إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء

 



التقرير الثالث للجنة الأمم المتحدة المعنية بالحالة العنصرية في اتحاد جنوب أفريقيا

A/2953، 1955

...

ملاحظات ختامية

306 -

نظرا إلى الطابع الخاص الذي يتسم به هذا التقرير، ترى اللجنة أنه يكاد يكون من غير الملائم تقديم أية استنتاجات جديدة بالمعنى الصحيح لهذه العبارة.

       والاستنتاجات الواردة في التقرير الأول (A/2505  و Add.1) المحال إلى الجمعية العامة بخصوص آثار سياسة الفصل العنصري على الحياة الاقتصادية والاجتماعية وعلى جوانب التوتر الداخلي بين جماعات البشر الموجودة في أراضي الاتحاد، وبخصوص الأخطار الناشئة عن الانعزال أو النزاع والتي ستحدق بعلاقات الاتحاد الخارجية نتيجة لذلك، وبخصوص التضارب القائم بين مبادئ الفصل العنصري من ناحية، وأحكام ميثاق الأمم المتحدة ومبادئ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان من ناحية أخرى، لا تزال كلها صحيحة.

       وأورد تقرير اللجنة الثاني (A/2719) بعد ذلك اقتراحات عامة ومحددة مختلفة للتصدي بالطرق السلمية وغير العنيفة للمصاعب العنصرية التي يواجهها اتحاد جنوب أفريقيا. وترى اللجنة أن هذه الاقتراحات لا تزال الآن سليمة بقدر ما كانت وقت طرحها، ولا تستطيع أن تقول بإخلاص إنه ينبغي تعديلها بأي شكل من الأشكال بسبب مرور الزمن.

       وعلى ذلك فإن القصد الأساسي من الملاحظات التالية، المطروحة بمثابة استنتاج، تقديم معلومات إضافية؛ كما أنها تأتى ببعض الوقائع والتأملات الأخرى حول نقاط ترى اللجنة أنه ينبغي أن تحظى بعناية الجمعية العامة. ولما كانت هذه الملاحظات تكمل التقرير السابق من بعض النواحي، فإنه يعتقد أنه ينبغي لها أن تمكن الجميع من الوقوف بشكل أشمل وأدق على دواخل الحالة العنصرية في اتحاد جنوب أفريقيا كما تبدو في نهاية هذا العام الخاضع للمراقبة.

       ومن أجل الوصول إلى فهم أفضل لهذه الملاحظات، تعيد الفقرات التالية مباشرة باختصار العناصر الرئيسية لتقريري اللجنة الأول والثاني، وتصف بإيجاز عناصر التقرير الحالي. ويرد بعد ذلك تفسير للتطورات التي حدثت خلال العام، ويختتم التقرير بفرع عنوانه "تصورات راهنة بشأن اقتراحات سابقة".

1 -

العناصر الرئيسية لتقريري اللجنة الأول والثاني

307 -

قامت اللجنة في تقريرها الأول (A/2505  و Add.1) بما يلي:

(أ)

قدمت إلى الجمعية العامة وصفا مختصرا لجغرافيا اتحاد جنوب أفريقيا وتاريخه ووضعه السكاني وتكوينه العرقي وحكومته، ورأت اللجنة أنه لا غنى عنه من أجل الوصول إلى تقدير منصف للحالة العنصرية بالغ التعقيد إلى حد غير عادي؛

(ب)

عرفت مبدأ الفصل العنصري وبرنامجه؛

(ج)

أجرت تحليلا للحالة العنصرية في جنوب أفريقيا ووصفتها، وبخاصة أنها نشأت من جراء تشريع سنه وأصدره برلمان يكاد يقتصر على تمثيل الأقلية الأوروبية الأصل؛

(د)

قارنت بين هذا التشريع ومبادئ الميثاق؛ وأحكام الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وبعض القرارات الهامة الصادرة عن الهيئات الرئيسية التابعة للأمم المتحدة، فوجدت أنه يخالف هذه المبادئ كلية؛

(ه)

تقدمت ببعض الاقتراحات المبدئية والمؤقتة للمستقبل.

وقامت اللجنة في تقريرها الثاني (A/2719) بما يلي:

(أ)

استكملت تقريرها السابق بتقديم تفاصيل أتم عن هيكل البلد الاقتصادي ومدى تنميته، ذلك لأنه لا ريب في أن الواقع الاقتصادي هو العامل الذي له أشد تأثير مباشر على حالة عنصرية خاصة، وهو التأثير المشحون إلى أقصى حد بالانفعال أو الاستياء الفردي أو الجماعي، ومن ثم كثيرا ما يكون أكثر التأثيرات حسما؛

(ب)

أجرت مزيدا من التحليلات المقارنة على غرار ما سبق وصفه أعلاه؛

(ج)

قدمت وصفا عن عام واحد من الحياة في اتحاد جنوب أفريقيا (1953-1954) في ظل الفصل العنصري؛

(د)

درست مختلف حلول المشكلة العنصرية التي عرضتها في اتحاد جنوب أفريقيا نفسه مؤسسات أو أحزاب سياسية أو أشخاص معنيون مباشرة بالموضوع ويتمتعون بمؤهلات خاصة؛

(ه)

عرضت، على النحو المطلوب صراحة في اختصاصاتها، اقتراحات مدروسة بعناية كانت تعتقد أنه يمكن لها أن " تخفف من حدة الوضع وتعزز التوصل إلى تسوية سلمية ".

2 - عناصر التقرير الحالي

308 -

تقوم اللجنة في التقرير الحالي بما يلي:

(أ)

تواصل كعادتها تحليل الآثار المترتبة على التشريعات واللوائح الجديدة ودراستها؛

(ب)

تقدم عرضا منهجيا ووصفيا لأحداث ذات قدر من الأهمية وقعت بين آب/ أغسطس 1954 وتموز/ يوليه 1955 وأثرت في الحالة العنصرية في جنوب أفريقيا أو ألقت أضواء جديدة عليها.

        وكانت اللجنة مترددة بعض الشيء في تسمية الجزء الثاني من تقريرها "تطور الحالة"، وذلك لأن حالة عنصرية تشكل محصلة 300 عام من التاريخ المحلي ومن السلوك والعادات التقليدية ومن المشاعر الجماعية الحتمية التي تعزى إلى حد ما إلى ظروف خاصة (ولكنها قائمة باستمرار) لا يمكن أن تتطور بشكل ملحوظ في غضون 12 شهرا. غير أن وظيفة اللجنة، لدى صوغ استنتاجاتها، هي بالتحديد أن تناقش، وراء ما هو غير مدرك أو بالكاد يدرك، نزرا يسيرا من الإشارات أو الأدلة التي ربما تبشر بظهور اتجاه جديد في الأحداث أو في أسلوب التفكير.

