إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء

 



التقرير الخاص للجنة الخاصة لمناهضة الفصل العنصري عن "مذبحة سويتو وأعقابها"

A/31/22/Add.1 ، 3 آب/ أغسطس 1976

أولا ـ مقدمة

  1. إن الانتفاضة الحاصلة في جنوب أفريقيا منذ 16 حزيران/ يونيه 1976، ضد الفصل العنصري والتمييز العنصري والمذابح الوحشية التي ارتكبها النظام الحاكم في جنوب أفريقيا ضد أطفال المدارس الأفريقيين وغيرهم إنما تمثل مرحلة جديدة في كفاح شعب جنوب أفريقيا في سبيل الحرية وتحديا لا مفر منه للمجتمع الدولي.
  2. وعلى الرغم من أن السبب المباشر للمظاهرات التي قام بها الطلبة الأفريقيون هو الفرض التعسفي، من قبل النظام القائم على الفصل العنصري، للغة الأفريكانية بوصفها اللغة الثانية للتدريس في المدارس الثانوية الأفريقية، فإنها تعبر، في واقع الحال عن المقاومة الأفريقية للفصل العنصري بكافة مظاهره.
  3. وكما أقر مجلس الأمن في قراره 392 (1976) المعتمد بتوافق الآراء في 19 حزيران/ يونيه، فإن الحالة الراهنة "قد نشأت نتيجة للفرض المستمر، من جانب حكومة جنوب أفريقيا، للفصل العنصري، والتمييز العنصري، تحديا لقرارات مجلس الأمن والجمعية العامة".
  4. وقد أعربت حكومات ومنظمات عامة عديدة في مختلف أنحاء العالم عن جزعها إزاء القتل الوحشي للأفريقيين، وطلبت أن يكف النظام الحاكم في بريتوريا عن ممارسة الفصل العنصري والقمع، وطالبت باتخاذ تدابير دولية أكثر فعالية للقضاء على الفصل العنصري.
  5. بيد أن النظام الحاكم في بريتوريا قد ازدرى قرار مجلس الأمن، ومع أنه قدم تنازلات جزئية بشأن مسألة التدريس باللغة الأفريكانية، إلا أنه لجأ في الوقت نفسه إلى ممارسة القمع على نطاق واسع ضد الأفريقيين وجميع مناهضي الفصل العنصري، وبهذا زاد من تردي الحالة.
  6. وترى اللجنة الخاصة أنه يجب على الجمعية العامة ومجلس الأمن بصفة خاصة، والمجتمع الدولي بصفة عامة، القيام، على وجه الاستعجال، باتخاذ تدابير أخرى لإنهاء هذه الحالة المتزايدة الخطورة، والتي يحتمل أيضا أن تؤدى إلى قمع وعنف أكثر وحشية ضد الأهالي الأبرياء وبالتالي إلى تهديد السلم في إطار دولي أوسع.

ثانيا ـ تكشف الأزمة

  1. عمدت اللجنة الخاصة مرارا، منذ إنشائها في عام 1963، إلى توجيه الانتباه إلى التردي المستمر في الحالة في جنوب أفريقيا نتيجة فرض سياسة الفصل العنصري من قبل نظام حكم الأقلية العنصرية البيضاء وما يمارسه من قمع وحشي ضد مناهضي الفصل العنصري. وأوضحت في تقاريرها السنوية والخاصة للجمعية العامة ولمجلس الأمن أن نظام حكم بريتوريا قد لجأ إلى ممارسة القمع المتزايد لتنفيذ الفصل العنصري في مواجهة المقاومة المستمرة بلا نقصان لسياسته. ...
  2. وفي هذه السنوات الثلاث عشرة بسبب نظام الحكم العنصري آلاما كثيرة للسود بالنقل القسري لمئات الآلاف من العائلات وإلقاء القبض على الملايين من الناس بمقتضى قوانين تمييزية، والحرمان من حقوق الإنسان الأساسية. كما أنه سن مجموعة من القوانين القمعية التي تنتهك كافة معايير العدالة؛ وسجن وقيد تحركات آلاف من زعماء السود وغيرهم من مناهضي الفصل العنصري وعرضهم لسوء المعاملة والتعذيب، مما أدى إلى حدوث ما يزيد عن عشرين حالة وفاة أثناء الاعتقال. ولجأ كذلك، في مناسبات عديدة، إلى إطلاق نيران شرطته على المتظاهرين المسالمين في حوادث وصفت بأنها حوادث "شاربفيل مصغرة".
  3. وعلى الرغم من كل هذه الوحشية فما برحت هناك مقاومة متزايدة ضد الفصل العنصري من جانب شعب جنوب أفريقيا المضطهد الذي تزايد الاعتراف الدولي بشرعية كفاحه.

