إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء


 


خطاب الدكتور محمد مرسي يوم 24/6/2012

كلمة الرئيس محمد مرسي لمجلس أمناء مكتبة الإسكندرية[1]

الأحد 14 أبريل 2013

السيدات والسادة

أعضاء مجلس أمناء مكتبة الإسكندرية

مرحباً بكم على أرض مصر، مرحباً بأهل الفكر والخبرة والمعرفة، أعضاء مجلس أمناء مكتبة الإسكندرية، مرحباً بكم في هذه اللحظة الفارقة من تاريخ مصر، حيث تنطلق البلاد نحو مستقبل أفضل، في ظل نظام ديمقراطي مدني، يرنو إلى بناء مجتمع الغد، مجتمع العلم والمعرفة، مجتمع تتحقق فيه العدالة الاجتماعية لكل المواطنين، وتسود فيه الحرية في ظل القانون والدستور.

لقد حرصت على مشاركتكم هذا اللقاء، ونحن في مصر نواجه صعوبات وتحديات كبيرة، ساعين لتحقيق نهضة شاملة وسط ظروف محلية وإقليمية ودولية دقيقة، لنؤكد معاً على أهمية الانفتاح على العالم والتواصل مع شعوبه وطوائفه، ومؤسسات الحكم والعلم والمعرفة في أقطاره المختلفة.

وإنني أعلم جيدًا أنكم تتابعون باهتمام أخبار بلادنا، ولا شك أننا نمر بمرحلة انتقال عظيم، تتداخل فيها المصالح في هذا العالم وتجرى محاولات هنا وهناك للنيل من إرادة شعوب الربيع العربي، وفي مقدمتها الشعب المصري لكى تعوق مسيرة الحرية والديموقراطية والعدالة الاجتماعية.

وفى هذا السياق فإننا في مصر، رغم كل هذه المحاولات، ورغم التحديات والصعوبات الاقتصادية والاجتماعية، فإنني أؤكد لكم وللعالم كله أننا نرفض رفضاً باتاً أي تعرض لحرية المواطنين المصريين، ونرفض الإجراءات الاستثنائية تماماً، كما نرفض أي نوع من التمييز على أساس الجنس أو اللون أو الدين، كما نص على ذلك دستورنا الجديد، وتجمعنا جميعاً روح المحبة وثقافة المواطنة، والكل سواسية أمام القانون وأمام الدستور، ولن نسمح لأحد بالاعتداء على دور العبادة، ولن نترك الفرصة للمخربين لكي يسيئوا إلى منجزات شعبنا التي حققها في ثورة سلمية فريدة، أطاحت بنظام مستبد وبهرت العيون والعقول من شرق العالم إلى غربه، وفتحت الأبواب للممارسة الديمقراطية التي سمحت للشعب بأن يختار رئيسه، وأن يقول قوله في ظل التعددية ومناخ حرية التعبير التي لم نشهد مثلها من قبل.

وإنني إذ أؤكد هذا المعنى، فإنني أعبر عن جميع طوائف الشعب المصري الذي منحنى ثقته، وحملني المسؤولية أمام الله وأمام التاريخ، وأمام كل فرد من أبناء هذا الشعب العريق صانع الحضارة منذ آلاف السنين.

كما أنني أتحدث إليكم وبفهم صحيح للإسلام الذي نادى بحرية الإنسان في الفكر والاعتقاد بلا قهر ولا إكراه، والذي جعل الناس سواسيه كأسنان المشط، وأكد أن التعارف والتسامح هو أساس العلاقة بين الأمم والشعوب، وأمر أتباعه بأن يؤمنوا برسل الله وأنبيائه جميعاً، لا يفرقون بين أحد من رسله.

السيدات والسادة

 

إننا رغم التركة الثقيلة التي ورثناها بسبب التحالف بين الفساد والاستبداد والاستناد إلى التبعية الأجنبية، وغياب العدالة الاجتماعية، فإننا ماضون في طريقنا لتحقيق التنمية الشاملة، التي تستند إلى إرادة شعبية حرة، ونمو اقتصادي حقيقي، وعدالة اجتماعية، وإلى مشاركة اجتماعية واسعة، ومناخ من حرية الفكر والرأي والتعبير، ليشارك المصريون جميعاً رجالاً ونساء في بناء مستقبل مشرق لهم ولأبنائهم من بعدهم.