        وقد باشرت اللجنة مهمتها دون أن تكون أقل تواضعا بل أكثر ثقة إلى حد ما من ذي قبل. وحيث إنها كانت مراقبا موضوعيا لاتحاد جنوب أفريقيا لمدة ثلاث سنوات تقريبا، فقد تمكنت من أن تجمع بالتدريج مجموعة من الوثائق المنتقاة الأوسع نطاقا، وأن تعتمد على مصادر أكثر تنوعا للمعلومات، وأن تصبح أكثر دراية بالعوامل التي تحرك السكان الأفريكانيين، وهم من سلالة الفورتريكير والبوير الذين كان ماضيهم شاقا وبطوليا في آن واحد.

        وغامرت اللجنة في استنتاجاتها إذ حاولت أن تفسر الأحداث التي سردت أعلاه وأن تفسر كذلك بعض الحقائق الأخرى والأمور غير القابلة للتقييم بدقة التي يتناقش فيما بعد، وذلك لأنها لقيت التشجيع من واقع بعدها عن مسرح الأحداث على الرغم مما قد يبدو في ذلك من تناقض لأول وهلة. وهي لا تدعي بطبيعة الأمر أنه يمكن أن يكون هناك بديلا للاتصال الشخصي الذي كانت تتمناه والذي تأسف لفقدانه، نظرا للحقائق والتعقيدات والبدائية المربكة والحداثة غير المتوقعة التي تتسم بها جنوب أفريقيا. ولكن بحكم درايتها بأزمات وأحداث وقعت في ماض أقرب أو أبعد وتشابه من بعض النواحي الوضع المتعدد الأعراق في جنوب أفريقيا، تعتقد اللجنة أن منظور البعد هذا بحد ذاته - الذي ما كانت لتحصل عليه في بريتوريا أو في الكيب - يتيح مزايا معينة. ففي هذا العالم الذي لم تعد توجد فيه مشاكل محلية صرفة وقلت كثيرا الحلول التي تعتمد قصرا على العوامل المحلية، يجعل هذا المنظور وهذا البعد من الممكن اتباع نهج موضوعي يصعب أحيانا بلوغه في ميدان تلعب فيه العوامل العاطفية دورا كبيرا. وترجو اللجنة أن تكون قد حققت هذه الموضوعية في الصفحات التالية.

3 - تفسير أحداث العام

309 -

ترى اللجنة بادئ ذي بدء أن الخطوط العامة لسياسة الفصل العنصري لم تتغير خلال العام الذي انصرم منذ أن وضعت تقريرها الثاني. والواقع هو أن الحكومة الجديدة، برئاسة السيد سترايدوم، أعلنت أنها تعتزم تنفيذ سياسة الفصل العنصري هذه إلى أقصى حدودها.

        ثانيا، حسبما جاء في الجزء الثاني من الفصل الأول من التقرير الحالي، سنت خلال السنة مجموعة من التدابير التشريعية التي تتعارض، مثلها مثل التدابير التي ذكرت في تقرير اللجنة الأخير، مع الالتزامات التي أخذها اتحاد جنوب أفريقيا على نفسه بموجب الميثاق ومع بعض أحكام الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.

        ثالثا، أصبحت تشريعات تمييزية سنت في سنوات سابقة وأجرت اللجنة تحليلا لها وقتذاك سارية المفعول أو استمر العمل بها خلال العام. وتود اللجنة أن توجه الأنظار بصورة خاصة إلى قانون تعليم البانتو، الذي يتناوله التقرير الحالي. فلا ينطوي هذا القانون ضمنا على إنكار مبادئ حقوق الإنسان فحسب - وهو جانب نظرت فيه اللجنة في تقريرها الثاني (A/2719، الفقرتان 110- 111) بل إن تطبيقه سوف يزيد كذلك، في رأي اللجنة، من احتمال وقوع أخطار أخرى تود اللجنة أن توجه نظر الجمعية العامة إليها.

(أ)

الفصل العنصري في ميدان التعليم، الذي ترمز إليه عبارة "تعليم البانتو" - وهو مصطلح يمقته جميع السكان غير الأوروبيين الذين يطالبون، وفقا لشعارهم، ليس بالتعليم "الموضوع حسب القياس" بل بالتعليم "العام" - يحتمل أن يقوي إلى حد أكبر وينشر بين جميع السكان الأصليين قومية للبانتو أشد مناوأة للبيض. وتعتقد اللجنة أن الحكومة الوطنية، بتنفيذها سياستها الخاصة بالفصل في المدارس إلى أبعد حد، قد تواجه بعض المفاجآت المحزنة، بما في ذلك التشدد في الموقف المناهض للأوروبيين عند سكان البانتو، وإذا ما حدث ذلك، فإن الفصل العنصري في هذا الميدان، كما في غيره من الميادين، سيحدث ولا ريب أثرا مخالفا جدا لفكرة التهدئة وتقليل الاحتكاك التي يقول أنصاره إنهم يأملون في تحقيقها.

(ب)

وفقا لما جاء في الفرع المتعلق بتعليم البانتو، يجرى إدخال اللغة الأفريكانية في وقت سابق لأوانه نوعا ما وعلى نطاق واسع للغاية جنبا إلى جنب مع اللغة الإنكليزية في المناهج الدراسية. ويعنى ذلك أنه سيتعين على الأطفال دون العاشرة من العمر أن يدرسوا ثلاث سنوات مختلفة (فيتكلم كل طفل من البانتو إحدى اللهجات الوطنية السبع)، مما سيؤدى دون شك إلى إجهاد أذهانهم وذاكرتهم، ويضر بتحصيل مواضيع أخرى ربما تكون أكثر نفعا وضرورة.

        وترى اللجنة كذلك أنه سيكون من تأثير هذا التدبير إضعاف نفوذ اللغة الإنكليزية وانتشارها بين السكان الأصليين، وهي لغة توفر، نظرا إلى عالميتها، ذخرا ثقافيا بالغ الأهمية وصلة أوثق بإخوانهم العرقيين في أفريقيا وأمريكا الذين يراقبون بفخر تقدمهم الاجتماعي والاقتصادي والثقافي.

