إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء

 



البيان الذي أدلى به السيد إدوين أوغيبى أوغبو (نيجيريا)، رئيس اللجنة الخاصة
المعنية بالفصل العنصري، في الجلسة الافتتاحية للمؤتمر النقابي الدولي
لمناهضة الفصل العنصري، جنيف 15 حزيران / يونيه 1973

A/9169، 1 تشرين الأول / أكتوبر 1973

...

         تحتل حركة نقابات العمال الدولية موقعا مركزيا لدى القيام بدور مهم في الحملة المضطلع بها على نطاق العالم لمناهضة العنصرية ونظام الفصل العنصري البغيض الذي لا يمكن تشبيهه إلا بالنازية. ويأمل الجميع في أن تفضي مداولاتكم إلى وضع برنامج عمل مستديم ومتماسك يشكل نقطة تحول في هذا الكفاح المشترك للجماهير والعمال المضطهدين في الجنوب الأفريقي.

         ولعلي ألاحظ هنا أنكم تعقدون هذا المؤتمر بعد مرور 25 عاما على تولي نظام الفصل العنصري السلطة في جنوب أفريقيا بأصوات الأقلية البيضاء وبعد مرور 10 سنوات على إعلان مؤتمر القمة العالمي للدول الأفريقية المستقلة أن قضية شعب جنوب أفريقيا المضطهد هي قضية كل الحكومات والشعوب الأفريقية. ومنذ 10 أعوام بالضبط اجتمعت الوفود الأفريقية وأغلبية كبيرة من العمال في المؤتمر العام لمنظمة العمل الدولية للضغط معا من أجل أن تتخذ منظمة العمل الدولية إجراءات أقوى بما في ذلك طرد النظام العنصري في جنوب أفريقيا والنقابات العمالية العنصرية.  ويمكن اعتبار المؤتمر الحالي خطوة لصياغة إجراءات إضافية أصبحت حتمية في ضوء خبرة العقد الماضي.

         إن نظام الفصل العنصري نظام مراوغ ومحكم إلى حد بعيد أريد به فرض العمل العنصري بين أبناء الشعب في الوقت الذي تستمر فيه الأقلية البيضاء في استغلال جماهير العمال السود في جنوب أفريقيا. وهو يشمل الفصل الجغرافي في شكل بانتوستانات، "التنمية المنفصلة" للمناطق الصناعية البيضاء، وباستخدام العمل الشاق للسود. بل أن الأدهى من ذلك هو أن مقترفي هذه الجريمة يظهرون بمظهر المنعم ويتظاهرون بالعمل من أجل رفاه ضحاياهم قليلي الحظ والنهوض بهم. غير أن صورة الواقع تبعث على الكآبة؛ فقد اضرب عشرات الآلاف من العمال الأفارقة احتجاجا على أجورهم التي لا تسد الرمق وظروف عملهم المأساوية، رغم المخاطر الكبيرة التي ينطوي عليها ذلك الإضراب بالنسبة إليهم وإلى أسرهم، فهناك كميات لم يسبق لها مثيل من رؤوس الأموال والتكنولوجيا والأسلحة تنهمر على جنوب أفريقيا كل عام؛ كما تقوم حكومة جنوب أفريقيا ومؤيدوها بحملة منظمة جيدا لإقناع العالم بأن التغيرات الاقتصادية جارية أو ستحدث وإنها ستغير في نهاية المطاف النظام كله. وهذا محض افتراء وكذب خسيس.

         ونظام استغلال واضطهاد السكان السود في جنوب أفريقيا قد صيغ في قوانين ونفذ بلا رحمة. واعتقل ملايين العمال الأفارقة لانتهاكهم ما يسمى بـ "قوانين المرور"؛ وعذب الآلاف أو أعدموا ومات كثيرون وهم رهن الاحتجاز؛ وهجرت عشرات الآلاف من الأسر عنوة إلى "معازل" فقيرة يتفشى فيها سوء التغذية ومعدلات الوفيات العالية، وقل الدخل الحقيقي للأفارقة باطراد كما أن البطالة آخذة في الازدياد، ولا يمكن لحركة النقابات العمالية ولا ينبغي لها أن ترضى لهذا الوضع إذا كانت تريد أن تحافظ على ولائها لمبدأيها الأساسيين المتمثلين في تحقيق العدل والمساواة للعامل.

