إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء

 



البيان الذي أدلى به الأمين العام بطرس بطرس غالي في الجلسة الرسمية
التي عقدتها اللجنة الخاصة لمناهضة الفصل العنصري
احتفالا باليوم الدولي للقضاء على التمييز العنصري

نشرة الأمم المتحدة الصحفية SG/SM/4948-GA/AP/2118، 22 آذار/ مارس 1993

         بدأ الاحتفال السنوي بهذا اليوم، بوصفه اليوم الدولي للقضاء على التمييز العنصري، بقرار اتخذته الجمعية العامة في عام 1966. وهو يحيي ذكرى 69 من المتظاهرين السلميين- أغلبهم من النساء والأطفال- الذين قتلوا في مذبحة شاربفيل في عام 1960. ويدعو المجتمع الدولي إلى مضاعفة جهوده للقضاء على التمييز العنصري بجميع أشكاله.

         وفي كل عام، كان المجتمع العالمي يكرم الذين قضي نحبهم في شاربفيل. ويتأمل في تضحيتهم، ويحشد فكره وجهوده من أجل ضحايا الفصل العنصري الأشقياء. ويركز الاهتمام، بصورة متزايدة، على المهمة الضخمة المتمثلة في بناء جنوب أفريقيا الجديدة.

         وفي هذه السنة، مثلا، دعت بعثات المراقبين الدوليين في جنوب أفريقيا، جميع مواطني هذا البلد إلى تكريس جهودهم للسلم والمصالحة، في هذا اليوم.

         ويصادف الاحتفال باليوم الدولي للقضاء على التمييز العنصري في هذا العام، لحظة هامة في عملية المفاوضات في جنوب أفريقيا. فقد دخلت مرحلة جديدة.

         فمنذ اسبوعين، عقد في يومي 5 و6 آذار/ مارس مؤتمر تخطيط متعدد الأطراف، في كمبتون بارك، بجنوب أفريقيا، للتخطيط من أجل استئناف المفاوضات الدستورية المتعددة الأطراف والكاملة النطاق. وحضر المؤتمر 26 من الوفود التي تمثل أكبر مجموعة من الأحزاب والمنظمات السياسية اجتمعت على أرض جنوب أفريقيا في أي وقت من الأوقات. وفي قرار بعيد المدى، التزم المشتركون، كأفراد وجماعات، بإجراء مفاوضات دستورية متعددة الأطراف داخل المحفل المتعدد الأطراف كمسألة ملحة من الناحية الوطنية، في موعد لا يتجاوز 5 نيسان/ أبريل 1993.

         ويعتبر هذا الاجتماع التاريخي إلى حد ما، إشادة بما اتسم به قادة جنوب أفريقيا، السود والبيض على السواء، من مرونة وحكمة وعزم في المضي قدما والسمو عن خلافاتهم لبناء مستقبل مشترك.

         والأمم المتحدة ملتزمة بتيسير عملية التفاوض ولم تدخر جهدا في سبيل تحقيق السلم والمصالحة. وفي تموز/ يوليه 1992، بينما كان البلد غارقا في انتهاكات واضطرابات لا نهاية لها وعنف بدوافع سياسية، قدم مجلس الأمن محفلا للقادة السياسيين بجنوب أفريقيا للإعراب عن مواقفهم. وحثهم، في الوقت نفسه، على التخلي عن العنف وإزالة العقبات المتبقية لاستئناف المفاوضات. وقمت، بناء  على طلب المجلس، بوزع مراقبين للأمم المتحدة للمساعدة على تعزيز آلية اتفاق السلم الوطني. ودعيت منظمات دولية وإقليمية أخرى، بالمثل، لإيفاد مراقبيها.

         ومن المسلم به، بصورة عامة، في الوقت الحالي، أن هذه القرارات والإجراءات التي اتخذتها الأمم المتحدة ومنظمات دولية أخرى، في الوقت المناسب، قد ساعدت في الحد من التوتر السياسي في جنوب أفريقيا. وكان لها أيضا أثر إيجابي على الحالة السياسية في البلد.

         وأود هنا أن أحث قادة جميع الأحزاب والمنظمات على المثابرة في جهودهم للتوصل إلى اتفاق على المبادئ والطرائق الخاصة بالفترة الانتقالية الصعبة المقبلة. ومن المهم أن يقوم هذا الاتفاق على مبادئ الشمول والتسامح والاحترام المتبادلين التي تعد أساسية في تحقيق حكم ديمقراطي من خلال انتخابات حرة ونظام دستوري جديد.

         ويجب أن يكونوا على ثقة من دعم الأمم المتحدة والمجتمع الدولي ككل، في هذه المحاولات.

         غير أن الوقت عامل أساسي في جنوب أفريقيا كما هو في أماكن أخرى. ومن الأمور الجوهرية تحقيق تسوية عاجلة في جنوب أفريقيا لإتاحة الفرصة للدولة لكي تعالج الاختلالات الاجتماعية والاقتصادية الخطيرة الناجمة عن عقود من الفصل العنصري ولكي تعود إلى طريق النمو الاقتصادي المستدام.