        رابعا، تعيد اللجنة تأكيد ما قالته في تقريريها السابقين: أن استمرار سياسة الفصل العنصري يشكل تهديدا خطيرا للحياة الوطنية داخل اتحاد جنوب أفريقيا. وما ردود الفعل التي ورد وصفها في التقرير الحالي والصادرة عن الجماعات الاجتماعية المختلفة بشأن التشريعات التي صدرت والتدابير التي سنت سوى تأكيد لوجهة النظر هذه.

        خامسا، تؤكد كذلك المواد التي جمعتها اللجنة، وبخاصة ما ذكر منها في الفرع المعنون"المضاعفات الدولية للمشكلة العنصرية"، رأيا آخر للجنة (أعرب عنه في مكان آخر)، ألا وهو أن سياسة الفصل العنصري عامل يسبب إخلالا خطيرا بالعلاقات الدولية، وأقل ما يمكن أن يقال عنها هو أنها "قد تضر بالرفاهية العامة أو تعكر صفو العلاقات الودية بين الأمم". ووفقا لذلك، يكون هذا الوضع من بين الأوضاع التي قد تشكل، بموجب المادة 14 من الميثاق، موضوع توصيات من قبل الجمعية العامة.

        وتبين هذه المواد أيضا أن اهتمام العالم، وبخاصة العالم الملون، يتركز على جنوب أفريقيا تركزا شديدا ينطوي على الاستنكار المقترن في كثير من الأحيان باستياء يشوه الصورة أحيانا وقد يؤدي حتى إلى آراء متطرفة وقد يصبح في النهاية مصدرا محتملا لنزاعات دولية.

        سادسا، وعلى الرغم مما قيل في إطار النقاط من الأولى إلى الثالثة أعلاه، وعلى الرغم من التصريحات الصادرة عن أعضاء مسؤولين في الحكومة والتي يعلنون فيها على الدوام التزامهم الثابت بمبادئ الفصل العنصري وعزمهم على ترجمته إلى حقيقة واقعة، فإنه يبدو أن سياسة الفصل العنصري، بقدر ما أمكن ملاحظته في تنفيذها قانونيا وعمليا خلال العام المستعرض، لا تزال تتسم أساسا بالتدريج والمرونة. وقد كانت هذه هي ملاحظة اللجنة في تقريرها الأول (A/2505 و Add.1، الفقرة 423). وفي الواقع، يبدو أن هذا التدريج أصبح أكثر وضوحا في الآونة الأخيرة، أو بعبارة أخرى ازدادت سرعة تنفيذ برنامج الفصل العنصري بطئا.

        وفي تموز/ يوليه 1955، عند انتهاء الدورة البرلمانية، بدا تحقيق هذا الهدف بعيدا تقريبا كما كان يبدو قبل عام من ذلك الوقت.

        وثمة نقطة أخرى جديرة بالذكر، وهي أنه يبدو أن الحكومة تعترف صراحة وسرا إلى حد ما بأن الفصل التام بين المناطق قد يكون في الحقيقة هدفا نظريا لا يمكن بلوغه عمليا.

        وفي العام الماضي، حمل أحد فصول تقرير اللجنة عنوان "عام واحد من الحياة في جنوب أفريقيا في ظل نظام الفصل العنصري". وستتردد اللجنة اليوم في تقديم تقريرها بهذا العنوان؛ بل يتعين أن يكون العنوان بالأحرى "عام واحد من الحياة في بلد يسير نحو نظام الفصل العنصري"، لكنه يتقدم في سيره ببطء، بل ببطء شديد وحذر وحرص. وبالمعدل الذي تروج به الحكومة كل يوم لتدابير أوسع من الفصل العنصري، قد تحتاج نظريات الفصل العنصري الجديد إلى سنوات عديدة لتصبح  مشابهة ولو بقدر طفيف للواقع العملي؛ وحينئذ ستكون الأجيال المتعاقبة من البيض والسود قد غيرت مجرى الأحداث.

        سابعا، ثمة دليل على مرونة نظام الفصل العنصري، وهو ما ذكرته اللجنة من قبل؛ وهذه المرونة غير متوقعة إلى حد ما من جانب القادة السياسيين الذين مازالوا متشبثين ببيانات المبادئ الصادرة عنهم.

        ويمكن تبنيها أساسا في شكل استثناءات من العزل العنصري التقليدي أو من التمييز على النحو المنصوص عليه في اللوائح التنظيمية، كلما جعلت مصلحة طاغية إجراء الاستثناء أمرا مستحسنا في نظر الحكومة.

        ثامنا، تلاحظ اللجنة أيضا ترددا كبيرا في تطبيق سياسة الفصل العنصري، من ذلك مثلا التأخر الملحوظ في "إعلان" مناطق الجماعات الرئيسية على الرغم من أن وزير شؤون السكان الأصليين كان قد أعلن في 23 آذار/ مارس 1955 أن هذه المناطق ستعلن تباعا؛ والتأخر في التوصل إلى قرار بشأن تقرير لجنة هولوواي المتعلق بجدوى الأخذ فعليا بنظام الفصل العنصري التام في التعليم العالي؛ وتأخر الحكومة في نشر التقرير الضخم عن التنمية الاجتماعية والاقتصادية لمعازل السكان الأصليين الذي أنجزته منذ عام مضى تقريبا لجنة توملينسون والهام جدا بالنسبة إلى سياسة الفصل العنصري.

        تاسعا، يستحيل على اللجنة أن تتجنب أن تطرح على الملأ الأسئلة التي طرحتها على نفسها: هل هذا التباطؤ في اتخاذ قرار علامة على مجرد حرص أو حذر من جانب الحكومة تحسبا لاحتمال حدوث مضاعفات وطنية أو دولية؟ أو هل هو علامة على تردد فكري فيما يخص الأساليب التي يتعين اتباعها في توجيه دولة جنوب أفريقيا صوب أنماط هيكلية مستقبلية لا يزال من المعتقد أن بالإمكان تحقيقها؟ أم هل هو بالأحرى دليل على بعض الهواجس الآخذة في التكوين حول شرعية الأهداف المقترحة أو إمكانية بلوغها؟

        واللجنة لا تستطيع الإجابة على هذه الأسئلة. وهي تأمل مخلصة في أن يشهد هذا العام، الذي كانت فيه إجراءات الترويج لنظام الفصل العنصري بطيئة جدا إن لم تكن متوقفة تقريبا، بداية تغير في الرأي لصالح المبادئ التي تنادي بها الأمم المتحدة وتساندها.