         وتستخدم جنوب أفريقيا عدة كاملة مما يسمى بالنصوص من أجل فرض النظام. ويستخدم فورستر ونظامه أداة "التهديد الشيوعي" بنفس الطريقة التي استخدمتها المكارثية في الولايات المتحدة منذ عشرين عاما. فالشخص يعلن أنه شيوعي في جنوب أفريقيا في أي وقت وتذرعا بأية ذريعة. ولا يفوق قانون الشيوعية قمعا وانعدام الإنسانية إلا قانون الإرهاب. فمن الممكن بمقتضى هذا القانون، أن يعتقل أي شخص يشتبه في قيامه بأدنى معارضة للحكومة وان يحتجز إلى أجل غير مسمى. ولا يمكن لأي محكمة أن تتدخل ولا يمكن لأي محام أو قريب أو حتى رجل دين أو يصل إلى المحتجز.

         لقد غدت حالة الفصل العنصري واحدة من أكبر المشاكل التي تواجه المجتمع الدولي. وآثارها على السلم آثار بعيدة المدى ولا حصر لها. وقد تبين منذ وقت طويل أن هذه الحالة لا تشكل انتهاكا لميثاق الأمم المتحدة فحسب، بل تهديدا للسلم والأمن الدوليين. فالفصل العنصري جريمة ضد الإنسانية.

         ولا يمكن لنقابات العمال في العالم بأي حال من الأحوال أن تكون طرفا في جريمة الفصل العنصري هذه التي تقوم على جهود ترمي إلى إدامة نظام عمل السكان السود القائم على الاسترقاق. ولا يمكنها أن تتغاضى عن هذا النظام أو أن تقبله، إذا كانت مخلصة لمبادئ الحركة النقابية العمالية.

         وقد بدأ العمل الدولي لمناهضة الفصل العنصري مع إنشاء الأمم المتحدة. فقد اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة، كما هو معروف جيدا، عددا كبيرا من القرارات وأوصت باتخاذ تدابير محددة للتصدي للحالة في جمهورية جنوب أفريقيا. فقد طلبت الجمعية العامة إلى الدول الأعضاء أن تقطع العلاقات الدبلوماسية مع جنوب أفريقيا، وأن تغلق موانئها أمام سفن جنوب أفريقيا، وأن تحظر على سفنها دخول موانئ جنوب أفريقيا، وأن تقاطع جميع بضائع جنوب أفريقيا، وأن تمتنع عن التجارة مع هذا البلد، وأن ترفض منح تسهيلات الهبوط والمرور لجميع الطائرات التابعة للحكومة والشركات المسجلة بمقتضى قوانين جنوب أفريقيا، وما إلى ذلك.

         وتطالب القائمة الطويلة من القرارات بالإفراج عن السجناء السياسيين وبتقديم المساعدة إلى المنظمات والأفراد الذين يدعمون ضحايا الفصل العنصري. وقد ناشدت الجمعية العامة جميع الدول تقديم المساعدة السياسية والمعنوية والمادية إلى حركة التحرير الوطني للشعب المضطهد في جنوب أفريقيا. وناشدت جميع الدول تثبيط تدفق المهاجرين، وخاصة المهرة والتقنيين، إلى جنوب أفريقيا. وطلبت إلى الدول والمنظمات أن توقف أوجه التبادل الثقافي والتعليمي والرياضي وأوجه التبادل الأخرى مع النظام العنصري ومؤسساته. وطلبت إلى جميع الدول أن تمتنع عن تقديم القروض والاستثمارات والمساعدة التقنية إلى جنوب أفريقيا.

         وفي مجلس الأمن، حيث تتمتع الدول الكبرى بمقاعد دائمة، جرى اعتماد عدة قرارات تدين سياسات الفصل العنصري. وقد طلب إلى نظام جنوب أفريقيا أن يتخلى عن سياسته وأن يلغي تدابير القمع المتخذة ضد الشعب. وأعلنت الجمعية العامة أنها تعارض التعاون الاقتصادي مع حكومة جنوب أفريقيا وأعربت عن تأييدها للمقاطعة الاقتصادية لجنوب أفريقيا.