         وفي ندوة عقدت في ويندهوك في العام الماضي، نظرت هيئات ووكالات تابعة لمنظومة الأمم المتحدة في طرق ووسائل معالجة هذه الاختلالات. وهي تستعد الآن للوقت الذي يمكن فيه أن تقدم مساهماتها الكاملة لهذا الغرض، لاسيما في المجالات الحاسمة المتمثلة في الصحة والتعليم والإسكان، مع مراعاة احتياجات الأطفال والنساء، وهما أضعف الفئات في جنوب أفريقيا، بصورة خاصة.

         وجدير بالذكر في هذا الصدد أن الأمم المتحدة تقدم المساعدة الإنسانية والقانونية والتعليمية والغوثية إلى ضحايا الفصل العنصري، منذ وقت طويل - وتقوم بذلك، بدرجة كبيرة، من خلال الصندوق الاستئماني لجنوب أفريقيا وبرنامج الأمم المتحدة التعليمي والتدريبي للجنوب الأفريقي.

         وفي العام الماضي، ساهمت 27 حكومة بما مجموعه 7 ملايين دولار في مؤتمر إعلان التبرعات لبرامج تقديم المساعدة للجنوب الأفريقي.

         وفي مؤتمر إعلان التبرعات المنعقد هذا الصباح، تلقيت أيضا مساهمات هامة من عدة حكومات. وأود أن أتوجه بالشكر إلى جميع البلدان المانحة لما قدمته من مساهمات سخية وأن أعرب عن أملى في أن تنضم بلدان أخرى أيضا إلى هذا الجهد الإنساني الدولي الصادق.

         وقد مثلَّت مذبحة شاربفيل- وما أظهرته من احتقار لحقوق السود من سكان جنوب أفريقيا - بشاعة الفصل العنصري في أسوأ صوره.

         ولكن هناك أشكال أخرى من العنصرية إلى جانب العنصرية المؤسسية المتمثلة في الفصل العنصري. ففي بلدان كثيرة جدا، تشعر الأقليات بالخطر من جراء التعصب بجميع أشكاله.

         ويمكن بسهولة أن تصبح الديمقراطية - وهي تحكم الأغلبية - استبدادا من جانب الأغلبية ما لم توضع ضمانات.

         ومقاومة العنصرية والتمييز العنصري عنصر جوهري بالنسبة للأمم المتحدة وميثاقها. فالميثاق يسلَّم بأهمية حقوق الإنسان الأساسية والمساواة وبقيمة كل إنسان وقدره؛ بل إنه يعتبرها القاعدة الأساسية للتقدم الحقيقي والتنمية الدائمة.

         والأمم المتحدة، إذ تؤيد الميثاق، تنادي بالقيم العالمية المتمثلة في حقوق الإنسان وكرامة جميع البشر. وسوف نعقد المؤتمر العالمي لحقوق الإنسان في وقت لاحق من هذه السنة، في فيينا، في شهر حزيران/ يونيه. وسوف يتيح لنا هذا فرصة عظيمة للنظر في تدابير عملية لحماية وتعزيز حقوق الإنسان في العالم.

         والكفاح ضد العنصرية غير مقصور على الجنوب الأفريقي ولا ينبغي أن يقتصر على الكلام فقط، ويلزم أن توضع حقوق الإنسان، بما في ذلك الحماية من التمييز العنصري، في القانون وأن ترصد وتراعى في الممارسة.

         ونحن على مشارف عهد جديد في جنوب أفريقيا، عهد يتميز بالرغبة في المصالحة ويعزم مجرد التغلب على الصعوبات بجميع أشكالها عن طريق التفاوض والحوار اللذين استؤنفا بالفعل.

         ومن المسلم به أن بعض الحوادث المؤسفة قد وقعت مصادفة في الماضي. ولا يستطيع أحد التنبؤ بالمستقبل. ولكن هناك شيء مؤكد هو أنه يمكن للمرة الأولى، رؤية بصيص من النور في جنوب أفريقيا. فقد اجتمع أعداء الأمس معا في كمبتون بارك من أجل إجراء حوار والبدء في تحديد عناصر عملية نأمل أن تؤدى قريبا إلى إقامة جنوب أفريقيا جديدة غير عنصرية وديمقراطية.

         وسيأتي يوم تكون قد تغلبت فيه جنوب أفريقيا، الأرض الغنية والمعذبة، على اضطراب الفترة الانتقالية. وستتمكن جنوب أفريقيا عندئذ من النظر إلى المستقبل بثقة في كرامتها المستعادة ووفرة مواردها والتزام شعب متصالح. وبطبيعة الحال، سيكون انتصارها انتصارا لجميع سكان جنوب أفريقيا وجميع الأفارقة في المقام الأول. ولكنه سيكون أيضا انتصارا للبشرية ككل.