310 -

بيد أن اللجنة تعتقد أن من الضروري الإشارة إلى بعض العوامل التي ترى أن من المحتمل أن تكون قد أثرت في الاتجاه الذي يظن أنه ملحوظ والتي ربما تكون قد أثرت، على النحو المبين، في معدل ودرجة تنفيذ سياسة الفصل العنصري.

        وتعتقد اللجنة أن هذه المرونة وهذا التأخر وهذه الهواجس، ناهيك عن العراقيل الجديدة التي لا تعد ولا تحصى التي تنشأ دون انتظار على الطريق مهما كان محددا بوضوح على الخريطة النظرية لنظام الفصل العنصري، قد تكون تأثرت بالحقائق التالية :

(أ)

بناء على المعلومات التي جرى تصنيفها وتحليلها في صلب هذا التقرير، ما برحت اللجنة تعتقد، كما أكدت في تقريرها الثاني (A/2719  ، الفقرة 177)، أنه فيما يتعلق باقتصاد جنوب أفريقيا، يستمر إشراك العمال من السكان الأصليين في الصناعة والتجارة والزراعة والخدمة المنزلية "الأوروبية" بلا هوادة، على الرغم من المحاولات المبذولة لكبح تشغيل هؤلاء العمال في الصناعة، وعلى الرغم من الحملة الداعية إلى زيادة المكننة في مصانع الأوروبيين بهدف الاستعاضة عن جزء من عمال البانتو الذين لا يمكن الاستغناء عنهم حتى الآن، وعلى الرغم من التحديد النظري لعدد البانتو المسموح لهم بالإقامة في أماكن "في السماء" في المباني السكنية في مدينة جوهانسبرغ.

        وبتعبير آخر، فإن الاتجاه نحو الفصل العنصري الأوسع نطاقا الذي تريده الحكومة الحالية يقابله اتجاه معاكس تماما، هو اتجاه نحو التكامل يسير خفية وببطء لكنه مستمر ويبدو أن لا سبيل إلى عكس وجهته.

(ب)

أدى الطلب المتزايد على القوى العاملة والتدفق المطرد للعمال غير المهرة أو شبه المهرة على المناجم والمصانع التي يتزايد عددها باستمرار واستيطان الأوروبيين وغير الأوروبيين على السواء في المناطق الحضرية إلى تشجيع الاتجاه نحو انتهاء النزعة القبلية، وهو اتجاه يتعارض مع المساعي التي تبذلها الحكومة من أجل تعزيز أو حتى إعادة ترسيخ النظام القبلي في المعازل أو النزل أو المجمعات أو الأحياء المخصصة للسكان الأصليين في المناطق الحضرية والريفية.

(ج)

ردود الفعل الداخلية لجماعات "اجتماعية" هامة تناولتها اللجنة بالتفصيل في صلب تقريرها.

        وقد عارضت هذه الجماعات معارضة شديدة سياسة الفصل العنصري وبينت بحجج دامغة أن من المستحيل أن تتوافق هذه السياسة مع المبادئ الأخلاقية واحترام كرامة الإنسان التي قبلها العالم المتحضر باعتبارها معايير للسلوك الوطني والدولي، مؤكدة عدم وجود أية إمكانية كي تتحول هذه السياسة إلى حقيقة واقعة.

        وتود اللجنة، في هذا الصدد، أن تشير إلى البيانات التي أدلى بها بعض نواب البرلمان وإلى الموقف الذي اتخذته الكنائس وبعض المؤسسات العلمية.

(د)

القوة المعنوية للرأي العام العالمي. وتؤمن اللجنة أنه يجب على حكومة الاتحاد أن تولي اعتبارا جديا ودقيقا للحقيقة البينة وهي أن الجمعية العامة أعلنت عاما بعد عام بل وشددت خلال الدورة الأخيرة بقوة أكثر من أي وقت مضى وبأغلبية تزيد على الثلثين أن هذه السياسة العنصرية تتنافى ومبادئ الميثاق واقترحت إعادة النظر فيها.

        ولا بد من أن تكون حكومة اتحاد جنوب أفريقيا على علم أيضا بالقوة المعنوية للمشاعر الشديدة الأخرى التي أبداها الرأي العالمي وتصفها اللجنة في تقريرها وغيرها من المشاعر التي لم تذكرها اللجنة لكنها لا بد وأن تكون قد وصلت بالقطع إلى علم حكومة جنوب أفريقيا : أي آراء معظم المجلات الدورية الرئيسية في العالم التي نشرت أنباء التوتر العنصري في الاتحاد وأجمعت في إدانتها لسياسة الفصل العنصري.

(ه)

وهناك عامل آخر يرتبط ارتباطا وثيقا بما سبق ذكره وأشارت إليه اللجنة في تقريرها الأول، وهو أن من المستحيل، في هذا العصر الذي يتصف باتساع نطاق الاتصالات وسرعتها، منع الجماعات التي يمارس ضدها التمييز في اتحاد جنوب أفريقيا من "التقاط" فكرة التطلع إلى حياة أفضل يسودها قدر أرحب من الإنسانية والتكافؤ فضلا عن التمتع الكامل بالحقوق السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية التي يتمتع بها ملايين البشر في سائر البلدان. وتضم هذه الجماعات ملايين الأشخاص الذين ينحدرون من أصل أفريقي، وهو وضع يؤكد الاعتقاد بأن اختلاف اللون لا يمكن أن يحرم سكان جنوب أفريقيا غير الأوروبيين من التمتع بأي حق من الحقوق التي يكفلها القانون أو العرف لسائر المواطنين.