         وطلب مجلس الأمن إلى جميع الدول وقف بيع الأسلحة والذخيرة بجميع أنواعها إلى جنوب أفريقيا وكذلك المركبات العسكرية والمعدات ولوازم تصنيع وصيانة الأسلحة والذخيرة في جنوب أفريقيا ووقف شحنها إليها.

         وهذا النوع من الإجراءات لا يمكن تنفيذه في غياب الدعم النشط من جانب الشعوب، خاصة حيث يتميز التعاون مع جنوب أفريقيا بالقوة. والعمل الذي تضطلع به المنظمات غير الحكومية هو أحد الركائز الرئيسية التي تقوم عليها الحكمة المناهضة للفصل العنصري. وزيادة التنسيق بين الأمم المتحدة ووكالاتها، من جهة والمنظمات غير الحكومية من جهة أخرى أمر أساسي. وفي مواجهة قصور الحكومة، يغدو العمل الذي يضطلع به العمال والطلاب والهيئات الدينية بالغ الأهمية. ولا سبيل إلى تشجيع قطع العلاقات التجارية مع جنوب أفريقيا وانسحاب الأعمال التجارية الأجنبية منها بدون الدعم الفعال من عمال العالم. والحق أن كثيرا، من البلدان في أفريقيا وآسيا وأوروبا الشرقية ومناطق أخرى تنفذ جزاءات ضد جنوب أفريقيا، وتنفذها بعض هذه البلدان، متحملة في ذلك تضحيات كبيرة. وهناك بعض المقاطعات التي تفرضها حركات مناهضة الفصل العنصري والجمعيات التعاونية وبعض نقابات العمال في أوروبا الغربية، غير أن الشركات الموجودة في أوروبا الغربية واليابان لا تزال تزيد من تجارتها واستثماراتها.

         وللحركة النقابية العمالية ذاتها أمر تقرير نوعية الإجراءات التي هي مهيأة لاتخاذها تلبية لمناشدة الأمم المتحدة، وينبغي الإقرار بحقائق الحالة؛ فالسلطة في جنوب أفريقيا في قبضة مصالح الأقلية البيضاء التي تمتلك المناجم والمصارف وبيوت المال ومعظم المزارع والصناعات وتسيطر عليها، من خلال استخدام رؤوس الأموال الأجنبية. ولا يمكنكم تجاهل الكفاح من أجل تحرير العمال السود من ربقة الاسترقاق ووضع نهاية للتعذيب والمضايقة والاضطهاد. فالشعب الأسود في جنوب أفريقيا ينظر إليكم لتقدموا له يد العون.  وتدل الأدلة الواضحة على أن حكومة جمهورية جنوب أفريقيا قد انتهكت مبادئ القانون الدولي والأخلاق ولا تزال. ومن ثم فإن مسؤولية الأمم المتحدة عن اتخاذ إجراءات مشددة لمعاقبة جنوب أفريقيا مسؤولية واضحة ولا يرقى إليها أي شك. ومع ذلك، فإن ما جئنا لمناقشته هنا اليوم هو دور العامل. وإني أشير، في هذا المنعطف، إلى القرار الذي اتخذه مجلس الكنائس العالمي مؤخرا بتصفية ممتلكاته المالية في الهيئات التي تباشر أعمالا تجارية مع جنوب أفريقيا وسحب جميع الأموال المودعة لدى المصارف التي تواصل عملياتها في البلدان التي تهيمن عليها الأنظمة العنصرية. وهذا هو نوع الإجراءات المحددة التي يمكن أن تتخذها المنظمات غير الحكومية والتي اتخذتها فعلا بعض هذه المنظمات.