إن مثل النهضة التي نسعى إليها كمثل شجرة أصلها ثابت في تاريخنا وحضارتنا وعقيدتنا وفرعها في السماء تلفحه شمس المعرفة وتداعب أغصانه نسائم الحرية، ونؤمن أن النهضة ليست مسؤولية فرد ولا نخبة ولكنها إرادة شعب حر.

نهضة تجمع بين التجديد والتأصيل، وتنفتح على الآخر وتواكب العصر وتعتز بتراثها وجذور هويتها، فإن رفض الجديد والاكتفاء بالماضي فى عالم يسوده التغيير ما هو إلا استسلام لانتحار بطئ، والانفصال عن التراث واقتلاع الجذور، ما هو إلا دعوة للتخبط والضياع .

إننا نعتز بثقافتنا المصرية، فيكفينا فخراً تاريخ مصر العريق الذي تمتد جذوره لآلاف السنين، حيث تلاقت على أرض مصر رسالات السماء وتعايشت الفرق والجماعات، وازدهر التراث الإنساني علماً وخلقَّا، فقد لعبت مصر دوراً مشهوداً في التنوير والتحرير، وأسهمت في بناء صرح المعرفة الإنسانية أي إسهام.

وإذا بدأ الحديث عن الثقافة بات لزاماً علينا أن تتجه أنظارنا وعقولنا إلى مكتبة الإسكندرية قديماً وحديثاً.

السادة الحضور

إن مكتبة الإسكندرية، اسم لامع في التاريخ، اقترن بمؤسسة فريدة رسمت إطاراً جامعاً للمعرفة الإنسانية عبر خمسة قرون، وجسدت التواصل الحضاري بين الشعوب، وأصبحت مركزاً للتقدم العلمي والإشعاع الثقافي، ونذكر لها أنها جسدت حلم العلماء والمثقفين والفنانين والشعراء في جمع المعرفة الإنسانية في مكان واحد، وكانت بمثابة أكاديمية للعلوم ومركز للأبحاث ومكتبه أدارها أعظم علماء ومفكري العصر، وضمت ما يقرب من 700 ألف لفافة، أي ما يعادل 100 ألف كتاب من الكتب الحديثة المطبوعة.

واستقبلت المكتبة العلماء من جميع الثقافات وتوافد عليها الشباب والفتيات للدراسة، كما أنتج فيها أعظم العلماء الكثير من الإنجازات العملية التي أضافت إلى المعرفة الإنسانية وساهمت في تقدم البشرية. ففي مكتبة الإسكندرية القديمة كان أول من قال إن الأرض تدور حول الشمس، وتم حساب محيط الأرض بدقة مذهلة ووضع أول فهرس للكتب. وفى المكتبة أيضاَ أرسى إقليدس مبادئ علم الهندسة، وتم تحديد أن المخ هو المتحكم في الجسم الإنساني. كما سُجل تاريخ الفراعنة حسب التسلسل الزمنى للوقائع، وقُسم إلى أسر ليظل هذا التقسيم مرجعاً للعلماء إلى الآن.

كانت مكتبة الإسكندرية القديمة منارة للعلم والمعرفة، حيث انفتح روادها على ثقافات العالم، ووضعوا أسساً راسخة للحوار بين الحضارات، وعززوا قيم التسامح والعقلانية، والتعاون بين الثقافات، والتقارب بين المعتقدات حيث تمت الترجمة السبعينية وهى أول ترجمة للعهد القديم من العبرية إلى الإغريقية.

وبقيت المكتبة مركزاً للعلم والمعرفة لمدة تزيد عن ستة قرون ولكنها لم تنج من بطش الرومان، حيث أمر الإمبراطور أوريليون بحرق المكتبة وتدميرها، وبالرغم من ذلك فقد ظلت مصدر إلهام للعلماء والمفكرين ونموذجاً متميزاً للصرح العلمي والثقافي الذي يقوم بإنتاج المعرفة وتجميعها.