وكل يوم يجابه عدد متزايد من غير الأوروبيين ببعض الحقائق الأساسية للحياة الدولية: فقد أدركوا الآن مثلا أنه لا يوجد بلد آخر في أي من القارات الخمس أرسى العزل العنصري بوصفه مبدأ مطلقا أبديا أو ما يمكن أن يسمى بمبدأ الحق الإلهي. ولا توجد في أي بلد آخر من بلدان العالم أقلية عرقية تعمل جاهدة كي تصفي لمصلحتها الخاصة تعكيرا عنصريا سببته هي نفسها. وحكومة جنوب أفريقيا هي الحكومة الوحيدة في العالم التي تؤمن أن باستطاعتها أن تخوض مثل هذه التجربة الأسطورية وأن تنجح فيها، أي أن تصنع المعجزات أو بتعبير مألوف يشيع استخدامه بين الخطباء الدينيين والصحفيين أن بإمكانها "أن تحيى العظام وهي رميم". وجنوب أفريقيا هو البلد الوحيد في الكمنولث البريطاني الذي لا يقبل بحق الاقتراع العام حتى كهدف يجري تحقيقه تدريجيا في المستقبل البعيد وجنوب أفريقيا هو البلد الوحيد في القارة الأفريقية الذي لا يمثل فيه السكان الأصليون بأشخاص من عرقهم في أي مجلس تشريعي أو استشاري. وجنوب أفريقيا هو البلد الوحيد في العالم الذي يمنع فيه السكان الأصليون منعا باتا من بعض أنواع العمالة بحكم تشريع وضعته أقلية مصممة على الاحتفاظ بها لنفسها.

        على أن هناك في الوقت ذاته ظاهرة تبدو كما لو كانت في الكفة الأخرى من الميزان وهي أن مواطني جنوب أفريقيا، مواطني جنوب أفريقيا برمتهم، من الأوروبيين وغير الأوروبيين على السواء، يراقبون بما يشبه الانبهار الفتوحات السلمية وأوجه التقدم التي يحققها الزنوج شمالي نهر ليمبوبو، وهم إما مستاءون من تقدم هؤلاء الزنوج أو مشيدون به، حسبما تكون عليه الحال.

        وبوسعنا أن نسوق العديد من المقتطفات المماثلة، فكل عدد من جريدة "Bantu World" (جوهانسبرغ) ينشر عمودا خاصا بعنوان "أولئك القريبون منا لكنهم بعيدون عنا" ويهتم كل منها اهتماما خاصا بنقل هذه الأخبار.

        وجدير بالذكر أيضا أنه يسود في أمريكا عموما نوع من الإعجاب بغير الأوربيين في اتحاد جنوب أفريقيا. ويصدق هذا بوجه خاص على الولايات المتحدة الأمريكية التي تجري متابعة تجربتها الراهنة في مجال القضاء على العزل العنصري باهتمام بالغ. ويتجلى هذا من مجرد مطالعة صحافة البانتو. وزنوج جنوب أفريقيا فخورون بالتقدم الباهر الذي حققه إخوانهم في الخارج الذين ينحدرون من أصل أفريقي؛ فخورون بتقدمهم الاقتصادي، وفخورون بانتصاراتهم الاجتماعية الباهرة المتواصلة، وفخورون بإنجازاتهم الثقافية الرائعة. ويطمحون إلى إقامة روابط أوثق معهم، وأول هذه الروابط وأهمها على الإطلاق هي اللغة الإنكليزية.

        وقد قال مواطن مثقف من سكان جنوب أفريقيا الأصليين، هو سلبي بانغاني نغكوبو، الحاصل على درجة الماجستير في الآداب ودرجة البكالوريوس في الاقتصاد، إن وطنيي البانتو يراقبون عن كثب التقدم الذي يحرزه الزنوج في الولايات المتحدة ويعتبرونه دليلا على أن بإمكان أناس من أصل أفريقي أن يبلغوا أعلى مستويات الحضارة في وقت قصير نسبيا (La Nation sud-africaine, Collection "Profil des Nations," Editions du Rocher, Monaco, p. 69).

        وفي رأي اللجنة أن لمثل هذا الوضع - الذي تخترق فيه مشاعر العصر وتيارات الفكر العالمي البالغة القوة الحدود الموصدة بإحكام، بينما يدرك مواطنو جنوب أفريقيا غير الأوروبيين أنهم محرومون من الفرص وأسباب التقدم والحقوق التي تعتبر من حيث المبدأ على الأقل حقوقا مستحقة للبشر كافة في سائر أراضى القارة الأفريقية وغيرها من القارات - عواقب وخيمة في المستقبل. وسيكون من تأثيره إثارة السخط الدفين والحث على عقد مقارنات أليمة ومهيجة؛ وقصارى القول إنه يضاعف التوتر بين الأعراق.

4 - تصورات راهنة بشأن اقتراحات سابقة

(أ)

الاتصالات بين الأعراق والأمم المتحدة

311 -

ترى اللجنة أن من الضروري إيجاد حل للمشاكل الناشئة عن العلاقات بين الأقلية البيضاء والأكثرية من البانتو عن طريق عقد عدد متزايد ومتكرر من الاتصالات والمؤتمرات المشتركة بين الأعراق وإجراء مناقشات الموائد المستديرة بين رجال حسني النية من البيض وغير البيض.

        ومع ذلك يتزايد إيمان اللجنة رسوخا بضرورة إجراء هذه الاتصالات الدولية الحكومية أو المشتركة بين الجماعات في حضور ممثلين مناسبين للأمم المتحدة ومن أعلى المستويات (رئيس أو نواب رئيس الجمعية العامة، أو رئيس مجلس الأمن أو المجلس الاقتصادي والاجتماعي أو مجلس الوصـاية، أو الأمين العام، أو ممثلوهم المؤهلون للقيام بذلك) حتى تنعكس مبادئ الميثاق والإعلان العالمي لحقوق الإنسان فعليا في المناقشات وتخطيط الحلول.

        وفي هذه الأيام، تستخدم الأمم المتحدة نفوذها - بمشقة بل حتى بجهود مضنية ولكنها ناجعة - من أجل كفالة وضع حد للنزاعات وإجراء مصالحات بين دول تنشب بينها خلافات. ويوما ما - ونأمل أن يأتي هذا اليوم قريبا - سيعتبر هذا النفوذ ضروريا لتيسير تسوية النزاعات العنصرية المنذرة بالخطر أو النزاعات الاستعمارية الآخذة في التدهور (A/2719 ، الفقرة 355).

(ب)

تقديم الأمم المتحدة للمساعدة التقنية

312 -

توجه اللجنة انتباه الجمعية العامة مرة أخرى إلى اقتراح قدمته في تقريرها الثاني (A/2719 الفقرة 384) بعنوان "الاقتراح الثالث- المساعدة التي يمكن للأمم المتحدة أن تقدمها"، أي أن تبدي الأمم المتحدة استعدادها للتعاون مع اتحاد جنوب أفريقيا، بما في ذلك توفير ما يمكن للأمم المتحدة والوكالات المتخصصة تقديمه من موارد فكرية ومادية، كمساعدة تقنية خاصة، من أجل التشجيع على إجراء دراسات واتصالات دولية واتخاذ تدابير اقتصادية واجتماعية من شأنها أن تفضي إلى تسوية سلمية للتوتر العنصري في الاتحاد وذلك بما يتوافق مع روح الميثاق والإعلان العالمي لحقوق الإنسان.