...

  1. وقد أفضت هذه السياسات والتصرفات من جانب نظام الحكم العنصري في جنوب أفريقيا إلى خلق حالة على درجة عالية من التفجر أدت إلى المذبحة الأخيرة المروعة للأطفال الأفريقيين في سويتو وغيرها من المناطق. وإن التأييد الشعبي الواسع لمظاهرات الطلاب الأفريقيين ضد فرض اللغة الأفريكانية كوسيلة للتدريس في مدارس ثانوية قائمة على العزل العنصري إنما يعكس استياء شديد ضد مخططات النظام الحاكم الآثمة الرامية إلى إدامة سيطرة البيض. وإن ما اتسم به النظام الحاكم من وحشية لا إنسانية بلجوئه إلى عمليات القتل الوحشية ضد الأطفال الأفريقيين إنما يؤكد عزمه على مواصلة السير في طريقه الحالي الذي لن يؤدى إلا إلى كارثة.

ثالثا ـ مذبحة سويتو وأعقابها

  1. في 16 حزيران/ يونيه 1976 اشترك 10000 طالب أفريقي في سويتو، البلدة التي يعزل فيها الأفريقيون والتابعة لجوهانسبرغ، في مظاهرة سلمية ضد القرار التعسفي الذي فرضته سلطات "تعليم البانتو" بضرورة استخدام اللغة الأفريكانية كوسيلة لتدريس عدة مواد في المدارس الثانوية. وفتحت الشرطة النار على المتظاهرين مما أسفر عن مقتل عدة أطفال. وتم نقل إحدى وحدات الشرطة الخاصة المدربة على مكافحة الإرهاب في المناطق الحضرية إلى سويتو بطائرات الهليكوبتر التي استخدمت أيضا في إلقاء قنابل مسيلة للدموع. وفي المواجهات التالية بين الشرطة والأفريقيين؛ ومعظمهم من الطلبة، قتل وجرح عدد كبير من الأشخاص. وقد دمر الأفريقيون عددا من المباني ـ لا سيما مكاتب مجلس إدارة شئون البانتو في الراند الغربية؛ ومحلات المشروبات الروحية والمحلات العامة لاحتساء البيرة ـ التي يعتبرونها رمزا للتمييز والاضطهاد العنصريين.
  2. وتبين روايات شهود العيان عن الأحداث التي وقعت في 16 حزيران/ يونيه أن الشرطة كانت تطلق النار على أطفال المدارس وتقتلهم دون تمييز، وصرح أحد كبار ضباط الشرطة للصحفيين بقوله: "إننا نطلق النار عليهم مباشرة. لا فائدة من إطلاق النار في الفضاء فوق رؤوسهم". وقد أدى إرسال كتائب كبيرة من الشرطة إلى البلدة إلى إثارة غضب الأفريقيين.
  3. وفي 17حزيران/ يونيه نظم عدة مئات من الطلبة البيض من جامعة ويتووترزراند مظاهرات في جوهانسبرغ تعاطفا مع الطلبة السود في سويتو وانضم إليهم عمال سود. وقد هاجمهم  بوحشية الحرس من الأهالي البيض والشرطة مما أسفر عن إصابة عشرات من الأشخاص بجراح خطيرة.
  4. وسرعان ما امتدت المظاهرات ضد "التعليم البانتو"، وتضامنا مع الطلبة الأفريقيين في سويتو إلى العديد من البلدات الأفريقية بالقرب من جوهانسبرغ، وبريتوريا، وكروغررذورب، وجيرمستون، وبينونى، وبوكسبرغ، وكليركسدورب، ونيلسبروى - بل إلى معظم البلدات الواقعة في منطقة ويتووترزراند- بريتوريا وكذا إلى أجزاء من محافظة ترانسفال الشمالية وولاية أورانج الحرة وناتال. كما تظاهر الطلبة في جامعة الشمال في تيرفلوب وجامعة زولولاند في نغويا للإعراب عن تعاطفهم، وتم إغلاق الجامعتين(*).
  5. ويستدل من الأرقام الرسمية أنه قتل 176 شخصا وأصيب 1139 شخصا بجراح، كان من بينهم عدد كبير من الأطفال الصغار. وتم إلقاء القبض على ما يزيد عن 1300 شخص. وثمة ما يدعو إلى الاعتقاد بأن الخسائر في الأرواح كانت في حقيقة الأمر أكثر من ذلك بكثير.
  6. وقد كان السبب المباشر لمظاهرة الطلبة في سويتو، كما ذكر من قبل، هو فرض اللغة الأفريكانية كوسيلة للتدريس في المدارس الثانوية.
  7. وجدير بالإشارة أن النظام الحاكم في جنوب أفريقيا قام بفصل التعليم عام 1954، ووضع نظام "تعليم البانتو" للأفريقيين على أساس فلسفة السيد هـ. ف. فيرفورد، وزير شؤون الأهالي آنذاك، القائلة بأنه "لا يوجد مكان للبانتو في المجتمع الأوروبي فوق مستوى أشكال معينة من العمل" وقد تعرض الأفريقيون لتمييز صارخ في التعليم.