إن الإسكندرية القديمة كانت أهم مدينة في عصرها، وكانت ملتقى لكل الطوائف والأعراق؛ ومركزاً للتجارة العالمية، وظهر فيها العديد من أوائل مفكري المسيحية.

لقد ارتبط اسم مصر وأهلها بالأديان السماوية دائماً، حيث حضر إليها الخليل إبراهيم ويوسف الصديق وموسى النبي عليهم جميعاً السلام، ومن بعدهم طافت السيدة مريم العذراء وابنها المسيح عليه السلام أرض مصر في رحلة مباركة، لقد عرف أهل مصر المسيحية ودخلوا فيها، ومن مصر انتشرت المسيحية إلى العالم كله. وقد كانت كنيسة الإسكندرية هي الكنيسة الكبرى في العالم المسيحي لعدة قرون، وحتى مجمع خلقدونية 451 ميلادية.

وجاء الإسلام، معضداً للتسامح مؤكدًا للتعددية، حافظاً للحرية، وقد اتسعت الحضارة الإسلامية لاحتواء كل المعارف والفلسفات السابقة عليه، إذ كان من المناسب أن نذكر حالة تاريخية واحدة تجلت فيها مظاهر الحرية والتنوير إبان السيادة الإسلامية. وانتهت بانقضائها تماماً، فإن الدولة الأندلسية نموذج بليغ على ذلك، فقد قامت في قلب القارة الأوربية واستمرت أكثر من سبعة قرون، منذ فتح الأندلس عام 711م حتى بعد سقوط غرناطة عام 1492م، وتعايشت فيها الأديان الثلاثة اليهودية والمسيحية والإسلام بشكل مثالي لا نظير له، وذلك فيما سمَّاه المؤرخون بالعصور الوسطى، ولقد ازدهرت إبان الحكم الإسلامي أكبر نهضة فكرية وفلسفية وعلمية، جعلت من مدن طليطلة وقرطبة وغرناطة منارات العالم المتحضر قُبَيل عصر النهضة الأوروبية.

إن حركات الإصلاح والتجديد والنهضة التي شهدها العالم العربي والاسلامي خلال القرنين الماضيين، كانت تعبيراً عن شعور عميق بالاعتزاز بالتراث الإسلامي، وعن وعي تاريخي بأن أي محاولة للنهضة لا تستند إلى الموروث الحضاري للأمة، تظل ظاهرة سطحية، محدودة الأثر، قصيرة الأجل.

السيدات والسادة

لقد جاءت مكتبة الإسكندرية الجديدة لإحياء هذا التراث الإنساني، بكل ما اتسم به من تميز في مجال الآداب والعلوم والفنون، والاهتمام بأعلى مستويات البحث العلمي، وتحقيق التواصل بين الحضارات. ولذا شملت مكونات المكتبة الجديدة المتاحف والمعارض، والمراكز البحثية، والمكتبات التخصصية، وضمت مبانيها القاعات والمعامل، وامتزجت كل هذه المكونات لتنتج عملاً متميزاً على أرض مصر، إسهاماً منها في المسيرة الإنسانية الكبرى، وتأكيدا لأصالة الرؤى المصرية المعاصرة، ووضع لها نظام قانوني وإداري خاص يمكنها من تحقيق رسالتها تحت إشراف مجلسكم الموقر.

وقد تبين لي من الأوراق محل دراستكم في هذا الاجتماع، أنه من المقترح تطوير عدد من البرامج الدراسية لتصبح مراكز بحثيه بمكتبة الإسكندرية، ومنها دراسات الحضارة الإسلامية ودراسات اللغة العربية بالحاسوب، ودراسات البيئة، ولكنني لاحظت أنكم أبقيتم على برنامج الدراسات القبطية كبرنامج، وإنني أرى أنه من المناسب أن يتحول هذا البرنامج إلى مركز للدراسات القبطية بمكتبة الإسكندرية نعتز بذاتيته ووجوده.