          وقد عرضت اللجنة هذه الاقتراحات في تقريرها السابق بوضوح شديد ولكن بحذر وحرص بالغين في الوقت ذاته. وسيكون من دواعي ارتياح اللجنة الشديد أن تتسنى مناقشة هذا الاقتراح في الجمعية العامة.

          وتدرك اللجنة أن هذا الاقتراح قد يأتي كمفاجأة. وذلك أن المجلس الاقتصادي والاجتماعي والجمعية العامة قد نصا، في القواعد التي وضعاها بشأن المساعدة التقنية، على وجوب أن يسبق كل مشروع للمساعدة طلب محدد بهذا الخصوص تقدمه الدولة العضو المعنية. وقد قامت الأمم المتحدة نفسها بوضع هذه القواعد التي هي بلا شك قواعد حكيمة في معظم الحالات؛ وبالتالي فإن باستطاعتها بالقطع، إذا رغبت في ذلك، أن تدخل تعديلات أو تغييرات عليها أو أن تسمح باستثناءات منها كلما اقتضت ظروف أو حالات خاصة القيام بذلك.

          وليس هناك أي سبب يمنع الأمم المتحدة من أن تقرر أنها مستعدة هي نفسها لتقديم المساعدة إلى دولة من الدول الأعضاء تعانى من مصاعب تهدد استقرار حياتها الوطنية ومواصلة علاقاتها السلمية مع الأوساط الخارجية على حد سواء.

          ولا يمكن بالطبع مقارنة اتحاد جنوب أفريقيا بأي وجه من الوجوه ببلد من البلاد المتخلفة التي تخصص لها المساعدات التقنية في إطار المعنى الضيق للكلمة على نحو ما يفسر الآن في الأمم المتحدة. فاتحاد جنوب أفريقيا بلد تكفل موارده الطبيعية وروح المبادرة المقدامة لدى أقليته التي تمسك بيدها مقاليد الأمر تحقيق ازدهار اقتصادي متزايد؛ لكن سلطات الاتحاد تواجه، في علاقاتها مع أكثرية من السكان الأصليين لا غنى عنها لبقاء الأمة في حد ذاته وتشكل جزءا لا يتجزأ من هيكلها، مشاكل اجتماعية تبلغ في جسامتها ونطاقها مبلغا يبرر بلا جدال، بموجب مبادئ التضامن التي أدرجتها شعوب الأمم المتحدة في الميثاق، المساعدة المنزهة عن الأغراض من جانب المجتمع الدولي.

          ولا يغيب عن بال اللجنة أيضا أن احتمال قبول حكومة اتحاد جنوب أفريقيا الفوري لمشاريع المساعدة هذه حتى في حالة الاتفاق عليها، ضئيل. ولكن قيام خبراء الأمم المتحدة بوضع خطة هذه المساعدة، في خطوطها العريضة العامة؛ والتأكيد على أن فرصة تقديم هذه المساعدات ستكون سانحة دائما لأية حكومة للاتحاد تبدي استعدادها لقبولها؛ ووجود هذه المشاريع في حد ذاته - سيكون لها جميعا أثر مفيد (حتى على المدى البعيد) على تطور الأوضاع في جنوب أفريقيا.

          ولا ريب في أن الأمم المتحدة تستحق كل ثناء لعرضها تقديم المساعدة ولما تبذله من مساع حميدة: فقد تزايد أولا اقتناع أبرز الأوساط بأنه قلما توجد مشكلة وطنية لا تترتب عليها آثار ومضاعفات دولية؛ ويعنى هذا أن كل مشكلة من هذه المشاكل تهم الهيئات التي شكلها الإنسان لتعزيز السلم والتقدم الاجتماعي. وقد بدأ أيضا إدراك أن مشاكل جنوب أفريقيا تندرج في عداد المشاكل التي يتبدى بوضوح أن لها عواقب دولية.

          وساد ثانيا مناخ الانفراج والتعاون على الصعيد الدولي، الملحوظ للغاية الآن في جنيف (وقت دورة اللجنة)، في جميع بقاع العالم بعد مؤتمر القوى العظمى الأربع، الأمر الذي يجعل لزاما على جميع الحكومات والهيئات الدولية أن تبذل كل ما في وسعها وأن تستعين بكل ملكاتها الخلاقة لتسوية كافة المنازعات.

          ويبدو لنا أن من المستحيل أن يكون باستطاعة حكومة اتحاد جنوب أفريقيا أن تدير أذنا صماء على الدوام إلى مناشدة الجنس البشرى برمته وعروض المساعي الحميدة المنزهة عن الأغراض والنابعة من رغبته الجدية المخلصة في تعزيز تنفيذ مبادئ الميثاق والإعلان العالمي لحقوق الإنسان.

(ج)

المساعدة التقنية وحقوق الإنسان

313 -

أخيرا حدث تطور جديد هذا العام يبرر، إذا كانت هناك حاجة للتبرير، قيام الأمم المتحدة بعرض المساعدة على اتحاد جنوب أفريقيا. وكان من دواعي الارتياح البالغ أن تلاحظ لجنتنا قيام لجنة أخرى من لجان الأمم المتحدة، أي لجنة حقوق الإنسان - وهي هيئة دولية حكومية - باتخاذ قرار تترتب عليه آثار ذات شأن، ويتسم بقسط وافر من شجاعة الرأي وبكلمات مماثلة في القوة، ينص على التطبيق العالمي لمبدأ قيام الأمم المتحدة بتقديم المساعدة التقنية من أجل تعزيز حقوق الإنسان. وقد قمنا بصياغة هذا المبدأ نفسه العام الماضي وأدرجناه في تقريرنا، ضمن حدود اختصاصاتنا. وباتخاذ لجنة حقوق الإنسان لهذا القرار أفسحت الأمم المتحدة ميدانا جديدا للعمل من أجل تعزيز حقوق الإنسان، له إمكانيات هائلة، لكن فعاليته ستتوقف على استعداد الأمم المتحدة لاتخاذ خطوات عملية في هذا الشأن.