...

  1. وتظاهر النظام الحاكم في بريتوريا بالتشاور مع أعضاء مجلس البانتو في المدن، وهو مؤسسة للفصل العنصري يزدريها الشعب الأفريقي، وأعلن أن القرار المتعلق بالوسيلة التي سيتم التدريس بها سيترك لمديري المدارس الذين يعملون بالتشاور مع مجالسهم المدرسية واللجان المدرسية. كما أعلن عن خطط لإمداد كافة المنازل في سويتو بالكهرباء خلال فترة تتراوح بين خمس وسبع سنوات ولمنح المجالس البانتو في المدن سلطات أوسع.
  2. وبينما كان النظام الحاكم يقدم هذه التنازلات الضئيلة على أمل نزع الفتيل من المقاومة نجده يرفض بصورة قاطعة مطالب إنهاء الفصل العنصري ويمارس عمليات قمع على نطاق ضخم ضد الأهالي السود، وكذا ضد البيض الذين طالبوا بوضع حد للفصل العنصري.
  3. وفي 15 تموز/ يوليه وضع الأحكام الخاصة بالاعتقال لأجل غير مسمى من قانون الأمن الداخلي موضع التنفيذ وقام باعتقال عدد كبير من زعماء منظمة طلبة جنوب أفريقيا؛ ومؤتمر السود. ووجه تحذيرات رسمية إلى عدد كبير من خصوم الفصل العنصري بألا يقحموا أنفسهم في الموقف.

رابعا ـ ضرورة بذل جهود عاجلة لعزل النظام العنصري ومساعدة الشعب المضطهد

  1. إن المذبحة التي وقعت في سويتو والأحداث المتصلة بها لتبرهن مرة أخرى على وحشية النظام العنصري الحاكم في جنوب أفريقيا، وتبين أن السود في جنوب أفريقيا، الذين يشكلون الأغلبية العظمى من سكان البلد، لا يستطيعون أن يسترعوا الانتباه إلى شكاواهم اليومية وان يجدوا حلا لها، ناهيك عن الحصول على حقوقهم غير القابلة للتصرف عن طريق توجيه النداءات وتقديم الشكاوى إلى النظام العنصري الحاكم. وقد أدى تصلب الحكومة إزاء النداءات المتكررة التي وجهها المشتغلون في التعليم والآباء الأفريقيون من أجل الاستجابة لمطالب الطلبة، وأدت عمليات العنف التي ارتكبت على نطاق واسع ضد المتظاهرين من الطلبة، إلى تعزيز اقتناع الأفريقيين بأن الاحتياجات السلمية تعتبر عديمة الفعالية، وأنهم في حاجة إلى اللجوء إلى كافة الوسائل الضرورية الأخرى للتحرر من الاضطهاد والطغيان العنصريين.
  2. ولقد برهنت الأحداث الأخيرة على أن النظام العنصري الحاكم عاجز عن العدول عن الفصل العنصري والتمييز العنصري، وفاء بما وعد به ممثله أمام مجلس الأمن في تشرين الأول/ أكتوبر 1974، وعن السعي للتوصل إلى حل قائم على المبادئ المتجسدة في ميثاق الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
  3. ولقد بينت تلك الأحداث أنه لا يمكن أن يكون هناك حل للحالة الخطيرة في جنوب أفريقيا دون أن تستبدل بنظام الأقلية العنصري حكومة تقوم على مبدأ المساواة وممارسة جميع سكان جنوب أفريقيا لحق تقرير المصير.
  4. وتحيط اللجنة الخاصة علما بالقرار الذي اعتمدته منظمة الوحدة الأفريقية بشأن مذبحة سويتو خلال الدورة العادية السابعة والعشرين للمجلس الوزاري في نهاية حزيران/ يونيه 1976، والذي جاء فيه "أن الضمان الوحيد الفعال للشعب الأفريقي في جنوب أفريقيا ضد تكرار المذابح هو شن نضال مسلح كي يستولي الشعب على مقاليد السلطة".
  5. وترى اللجنة الخاصة أن على جميع أولئك الذين يعارضون الفصل العنصري أن يتركوا جهودهم العقيمة لإقناع النظام العنصري الإجرامي بالتخلي عن العنصرية، وأن يتخذوا تدابير حازمة لعزل النظام العنصري ومساعدة الشعب المضطهد، وحركات تحريره، في النضال من أجل القضاء التام على الفصل العنصري وممارسة حق تقرير المصير.