السيدات والسادة

إن مكتبة الإسكندرية مؤسسة مصرية الجذور، دولية الأبعاد، عالمية الرسالة، ومن هنا أرى أن لمكتبة الإسكندرية عدة ادوار باتت ملحة في الفترة القادمة، حيث تبنى مصر دولتها الديمقراطية الجديدة، وتدخل في معترك العالم الحديث بما فيه من تسابق علمي ومنافسة اقتصادية، والكل يسعى لبناء مجتمع المعرفة ويتبنى العلم والتكنولوجيا أساساً للتقدم:

أولاً: التواصل الدولي، لتكون مؤسستنا هذه نافذة مصر على العالم ونافذة للعالم على مصر، هو ما بدأت فيه، وسعت إليه، ولكننا نريد لها أن تحقق المزيد والمزيد بتواجدها في المحافل الدولية، وباستقبالها للشخصيات العالمية في العلوم والآداب والفنون، فإن الثقافة اليوم لا تتحدد بتأصيل جذور الهوية فحسب، بل تتسع آفاقها للتفاعل مع المتغيرات العالمية، فيأتى التجديد من التأصيل.

ثانياً: إن هذا الدور الدولي الذى نراه يأتي مكملاً مؤكداً لثاني أدوار المكتبة، وهو أن تكون ملتقى للحوار بين الحضارات والشعوب، ومكاناً للتعارف بين الأفراد والجماعات، فإن الأفكار الجديدة لا تقاوم بالعنف، ولا تعالج بالمنع والتجريم، بل تظل الوسيلة الوحيدة الكفيلة باختبارها هي المناقشة والحوار، ومقارعة الفكر بالفكر، والرأي بالرأي، وليس هناك من ضمان لذلك سوى حرية التعبير فهي آلية التمييز والتمحيص والاختبار والاختيار.

ثالثًا: أن تكون مؤسسة رائدة في ذلك العالم الرقمي الجديد، الذى يغير حياتنا اليومية بشكل مذهل بما لا يدع مجالاً للشك في أن المؤسسات القائمة على المنظومة المعرفية للمجتمعات يجب أن تتغير لتواكب هذا التغيير، بل تتفاعل معه وتتملك أدواته وقد قطعت مكتبة الإسكندرية شوطاً كبيراً في هذا المجال، وقد سعدت بما قامت به لتطويع قدرات الحاسوب لخدمة اللغة العربية، ولزيادة تواصل القارئ مع تراثه بصورة رقمية وللدور الرائد الذى تلعبه في مشروعات دولية كبيرة أخرى. ونريدها أن تستمر في مقدمة أقرانها من المؤسسات المتقدمة العالمية، والتي جمعتم عدداً من رؤسائها في هذا المجلس.

رابعـــاً: أن يكون للمكتبة إشعاع محلى بالإضافة لإشعاعها الدولي، فلابد للمكتبة أن تسعى سعياً حثيثاً للمزيد من التواصل مع المكتبات والمؤسسات الثقافية الأخرى في كل أنحاء مصر، وألا تكتفى بوجودها في الإسكندرية، وما لها من تواجد في القاهرة وأن يأتي هذا التواصل مع مختلف المحافظات عبر شبكة الإنترنت، بالإضافة إلى إتاحة الفرصة للمشاركة في برامج ثقافية وعلمية بالمكتبة، وإنني أؤكد على أن مؤسسات الحكومة المصرية سوف تقدم الدعم والعون لمكتبة الإسكندرية في تحقيق هذا البعد الجوهري من رسالتها السامية.

السيدات والسادة أعضاء مجلس أمناء مكتبة الإسكندرية

إننا نعتز بالمكتبة التي أنتم رعاتها والمؤتمنون عليها، ونقدر كل التقدير رسالة التنوير التي تبعثها هذه المكتبة إلى كل مصري ومصرية، وكل مُحتف بالثقافة وقيمها، حريص على نشر المعرفة في ربوع الدنيا كلها؛ سعياً إلى خلق توافق حول قيم العلم والمعرفة، ومن ورائها قيم التعاون على البر والتقوى والتسامح والرحمة.

مرة أخرى أرحب بكم، وأتمنى لكم كل التوفيق في مهامكم المقبلة.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،،



[1] الهيئة العامة للاستعلامات