          والاقتراحات التي قدمناها العام الماضي في تقريرنا ترتبط ارتباطا واضحا جدا بقرار لجنة حقوق الإنسان إلى حد أننا نشعر بأن من الواجب علينا أن نورد نص القرار بالصيغة التي اعتمدها المجلس الاقتصادي والاجتماعي في دورته العشرين (القرار 586 (د-20))، بالإضافة إلى الفقرة الواردة في تقريرنا السابق والتي تتضمن اقتراحاتنا التي لا تزال صالحة بالنسبة إلى اتحاد جنوب أفريقيا (A/2719، الفقرة 384).

"الخدمات الاستشارية في ميدان حقوق الإنسان

          "إن المجلس الاقتصادي والاجتماعي،

          "يوصي الجمعية العامة باعتماد مشروع القرار التالي:

          "إن الجمعية العامة،

          "إذ تضع في اعتبارها أن الدول الأعضاء في الأمم المتحدة آلت على أنفسها بموجب المادتين 55، 56 من ميثاق الأمم المتحدة أن تعمل على أن تشيع في العالم احترام الحقوق والحريات الأساسية للجميع بلا تمييز بسبب العرق أو الجنس أو اللغة أو الدين،

          "وإدراكا منها أن المساعدة التقنية، بواسطة التبادل الدولي للمعارف التقنية عن طريق التعاون الدولي بين البلدان، تمثل وسيلة من الوسائل التي يمكن عن طريقها تعزيز أهداف الأمم المتحدة المتعلقة بحقوق الإنسان كما وردت في الميثاق والإعلان العالمي لحقوق الإنسان،"

...

          "وإذ تحيط علما بقرار الجمعية العامة 730(د-8) الذي يأذن للأمين العام بالقيام، بناء على طلب أية دولة من الدول الأعضاء، بتقديم المشورة والخدمات الأخرى التي لا تندرج في نطاق برامج المساعدة التقنية القائمة، من أجل مساعدة حكومة تلك الدولة على القيام داخل إقليمها بالقضاء على التمييز أو حماية الأقليات أو كليهما،"

...

"1 -

تقرر إدماج المساعدة التقنية التي سبق أن أقرتها الجمعية العامة (فيما يخص تعزيز حقوق المرأة وصونها، والقضاء على التمييز وحماية الأقليات، وتعزيز حرية الإعلام في برنامج المساعدة الواسع النطاق في ميدان حقوق الإنسان المقترح في هذا القرار، وتسمية البرنامج بأكمله 'الخدمات الاستشارية في ميدان حقوق الإنسان'؛

"2 -

تأذن للأمين العام:

"(أ)

بأن يعمد، رهنا بتوجيهات المجلس الاقتصادي والاجتماعى، وبناء على طلب الحكومات، وبالتعاون مع الوكالات المتخصصة عند الاقتضاء ودون ازدواج للأنشطة القائمة، إلى رصد اعتماد لتقديم أشكال المساعدة التالية فيما يتعلق بحقوق الإنسان:

'1' خدمات الخبراء الاستشارية؛

'2' الزمالات والمنح الدراسية؛

'3' الحلقات الدراسية؛

"(ب)

بأن يضع البرنامج الذي يأذن به هذا القرار في الاعتبار لدى إعداد تقديرات ميزانية الأمم المتحدة".

"الاقتراح الثالث - المساعدة التي يمكن للأمم المتحدة أن تقدمها

"384 -

إذا ارتأت الجمعية العامة أن البرنامج المبين أعلاه، سواءً بأكمله أو في جزء منه، يمكن أن يوفر أساسا مؤقتا للتعاون المحتمل مع حكومة اتحاد جنوب أفريقيا، فإن اللجنة تقترح أن يُقدم إلى هذه الحكومة عرض بأن تشكل بناءً على طلبها لجنة مكونة من خبراء تقنيين متخصصين في تخطيط برامج التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وبخاصة في المجتمعات المتعددة الأعراق، يمكن أن يطلب منهم أن يضعوا قائمة بجميع أشكال المساعدة المختلفة التي يمكن للأمم المتحدة والوكالات المتخصصة أن توفرها. ولا ريب في أن هذا الاقتراح قد يبدو للكثيرين متناقضا مع التهيب أو الحذر اللذين يقترنان عادة بالعمليات الدولية. ولكن إذا كان للحذر ما قد يبرره، فإنه لا يوجد ما يبرر التهيب. وينبغي أن يوضع نصب العينين أنه سبق للأمم المتحدة أن اتخذت إجراءً مماثلا وعلى نطاق واسع لإعادة بناء وتعمير بلدان بعد أن عانت من عواقب النزاعات؛ فلماذا إذن تتردد في اتخاذ مثل هذا الإجراء عندما ينطوي الأمر على منع خطر حدوث نزاع. وهذا الوضع الأخير مشابه للوضع الذي يواجه المجتمع الدولي في جنوب أفريقيا".

          والمأمول أن توافق الجمعية العامة على قرار لجنة حقوق الإنسان هذا الذي سبق أن أقره المجلس الاقتصادي والاجتماعي، وأن يكون أكثر من أمنية طيبة وأكثر من رمز للنوايا الحسنة، جيد القصد ولكنه غير ناجع بالمرة.

          ويبدو لنا أن اتحاد جنوب أفريقيا قد يكون مكانا يمكن فيه تطبيق هذا القرار. ولهذا نعتقد أن واجبنا أن نؤكد من جديد في هذا المقام أن هذه الفرصة المحتملة لاتخاذ إجراء من جانب الأمم المتحدة يمكن انتهازها بل ينبغي في رأينا انتهازها. والاختلاف الوحيد بين اقتراحاتنا والقرار الذي اتخذته لجنة حقوق الإنسان وهو ما يلي: في اقتراحاتنا تعرض الأمم المتحدة المساعدة التقنية؛ أما في قرار لجنة حقوق الإنسان فإن الحكومة المعنية تطلب تقديم هذه المساعدة. وقد بينا من قبل لماذا تستطيع الأمم المتحدة تذليل هذه الصعوبة الطفيفة الناشئة عن الإجراءات الخاصة بالمنظمة وكيف يمكنها أن تذللها.