         وقد تابعت اللجنة الخاصة لمناهضة الفصل العنصري عن كثب هذه الإجراءات التي تتخذها المنظمات وباركت هذه الإجراءات وأيدتها. وهي ترغب في التأكيد على الدور الذي يمكن أن تضطلع به نقابات العمال عن طريق مقاطعة الشحنات الموجهة إلى جنوب أفريقيا والقادمة منها ورفض تحميل السفن المسافرة إلى جنوب أفريقيا والقادمة منها. ويمكن أن تطبق تدابير ضد النقل الجوى أيضا حيث يمكن للعمال أن يظهروا تضامنهم عن طريق مقاطعة الطائرات المحملة ببضائع من جنوب أفريقيا. وينبغي ممارسة ضغوط على المصارف والشركات لسحب أموالها والانسحاب من جنوب أفريقيا. وينبغي وقف هجرة العمال إلى جنوب أفريقيا تماما. ويمكن للمنظمات النقابية العمالية أن تنشئ لجانا إعلامية تعمل في تعاون وثيق مع حركات مناهضة الفصل العنصري في البلدان التي يهاجر منها العمال إلى جنوب أفريقيا والتي تتعاون مع جنوب أفريقيا. وينبغي أيضا وقف ظاهرة هجرة العمال من البلدان المجاورة إلى جنوب أفريقيا. وقد يكون من الضروري إنشاء هيئة عاملة دائمة فيما بين منظماتكم لتوجيه انتباه الحركة النقابية العمالية العالمية إلى الانتهاكات التي تحدث للحظر المفروض على شحن الأسلحة إلى جنوب أفريقيا وللحظر الاقتصادي المفروض عليها. وقد تكون الحركة النقابية العمالية أيضا في وضع يمكنها من تقديم المعونة المالية إلى ضحايا السياسات التي تتبعها جنوب أفريقيا. ومن المؤكد أنه ينبغي ألا تكون لدى أية منظمة نقابية عمالية رغبة في استثمار أموالها في الشركات المشتركة في استغلال عمال جنوب أفريقيا أو أن تكون لها ممتلكات فيها. وقد قدر في العام الماضي أن المملكة المتحدة وحدها بها 18 نقابة عمالية تستثمر ما يزيد على 12 مليون جنيه إسترليني في شركات ذات مصالح في جنوب أفريقيا.

         وأود أن أؤكد على أن الأمم المتحدة في حاجة إلى دعم نشط ومستمر من قبل نقابات العمال والمنظمات الأخرى في مختلف أنحاء العالم لكي تكون قراراتها المتعلقة بجنوب أفريقيا أو ناميبيا فعالة. وقد غدا هذا الدعم ضروريا للغاية بسبب الموقف غير المتعاون الذي تتخذه بعض الدول التي تشكل أكبر المتاجرين الرئيسيين مع جنوب أفريقيا. وقد أقرت لجنة مجلس الأمن المعنية بالجزاءات المفروضة على روديسيا بأن تنفيذ الجزاءات الإلزامية ضد نظام سميث يقتضي تعاون نقابات العمال والمنظمات الأخرى.

         أن هذا المؤتمر عليه التزام سينمو باطراد وسيغير تغييرا جذريا ظروف عمل الرقيق الموجودة حاليا في جنوب أفريقيا. ويمكن لحركة عمالية موحدة تعارض الفصل العنصري أن تعاجل نظام الاستغلال والاضطهاد في هذا البلد بضربة مميتة. ولذا فإنني أناشدكم، بالنيابة عن اللجنة الخاصة لمناهضة الفصل العنصري التابعة للأمم المتحدة وباسم عمال جنوب أفريقيا السود الذين يعانون، النظر في إجراءات محددة يمكن أن يتخذها العمال في كل مكان وباعتبارهم جبهة موحدة. وقد يعتبر من الضروري القيام بمتابعة بعد ثلاثة أو أربعة أو ستة أشهر لاستعراض ما أحرز من تقدم. وسيكون اتخاذ القرار شأنا من شؤونكم أنتم. وستتعاون لجنتي معكم. وسيحظى النهج الذي ستتبعه حيال هذه المسألة المنظمات الموجودة في البلدان التي لها تجارة وتعاون مع جنوب أفريقيا بأهمية خاصة، وقد يكون ذلك هو العامل المحدد للنجاح أو الفشل النهائيين للمؤتمر النقابي الدولي لمناهضة الفصل العنصري.