...

خامسا ـ التدابير التي اتخذتها اللجنة الخاصة

  1. منذ الأحداث التي وقعت في 16حزيران/ يونيه 1976، حاولت اللجنة الخاصة، وفقا لولايتها، أن تعلن عن الحالة القائمة في جنوب أفريقيا وأن تشجع على اتخاذ تدابير دولية فعلية ضد الفصل العنصري.
  2. وفي بيان مؤرخ في 17 حزيران/ يونيه 1976، أشار رئيس اللجنة بالنيابة ومقررها إلى أن الأحداث التي وقعت في سويتو ليست إلا مثالا آخر على وحشية النظام الحاكم في بريتوريا، وأنها تبرهن على اشتداد الروح الكفاحية لدى الشعب المضطهد وعلى شجاعته في مواجهة القمع اللاإنساني وأكد أن النزاع القائم في جنوب أفريقيا إنما هو نزاع بين العنصرية واللاعنصرية، وأضافا:

         "في القرار 3411 جيم (د-30) المؤرخ 28 تشرين الثاني/ نوفمبر 1975، أعلنت الجمعية العامة أن على الأمم المتحدة والمجتمع الدولي مسؤولية خاصة تجاه شعب جنوب أفريقيا المضطهد وحركاته التحريرية، وتجاه الأشخاص المسجونين والمفروض عليهم قيود والمنفيين بسبب كفاحهم ضد الفصل العنصري. عليه فإن كل جريمة ارتكبها نظام فورستر الحاكم ضد السكان السود إنما هي إهانة مباشرة للأمم المتحدة وللمجتمع الدولي. وإن قتل أطفال المدارس السود في سويتو إنما هو واحدة من هذه الجرائم. "ونيابة عن اللجنة الخاصة لمناهضة الفصل العنصري، نناشد كافة الحكومات والمنظمات أن تستنكر هذه الجريمة التي ارتكبها نظام فورستر الحاكم".

         "وإننا ننادى من جديد بفرض احتكار كامل على كافة الإمدادات إلى القوات المسلحة والشرطة في جنوب أفريقيا، وبالعزل الكلى للنظام العنصري الحاكم في جنوب أفريقيا".

...

سادسا ـ توصيات بالتدابير التي يجب اتخاذها

  1. إن اللجنة الخاصة ترى أن من المحتم أن تتخذ الأمم المتحدة والمجتمع الدولي إجراء عاجلا وفعالا في ضوء الحالة الراهنة الخطيرة في جنوب أفريقيا، وفي الجنوب الأفريقي بوجه عام، وذلك حتى يمكن استئصال الفصل العنصري كلية وحتى يمكن مساعدة شعب جنوب أفريقيا على ممارسة حقه في تقرير المصير. ويتعين على الأمم المتحدة والمجتمع الدولي الاعتراف بأن النظام العنصري في جنوب أفريقيا، بممارسته لسياسة الفصل العنصري الإجرامية، ما زال مصدر تهديد متزايد الخطورة للسلم في المنطقة، والاعتراف أيضا بشرعية كفاح شعب جنوب أفريقيا المضطهد من أجل الحصول على حقوقه غير القابلة للتصرف، وتوفير كافة المساعدات اللازمة له في كفاحه من أجل التحرر.
  2. وقد اصبح هذا الآن يمثل مهمة عاجلة لا مفر منها للمجتمع الدولي.

...


 


(*) كانت الجامعة الأفريقية السادسة القبلية القائمة على العزل العنصري وهي جامعة فورت هير في عطلة في شهر جزيران/ يونيه. وقد نظم الطلبة في تلك الجامعة مظاهرة للإعراب عن تضامنهم في 17 و18 تموز/ يوليه 1976 فأغلقت الجامعة على الفور.