          وعلى أية حال، فإننا نؤمن إيمانا راسخا بأنه إذا كان للأمم المتحدة أن تعتمد المبدأ المتجسد في اقتراحاتنا، وكان لها أن تقدم بعزم وطيد على اتباع سبيل العمل الذي أوصت به كل من لجنة حقوق الإنسان والمجلس الاقتصادي والاجتماعي، وكان لها، مع كل الحذر الذي تمليه الحكمة وبعد إجراء جميع الدراسات الضرورية، أن تقرر التعهد بتقديم هذا النوع من المساعدة التقنية، فإنها ستفتح في ميدان مسؤولياتها السامية قنوات جديدة غير مكتشفة لنشاط الأمم المتحدة؛ وسيكون ذلك قرارا بأداء مهمة من أنبل المهام التي أسندها ميثاق الشعوب إلى الأمم المتحدة، ألا وهي معالجة التوترات العنصرية وإيجاد الحلول السلمية لها، تمشيا مع المقاصد النبيلة لإعلان حقوق الإنسان التي تقضى بالعمل على كفالة كرامة الإنسان.

5 - اتحاد جنوب أفريقيا والتضامن الدولي

314 -

كلما تعمق المرء في بحث المشاكل الإنسانية في جنوب أفريقيا، تزايدت شدة اقتناعه بأن الأوضاع السائدة في ذلك البلد فريدة من نوعها تاريخيا واجتماعيا.

          ويمكن وصف الوضع بأنه شبيه بوضع مستعمرة دون وطن أم، ومن ثم فإنه يختلف اختلافا كبيرا عن الأوضاع السائدة في معظم البلدان المستعمرة. ففي البلدان الأخيرة تشعر الأقلية البيضاء ثانية أنها أكثرية وذات سلطة عندما تعتبر نفسها مقترنة بالوطن الأم وتشعر بالانتماء إليه. وهذا الارتباط بالوطن الأم وهذا التضامن معه يعطيان العنصر الأبيض إحساسا بالأمان يواجه به مجرى الأحداث ويخفف عنه مشاعر القلق التي تحول دون أن تنظر أية أقلية بوضوح إلى مستقبل مجهول.

          وكان ذلك لا يزال هو وضع أحفاد المستوطنين الإنكليز أو الاسكتلنديين في جنوب أفريقيا في ظل حكومات بوتا وهيرتسوغ وسماتس، وظل على هذا المنوال مع بعض التغييرات بالطبع بعد أن تولت حكومة الحزب الوطني السلطة في عام 1948. بيد أن عضوية الاتحاد في الكمنولث البريطاني توفر لهم الاطمئنان وتمنحهم إحساسا بالأمن. وإذا تدهورت الأوضاع في جنوب أفريقيا إلى حد يستحيل معه إصلاحها، فعزاؤهم أن باستطاعتهم العودة إلى الوطن القديم الذي احتفظوا بروابط عاطفية قوية جدا معه.

          أما الأفريكانيون فليس لديهم أي عزاء مماثل. وهم، ضمن الأقلية البيضاء، الأكثرية التي تتولى السلطة حاليا؛ يحسون بأنهم في عزلة، ولا يشعرون بأي تضامن مع وطن أم بعيد، ويواجهون أكثرية متزايدة من الزنوج والملونين. وهذا ما يفسر دون شكل، وعلى الأقل جزئيا، بعض ردود فعل قادة اتحاد جنوب أفريقيا.

          وترى اللجنة أن هذه العزلة (التي تدركها وتعرف أنها تسبب توترا شديدا إلى درجة أن الأقلية البيضاء كثيرا ما تصل إلى حد التداعي تحت وطأة العبء وتلجأ إلى بوادر عرضة للتساؤل) لابد وأن تدفع الاتحاد إلى التماس التضامن الذي تسعى الأمم المتحدة جاهدة لنشره بين أعضائها. والمقصود هنا ليس بالطبع تضامنا عنصريا بل تضامنا إنسانيا يتجاوز الروابط التي كونها التاريخ والجغرافيا والتقاليد والمظاهر البيولوجية بين الإنسان وأخيه الإنسان. ونحن نعنى تضامنا يقوم على مسعى مشترك دؤوب في سبيل تحقيق العدل والتقدم الاجتماعي وفقا لمبادئ مشتركة ومقبولة عموما، تضامنا يزداد رسوخا وإلحاحا وفعالية يوما بعد يوم. وهذا التضامن الذي يمكن لاتحاد جنوب أفريقيا، إذا أراد، أن يشارك فيه مشاركة فعالة والذي يستطيع أن يجنى منه تدريجيا منافع كبرى، سيغدو بسبب قوته المادية وسلطته المعنوية أقوى ضمان للأمن الذي تتلهف إليه أقليات مثل الأقلية البيضاء في جنوب أفريقيا لمواجهة المخاطر التي تخشى، صوابا أو خطا، حدوثها في المستقبل.

          وهذا بالتأكيد هو الأساس لإيجاد الحلول لمشاكل المستقبل، لا الحلول التي ترضي التطلعات الباطلة والخطيرة المرتكزة بحساسية على نوع من الاعتبار الوطني المهدد، وإنما الحلول التي نرى أن لها وحدها فرصة للنجاح وإحلال السلام وتكمن في معالجة النزاعات العنصرية بإجراء المحادثات على غرار ما يحدث مع المستعمر.

          وبناء على ذلك، فإننا نأمل ونتمنى مخلصين أن يعيد اتحاد جنوب أفريقيا النظر في السياسة التي ينتهجها إزاء الأمم المتحدة وأن يقيم تعاونا وثيقا واسع النطاق مع المنظمة في مختلف الميادين التي يمكن فيها إقامة هذا التعاون، ونأمل بوجه خاص أن يقبل، بروح من التضامن، الأشكال العديدة والمتنوعة للمعونة والمساعدة التي تستطيع الأمم المتحدة أن تقدمها إليه في مجال معالجة مشاكل الاتحاد.

          ويتعزز هذا الأمل عند قراءة الأعداد الأخيرة من صحيفة Die Transvaler، التي ما انفكت تعتبر حتى الآن الحصن الذي يحمي انعزالية جنوب أفريقيا. ولا تستطيع اللجنة التفكير في عبارة لاختتام هذا التقرير أنسب من العبارة المستخدمة في افتتاحية عدد من أعداد تلك الصحيفة، حيث ورد فيها ما يلي:

          "إن العامل الذي ساهم في الماضي مساهمة قوية جدا في تكوين الأفريكانية قد يثبت أنه مهلك في المستقبل: وهذا العامل هو الانعزال".

          وتشارك اللجنة بصدق في هذا الرأي.