان يصدر قرار بهذا الشكل، هو صمودنا نحن. ومن هنا، كان لا بد من ان نعتبر ان هذا القرار هو، بالتأكيد، احد مظاهر انتصاراتنا. ومن هنا، فهو بكل تأكيد يمثل احد مظاهر انتصاراتنا. وقد قبلناه من موقع القوة، محتفظين بقدرتنا القتالية وبكبريائنا القومية، ومن موقع الثقة الاكيدة بالنفس وبقدرة شعبنا وقوة سلاحنا.

          بل ان التبدل الايجابي الذي تم علي الصعيد الدولي تجاه القضية العربية، كان العامل الحاسم في تحقيقه هو بسالة القوات العربية في ساحة القتال، ومواقف العزة والاباء التي وقفتها في كل المعارك الضارية ضد العدو، واستنزافها المستمر والمتصاعد لقوات العدو ومعداته، يعزز كل ذلك صمود رائع لشعبنا في جبهة داخلية متراصة وفي اطار وحدة وطنية منيعة، كما يعززه دعم مؤثر من امتنا العربية.

          ايها الاخوة،
          اننا نبدأ الآن مرحلة جديدة من النضال، يجب ان نبدأها بعزم وبثقة بالنفس كتلك التى بدأنا بها مرحلة الصراع المسلح في ساحة القتال. وكما ان التردد لا مكان له في المعارك العسكرية، فانه غير جائز، ايضاً، في المعارك السياسية، ولا يمكن بأي شكل او بأي تحليل فصل معركتنا السياسية عن معركتنا العسكرية، لأن الاولى جاءت وليدة الثانية وهي متلازمة معها ومعتمدة عليها. ولقد حققنا، بصمودنا في المعركة العسكرية، نتائج مجيدة، حطمت كل الاساطير التي نسجها العدو من حوله. ونحن قادرون، ايضاً، بالصمود، والثقة بالنفس، والتماسك القوى في الجبهة الداخلية، والتلاحم المتين مع امتنا العربية، ان نحقق النجاح في المعركة السياسية. ونجاحنا في هذه المعركة، يكون اما ببلوغ الاهداف التي قاتلنا من اجلها، واما بأن نقول لا باباء وشمم اذا واجبنا تلاعباً، او مراوغة، او تهرباً، من تطبيق قرار مجلس الامن حسبما فهمناه.

          ولذا، ينبغي ان نخوض مرحلة النضال الجديدة بنفس الشجاعة والثقة والكفاءة العالية التي خضنا بها الصراع المسلح في الايام الماضية. فاذا لم يؤد نضالنا، خلال هذه المرحلة، الى تحقيق تطلعاتنا العادلة، وهو امر نحسب حسابه ولا نستبعد حدوثه، عدنا الى الصراع المسلح لنستأنف القتال بكل قوتنا الى ان نحقق هدفنا.

          ولعل الكثيرين من ابناء شعبنا يتمنون ان يستمر الصراع المسلح الآن. وبغض النظر عن مشاعري الشخصية، فاني أقدر ما يجول في خواطرهم، وهم يرون بفخر واعتزاز مئات الابطال يبرزون كل يوم في صفوف قواتنا المسلحة وتنتشر انباء بطولاتهم فتذكي حماسة المواطنين وتزيدهم ثقة بالنصر.

          ولكنني احب ان اكرر القول انه ما دامت معارك البطولة التي خضناها حتى الآن هي التي فرضت هذا التطور، فلا بد من ان نواجه المرحلة الجديدة بمتطلباتها وبالشجاعة والكفاءة العالية. ومن اجل ذلك، ايضاً، يجب ان تبقى جاهزيتنا العامة عالية واستعدادنا العام كاملا.

          ايها الاخوة،
          خلال الايام الماضية، شدد العدو حملته على جبهتنا الداخلية، وأفرغ جعبته من سهام الحقد واللؤم يرمي بها وحدتنا الوطنية، فتكسرت سهامه كلها وبقيت جبهتنا الداخلية تلك الجبهة المنيعة وذلك الاساس المتين لانتصارنا في المعارك العسكرية كما في المعارك السياسية ومعارك البناء.

          واذا كان اعداؤنا يخشون مناعة جبهتنا الداخلية، ويبذلون المحاولات اليائسة لتصديعها، فانه لحري بنا ان نزداد حرصاً على تقويتها وتعزيزها باستمرار، باعتبار ان تصديعها هو العامل الوحيد الذي يمكن ان يؤثر سلبياً على المناخ الملائم للانجازات الايجابية، بل يمكن ان يلغي هذه الانجازات التي نحققها يوماً بعد يوم.

          ليس هناك شيء يستطيع ان يوقف مسيرتنا، يستطيع ان يجعلنا نتقهقر الى الخلف، كما لو تصدعت وحدتنا الوطنية.

          بوحدتنا الوطنية نستطيع ان نصنع الكثير، نستطيع ان نحقق اقصى ما نطمح اليه من النجاحات، ان نحقق اقصى ما نطمح اليه من الانتصارات، والعدو يعرف ذلك.

          ومن هنا، كان تركيزه المستمر على هذه الوحدة الوطنية. من هنا، كان تركيزه المستمر على هذه الجبهة الداخلية. ومن هنا سيكون في الايام المقبلة، وفي الاشهر المقبلة، سيكون تركيزه بأشكال مختلفة، وبأساليب مختلفة، وتحت عناوين مختلفة، سيكون تركيزه على جبهتنا الداخلية.

          علينا جميعاً، ايها الاخوة المواطنون، ان نعطي لهذا الامر اقصى ما نملك من الانتباه، اقصى ما نملك من الحذر، لكي نفوت على اعدائنا اية فرصة للنجاح، اية فرصة لتحقيق اهدافهم.

          فاذا وعينا هذا الامر وعياً كاملا، ضمنا ان تكون كل خطوة من خطواتنا هادفة لخدمة مصلحة الوطن، وضمنا ان تكون جهودنا مركزة غير مبعثرة واضحة القصد والغاية، وذات مردود عظيم.

          وقبل ان اختم كلمتي، اؤكد على ان بسالة رجال قواتنا المسلحة وبطولاتهم الرائعة في ميدان القتال هي رصيدنا الضخم في المعركة السياسية المقبلة. وستفرض انتصارنا فيها، مثلما فرضت بدايتها.

<4>